حمدي البطران: أختزلتُ الفقرات الجنسية في روايتي إلى حد يقبله الناشر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
وللبطران عدة أعمال روائية وقصصية ربما من أشهرها روايات "يوميات ضابط في الأرياف" و"خريف الجنرال" ومجموعة "تصريح بالدفن"، كما له قراءات ودراسات حول موجة العنف والإرهاب التي ضربت مصر في التسعينيات، منها كتابه "تأملات في عنف وتوبة الجماعات الإسلامية"، وله كتاب "مصر بين الرحالة والمؤرخين".
وفي هذا الحوار نتعرف على تجربته في الرواية الجديدة التي صدرت هذا الأسبوع عن سلسلة روايات الهلال.
** في روايتك الجديدة"ذكريات منسية" حاولت أن تخرج عن كتاباتك السابقة التي استوحيت فيها عملك في الشرطة، فهل فعلت ذلك عن اقتناع أم مجرد رغبة في التغيير؟
** دائما الكتابة الإبداعية تبدأ بفكرة ثم تتبلور الي عمل ناضج، والكاتب الروائي دائما لا يختار موضوعا للكتابة، ولكن الموضوع هو الذي يفرض نفسه بإلحاح علي الكاتب، ولا يستطيع الكاتب الفكاك من الفكرة أو الموضوع، ويظل يقلبه علي كافة وجوهه حتى يتوصل إلي صيغة نهاية متصالحة ويرضي عنها، وفي تلك الحالة يكون العمل قد أكتمل ونضج فيبدأ الكاتب في أعادة صياغته.
** حاولت في عملك أن تتحدث معانة المصريين في الخليج، ومعاناتهم مع حكوماتهم؟
** لم أكن الكتابة عن المصريين العاملين في الدول العربية، ولكن تجربة عمار بطل الرواية كانت ثرية، فحاولت كتابتها، فكتبت عن معاناته هنا في مصر قبل أن يسافر الي العراق، فهو خريج كلية آداب، كافح حتى حصل علي الليسانس في التاريخ بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف الأولي على الكلية، وكان طموحه أن يعين معيدا في الكلية، ولكنهم تجاهلوه، وعينوه موظفا في مجلس المدينة ليكتب خطابات رئيس المجلس، وفضلا عن فإن مرتب الوظيفة الجديدة لم يفي متطلبات علاج والديه وزوجته، ففكر في السفر، كان رصد كل شئ من لحظة استقلاله للحافلة عابرة الدول في طريقة للعراق، وشرح معاناته مع الشرطة سواء في مصر أو الأردن. وفي العراق عمل مع رجل قعيد يخدمه ويعتني بحديقة بيته ويعد له طعامه، ويقرأ له الكتب والمجلات، وكانت واستطاع خلال فترة تواجده في العراق أن يلم بالظروف السياسية التي واكبت الفترة انبثق ما يعرف بإتحاد الدول العربية في نهاية الثمانينات، كانت قيادات الدولة العربية تعبث بالشعور العام الجارف تجاه الوحدة العربية، وفي نفس التوقيت كان العراقيون قد فرغوا من حروبهم مع إيران، واتجهوا إلي المصريين حيث انتابتهم مشاعر الغيرة منهم، فشرعوا في الانتقام بحوادث قيل أنها فردية، تحدثت عنها الصحف المصرية في ذلك الوقت، في الوقت الذي كانت فيه القيادة العراقية تشتري المثقفين المصريين وتعقد المؤتمرات الأدبية وتنفق عليها بسخاء غير مبرر، وكان هذا تمهيد للخطيئة الكبرى واحتلال العراق، كان النظام يخطط باستمالة المثقفين العرب حتى يؤدي مشروعاته التوسعية علي حساب أشقائه. كان هذا بعض ما رصدته رحلة عمار العراق.
** هناك جانب آخر من معانة عمار مع حكومة بلاده والذي تمثل في عدم تعيينه معيدا بالكلية التي تفوق فيها، فهل كان هذا تجربة شخصية؟
** لم يكن هذا تجربة شخصية، فأنا لم أطمح للتعيين معيدا، فقد كنت ضابطا، ولكنها تجربة جيل من الخريجين المصريين مع التمييز والتعصب والوساطة والفساد الذي كان سائدا في الأوساط الجامعة، وهو ما أصاب التعليم بالتردي، وأصبحت جامعاتنا في ذيل قوائم الترتيب العالمي.
** في بداية الرواية نلمس جانبا من الحزن طغي علي الجزء الأول، فهل هذا جزء من التركيبة المصرية؟.
** الفترة التي أعقبت حرب 1973 تركت جروحا غائرة في كل البيوت المصرية، فلا يوجد بيت لم يسقط منه شهيد، فضلا عن معاناة المصريين جميعا من الجانب الكساد الاقتصادي الذي أعقب تلك الحروب، ولما بدأ المصريين يستردون أنفاسه جاء الإرهاب الأسود، فأذاقهم الويل سواء بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عن طريق مطاردة الشرطة للإرهابيين، وما صحبه من تجاوزات تحدثنا عنه في روايتي " يوميات ضابط في الأرياف " والتي نشرت عام 1998. وكان المواطن المصري البسيط ضحية لكل تلك المتغيرات التي واكبت تلك الفترة السوداء في تاريخنا، وهي الفترة التي واكبت حكم مبارك، وخلال تلك الفترة ضاعت مستحقات المصريين في الخارج، ولم تحاول الحكومات المصرية النظر إلي المواطن الذي جرحت كرامته في دول الخليج، دون أن تجرؤ وزارات الخارجية المتعاقبة علي التدخل لحمايته سواء من بطش المواطنين العرب أنفسهم والمتمثل في محاولة الاعتداء عليهم، أو بطش حكومات الخليج نفسها من خلال فرض ظروف قيود علي تداول النقود وانتقالها، كما فعلت العراق في فترة صدام حسين.
** ركزت علي ما يلقاه المواطن العربي من معاناة، فكانت هناك شخصية فارعة العراقية التي تحدثت عن معاناتها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، والفتاة الصومالية من خلال تعاملها مع الكارثة التي ألمت ببلادها والتي أدت إلي انهيار حكومة الصومال، فهل كان هذا مقصودا من خلال الرواية؟
** بالطبع كان علي أن أجلب هؤلاء الموطنين لإبراز معاناتهم، ولا أعرف إن كنت قد نجحت في ذلك من خلال الخروج من فك المباشرة أو التقريرية أم لا، غير أن معانة الإنسان العربي كانت دوما تمثل لي نوع من الصراع الداخلي عندما أقارن المواطن الأوروبي بالعربي، ومدي تمتع المواطن الأول بكافة حقوقه الإنسانية من حيث كرامته وحقه في ممارسة إنسانيته بعيدا عن المعانة، فأجد أن المواطن العربي، حتى في تلك الدول التي اقتحمتها نقود النفط أجد أنه عاجز عن ممارسة إنسانيته من خلال عدم قدرته علي التعبير، ومن خلال خوفه الدائم من سلطة الدولة، لأجل حاولت أن أبرز هذا الاتجاه، وانتظر من النقاد الحكم علي عملي الجديد هذا.
** تحدثت عن فارعة العراقية التي أحبها عمار الذي كان يعمل في منزل شقيقها، بالرغم من بقائها في بيت شقيقها لمدة قليلة فأنها أثرت عاطفيا في عمار وجعلته يكتب عنها روايته. كما أنك جعلت فارعة تأتي إلي مصر هربا مما تعانيه في العراق علي يد المتطرفين العراقيين والاحتلال الأمريكي، فهل هي محاولة للرد علي ما حدث للمصريين في العراق خلال فترة الثمانينات؟
** لم يكن ذلك مقصودا علي الإطلاق، وإنما كان القصد أبراز معاناة العراقيين مع المتطرفين العراقيين والذين كانوا أكثر قسوة علي العراقيين من المحتل الأجنبي. وأنا لم أميز في التعبير عن المعاناة التي قاساها المواطن العربي سواء كان مصري أو عراقي أو صومالي، ولكنني كتبت عنهم علي قدم المساواة، فلكل منهم معاناته الخاصة التي عاناها والتي ربما أغفلها الإعلام، بل وأغفلها الكتاب العرب أنفقسهم.
** يبدو من خلال الرواية أنك أفرطت في التعبير عن الجنس خاصة في الجزء المتعلق بفارعة سواء في المرحلة العراقية أو المصرية. فهل كان ذلك مبررا؟
** لا أعتقد ان الجنس كان مقصودا لذاته، فعندما يعجب رجل بامرأة فإنه يبحث عن الجنس المريح معها، وبطلنا كان يعاني من الحرمان الجنسي بكل صوره، وكانت امرأته ليست في تناول يده، فهي في مصر وهو في العراق، فكانت فارعة هي الخلاص الجنسي الشبقي بالنسبة له، وربما عاشت معه في خياله الجنسي، ولا أذيع سرا إذا قلت أن النسخة الأصلية التي لم تكن معدة للنشر كانت مليئة بالجنس الصارخ الذي عبر عنه البطل من خلال كتابات في روايته، ولم يكن هناك ناشر يقبل أن ينشر هذا الكم من الجنس، وهو ما أجبرني علي اختزاله إلي الكمية التي وصلت الي الي القارئ من خلال الرواية، وقد حاولت أن أجعل البطل ينفث عن رغبته من خيال التعايش مع الخيال علي أنه واقع، متصورا أنه اتصل جنسيا بفارعة، ولكن من خلال نظراته الشبقة اليها أوصل إليها رسالته وتقبلتها فارعة بنوع من الرضي، خصوصا عندما وجدت أن العامل التي يعمل عند أخيها وينظر اليها بشبق قد أصبح كاتبها وخلدها من خلال الرواية.
** ما هي مشروعاتك الروائية القادمة؟
** لدي رواية كانت تنتظر النشر منذ عام 2000، ونظرا لما تعرضت له بعد نشر روايتي "يوميات ضابط في الأرياف " فقد أحجمت عن نشرها فلم تكن الظروف السياسية تسمح لي بنشرها، وخصوصا وأنها تعتبر مكلمة ومتممة ليوميات ضابط في الأرياف، وقد طلبها مني أكثر من ناشر، ولا أذيع سرا أن أحد الناشرين طلبها قبل ثورة يناير 2011، وبعد أن أطلع عليها ردها لي بأدب.
غير أنني انشغلت عن الكتابة الروائية ببعض الكتب السياسية، فكتبت " تأملات في عنف وتوبة الجماعة الإسلامية ". و" مصر بين الرحالة والمؤرخين " وأستعد لإصدار " الأمن من المنصة الي التحرير " في القريب العاجل.
بل وكتبت بعض أعمال درامية وأرسلتها الي مدينة الإنتاج الإعلامي وشركة القاهرة للصوتيات والضوئيات. وكانت إجاباتهم مشجعة ولكن الظروف التي مرت بها وزارة الإعلام وقطاع الإنتاج كان له أثره، فضلا عن عدم أقامتي الدائمة في القاهرة ساهمت الي حد كبير في عدم الوصول الي القطاع الخاص وشركات الإنتاج، والتي تتطلب نوع خاص من العلاقات والاتصالات لا يتوافر، فأنا محدود العلاقات، ولا علاقات لي بالممثلين والمخرجين، وهو ما يلزم لوصول الأعمال الدرامية إلي المشاهد.
** أفهم من هذا أن إقامتك خارج القاهرة أبعدتك عن الأضواء والشهرة؟
** لا أعتقد في ذلك، فأنا لا أبحث عن الشهرة، وإنما كل كاتب يبحث عن توصيل أفكاره الي الناس. والكاتب دائما يبحث عن أوعية متنوعة لتحمل أفكاره التي يريد أيصالها للناس، ولا يكتفي بوعاء واحد الذي هو القصة أو الرواية، وقد حاولت أن أكتب الدراما لإعتقادي أنها اسرع في الوصول الي الناس من الرواية القراءة، وذلك من خلال التليفزيون. غير أن الكتابة الدرامية تستغرق الوقت والجهد، فضلا عن تكلفتها المادية، فقد كتبت " حكاية وردة " مسلسل في 30 حلقة وكل حلقه 35 ورقة، أي ما يزيد عن ألف صفحة، فضلا عن التركيز والمرهق في متابعة الشخصيات، من خلال مسسل يتحدث عن فترة زمنية في جياة طبيبة صعيدية تعاني مع أسرتها مع الناس. وفي النهاية نام المسل مع مسلسل آخر في أداراج مدينة النتاج الأعلامي في أنتظار مقابلة ممثلة ومنتج كما ذكر لي أحد كبار المسئولين بالمدينة، وللأسف الرجل لمعاش وتعثرت المدينة، ولا نعرف مصير أعمالنا التي نامت هناك منذ 6 سنوات. وكل هذا بسبب أبتعادي عن القاهرة وضخبها وضجيجها وحركتها الأدبية والفنية.