علوان: "تقاطع نفسي اجتماعي ركحي سيحلّق بمسرح الطفل بعيدا"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
وفي هذا الحديث الخاص بـ"إيلاف"، يلفت علوان الذي يدير الجمعية المسرحية "أشبال عين بنيان" منذ نحو 27 سنة، إلى أنّ السقوط في فخ السهولة وعدم المتابعة، إضافة إلى الافتقار لثقافة (التمويل المسرحي) فوّت فرصة إقلاع حقيقية على قاطرة الركح المحلية.
bull;باعتباركم تقودون فرقة مسرحية تعدّ الأعرق في الجزائر، أي تقييم تجرونه لمسرح الطفل هناك؟
-مسرح الطفل في الجزائر ليس بخير، الممارسون ليسوا من ذوي الاختصاص، ويحبون السهولة بجنوحهم وراء التنشيط والارتجال والألعاب البهلوانية، لذا صار من هب ودب يمارس هذا النوع من المسرح تحت غطاء السهولة، رغم أنّ ركح الطفل تربوي وجمالي ولا يمكن تكريسه بهذا الشكل.
كلنا مسؤولون عن هذا الوضع، بما فيهم من ينشطون في قطاع الثقافة، المؤسسات التعليمية وسائر المرافق، وعليه أقترح مراجعة سياق الأمور لأنّ مسرح الطفل شيء مقدس، والعروض البهلوانية فن آخر لا علاقة له بمسرح الطفل، وحتى ردود أفعال البراعم حيال العروض البهلوانية ليست ذهنيا، بل ردات فعل انفعالية ظرفية إزاء لعبة فحسب.
bull;هل تريدون القول أنّ عروض البهلوان ومسرح العرائس أضرت بعمق مسرح الطفل؟
-أريد القول أنّه إذا كان لعروض البهلوان قواعد ورسالية، قد نجنح إليه في بعض الظروف والمناسبات، لكن نحن ضدّ أن يتم الميل إليه ويجري الخوض فيه من أي كان عبر طلاء الوجه والاستعراض المجاني، ما يجعلنا نسقط مجددا في فخ السهولة وتصبح المسألة تجارية على طول الخط.
bull;كاختصاصي أنفقتم أكثر من عشريتين في مسرح الطفل، ماذا عن مستوى العروض المقدمة خلال السنوات الأخيرة؟
-هناك محاولات من بعض الجمعيات والمسارح، رغم أنّ الإمكانيات المتوفرة تسمح بالابتكار، المشكلة برأيي تمكن في الانشطار الحاصل، إذ تقوم وزارة الثقافة بتمويل غير مدروس لأعمال دون ثمة متابعة، ما يجعل كثير من النتاجات لا ترقى إلى ما هو مأمول.
كما أستغرب في هذا السياق، ظاهرة الذات الواحدة في المسرح الجزائري، فتجد من يكتب النص، هو من يقوم بالإخراج ويصمم الكوريغرافيا والسينوغرافيا وهلّم جرا، رغم أنّ المسألة تقتضي التخصص والاستعانة بكوادر من كافة الاختصاصات، ما يجعلني أؤكد على أنّ عديد الأعمال الموجهة للطفل صارت تجارية ومن يقف ورائها ينظرون إلى جانب الكسب في المقام الأول، وهي محصلة مفجعة للأسف.
bull;دعا مختصون على منوال المخرج البارز "حسن عسوس" إلى إنشاء مؤسسة مركزية ذات صلاحيات واسعة تعنى بتنمية مسرح الطفل، ما مدى تأثير خطوة كهذه على المسار العام؟
-أؤيد هذه الاتجاه، وأرى أنّ الاقتراح إيجابي وستكون له انعكاساته النوعية على منظومة الإبداع المسرحي الطفولي، بشرط أن يكون من يشرف على هذه المؤسسة، أصحاب تجربة واسعة في الميدان، ويمتلكون مقومات تتماشى مع ما ينفرد به مسرح الطفل من خصوصيات.
ليس بخاف، أنّ مسرح الطفل في الجزائر بحاجة إلى الاستعانة بخدمات خبراء الاجتماع والنفس وغيرهم من مختلف التخصصات والفنون ذات الصلة، لإثرائه أكثر وجعله مواكبا ومستجيبا لاهتمامات طلائع الجيل الجديد، لا سيما متغيرات المرحلة واختلاف أطفال 2011 عن أجيال سابقة.
bull;على منوال مسرح الكبار، هل هناك حقيقة أزمة نصوص في مسرح الطفل؟
-بالفعل، الكتابة الركحية ناقصة بشكل مغاير لما كانت الجزائر تشهده في زمن سابق، وهو اعتبار أربطه بمحدودية الكتابة الدرامية الموجهة للطفل، فضلا عن تأليف نصوص لا تقوم على أساس درامي قار ما يجعل إخراجها صعبا ومعقدا نوعا ما.
والإشكال أربطه أيضا بعدم وصولنا إلى درجة تفعيل علماء النفس والاجتماع في الكتابة الركحية الموجهة للطفل، ومن الاستيراتيجي لمن يخوض في الميدان إدراك ماهية وخصائص الفئة العمرية التي هو بصدد مخاطبتها، لذا فإنّ معايشة السوسيولوجيين والسيكولوجيين للمسرح والإدلاء بدلوهم، ستغدو له نتائج حاسمة.
bull;ماذا عن دراما الطفل في الجزائر؟
-هي نادرة، واقتصرت على رائعة "الحديقة الساحرة" زمن الراحل "حديدوان"، بيد أنّها سقطت حاليا في الروتين والملل.
bull;ألا ترون بوجود شروخات بين المسرح المدرسي ومسرح الطفل في الجزائر، رغم أنّ الاثنين وجهان لعملة واحدة؟
-أعتقد أنّ المسرح المدرسي مشكلته مضاهية لمشكلة مسرح الطفل، وتكمن في حجم الاهتمام والكادر الجيد، رغم الاتفاق المبرم بين كل من وزارتي التربية والثقافة.
ومن موقعي كأستاذ التربية الموسيقية، لست أفهم كيف تمّ إدراج التربية الموسيقية كمادة أساسية في المقررات الدراسية، بينما لم يتم إدماج المسرح برغم الحديث عن ذلك منذ أكثر من عشر سنوات خلت، ولا يزال رهين أدراج وزارة التربية.
وبرأيي سيظل المسرح المدرسي مراوحا لمكانه، طالما أنّ المؤسسات التربوية تفتقد لإشراف أخصائيين ضالعين في إسقاطات أب الفنون.
-نطمح إلى أن يكون لدينا مسرح خاص، لكن ثقافة تمويل المسرح في الجزائر لا تزال غائبة، فإذا كانت الرياضة وخصوصا كرة القدم تحظى بتمويلات قياسية، فإنّ ثقافة (السبونسورينغ المسرحي) معدومة، ما يجعل جمعيتنا الصغيرة تعاني جرّاء الظروف الكارثية وغياب فضاء قار، بجانب نقص الاهتمام من مسؤولي البلدة، وسط سيطرة الثقافة المناسباتية، ما جعل المسرح البلدي حلما صعبا.
bull;المسرحي الجزائري المخضرم "عمر فطموش" يقول أنّه يجدر بمسرح الطفل أن يكون ترفيهيا ويمثل فترة استراحة للأطفال الذين لا يحتاجون بحسبه إلى أفكار ترهقهم، فهل يعني ذلك تجريد هذا النوع من أي مختبر فكري أو نسق توجيهي؟
-لا يجب احتقار الطفل، فالأخير له تخيلاته وهو سريع الاستيعاب، هائم بالجماليات والحركة، ويرفض البساطة والسهولة، مثلما يمج أن يُعرض عليه أي شيء، وهو متلقي وناقد ذكي في الآن ذاته، لذا أنا ضدّ الاقتصار على الترفيه لأنّ العقلية المتميّزة للأطفال تنبذ النتاج الذي لا يحرّك سواكن الأشياء.
bull;إذا ما أردنا تصنيف مسرح الطفل الجزائري عربيا، أين تضعه وماذا عن المستوى العام لمسرح الطفل في العالم العربي قياسا بمشاهداتكم واحتكاكاتكم؟
-أقول من دون مبالغة، أنّ أعمال مدرسة أشبال عين البنيان، يمكن لها أن تتألق عربيا على غرار "أبواب المحروسة"، وسبق لنا أن نلنا عديد الجوائز، ونتطلع لإجراء توأمات مع فرق في تونس، الأردن والمغرب على سبيل المثال لا الحصر.
وأحب أن أشيد بالمستوى الراقي لتجارب مسرحية في العراق وتونس، تبعا لما لمسته من إحرازات لافتة ثقافيا وفنيا هناك.