نقاد: "شجرة العابد" احتفاء جمالي بغرائب التصوف وسحر الشرق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد الحمامصي من القاهرة: وصف نقاد ناقشوا رواية عمار علي حسن الأخيرة "شجرة العابد" بمختبر السرديات في مكتبة الإسكندرية بأنها تمثل "سحر السرد العجائبي الذي ينهل من الصوفية ويبحث عن مصير الإنسان وحالات الوجود، ويعزز مسار الواقعية السحرية العربية، ويبين جانبا من سحر الشرق".
وأضاف "يتنقل السرد في الرواية بين الوصف والحوار في بنية دائرية عن الكون ووحدة الوجود، وتمس أيضا علاقة الشرق بالغرب، ويتم هذا في قالب معماري متماسك يبين احتراف الكاتب وتمرسه".
وتابع "يتبني الكاتب التصوف في منتجه الشرقي، فكريا وروحيا، ويصنع من قضية كرامات الأولياء أسطورة جميلة، يضفرها بأسطورة ذاتية من إبداعه، تذكرنا بالأعمال الغرائبية العربية التليدة".
من جانبه قال الناقد والباحث في الدراسات الشعبية حسن سرور "تمكن الكاتب باقتدار من توظيف الأثنوجرافية والأنثربولوجية بالجمالية" وقال إن اختيار الكاتب لنهاية عهد المماليك فضاء زمنيا لروايته ليس مسألة عبثية إنما نابع من إدراكه أن هذا العهد هو الذي امتد موروثه الشعبين بشقيه المادي والمعنوي، إلى مصر المعاصرة، وقال "انحازت الرواية إلى الطريقة المصرية في رؤية العالم، وفهم الدين، وتجلى هذا الانحياز في استعمال التصوف والصوفية المصرية كموضوع للسرد، والاستفادة من الرموز والمعاني القديمة التي أنتجتها الحضارة المصرية بطبقاتها الثلاثة الفرعونية والقبطية والإسلامية".
وتابع "اختيار الكاتب لأسماء أبطاله مقصود، ويتم توظيفه في خدمة السرد والموضوع، وكذلك اختياره للزمن والمكان" وقال "كل صفحة وكل جملة في الرواية تحتاج إلى قراءة خاصة من عمق المعنى الذي تنطوي عليه والتشكيل الجمالي الذي ترسم صورته".
من جانبه قال الأديب منير عتيبة، المشرف على مختبر السرديات، إن الرواية تتبع "الرحلة الأبدية للإنسان في محاولة اكتشاف نفسه، ومعرفة أسرار الكون" مؤكدا أنها "شجرة العابد" ممتعة في قراءتها، وأدهشني أن الكاتب بقدر من جعل من شجرته العجيبة بطلة فإنه جعل من امرأتين بطلتين أيضا، بينما بقي العابد بطلا من الدرجة الثانية، ففي النصف الأول من الرواية قادته أنثي من الجن، وفي النصف الثاني قادته أنثي من الإنس وكان هو تابعا في الحالتين.
واستطرد عتيبة "إن شجرة العابد تعد سياحة إبداعية روائية في الزمان بامتداده وعمقه، والمكان الأرضي والبحري والفضائي، ورحلة في الذات الإنسانية، والقيم الاجتماعية والسياسية والدينية، وهي محاولة طموحة للوصول إلى قمة المعرفة الإنسانية، وهي معرفة الإنسان بذاته في علاقته بالكون ورب الكون".
وحضر الندوة العديد من الأدباء والنقاد من مصر، إلى جانب كتاب من العراق والمغرب، كانوا يشاركون في فعاليات معرض الإسكندرية للكتاب، الذي يقام مختبر السرديات على هامشه.
وفي ندوة أخرى حول الرواية ذاتها اتفق نقاد على أن "شجرة العابد" تنهل من موروث هائل مبثوث في المخيال الشعبي العربي، وكذلك من نزوع الإنسان إلى التمرد لتصنع"أسطورة ذاتية"، تتفاعل أيضا مع الحكايات والمعاني الماثلة الحية في الوقت الحاضر، وتستفيد مما ورد في أضابير الكتب التي لا يزال بعضها قادرا على أن يظل متوهجا في ترسيخ "الواقعية السحرية".
وقال الناقد الدكتور حسين حمودة الأستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة "الرواية نجحت في بلورة ما يشبه الأمثولة الخاصة، التي تنحو إلى الاكتمال الداخلي بنزوع بطلها إلى تطهير نفسه، والاكتمال الخارجي بانحياز النص إلى الحرية والعدل".
وأضاف حمودة في سياق ندوة عقدتها ورشة الزيتون لمناقشة الرواية، وحضرها عدد من النقاد والأدباء، "الرواية تنطوي على بناء مركب جدا، رغم بساطته الظاهرية الخادعة، وتتسم بتعدد الأصوات، وترسم مسارا سرديا غنيا، وتنطوي على حشد هائل من التوصيف والصفات".
وتابع حمودة "الرواية تخفي وراءها جهدا كبيرا مبذولا، وذائقة مدربة، صقلها الإطلاع على موروث طويل، والاستفادة منه بقدر المستطاع، لاسيما عالم التصوف الرحب".
ووصف حمودة الرواية بأنها "لها صلة بالتاريخ، لكنها ليست رواية تاريخية، لأنها تتحرك حركة واسعة في عالم متباعد، لا أحب أن اسميه كونيا، لكنه عالم واسع، يحضر فيه الإنس والجن، والدين والثورة، والموروث الشعبي والأساطير، والتصوف وكثير من الواقع المعيش".
من جانبه قال الناقد الدكتور يسري عبد الله مدرس الأدب بجامعة حلوان "شجرة العابد سرد غرائبي عجائبي، وأسطورة ذاتية تتكيء على إرث عربي تليد، وتتبع استراتيجيات للحكي وأبنية سردية متجانسة، ووعي بآليات القول وتجلياته، ولذا فهي تحتاج إلى تفكيكها قرائيا، واستخلاص العلامات العديدة التي تسكن سطورها".
وأضاف "رغم أن الرواية تجري وقائعها في نهاية العصر المملوكي، لكن هذا الزمن لا يشكل المرجع الوحيد في الرواية، لأنها تربط الماضي بالحاضر".
وتابع "النص يمزج الفانتازي بالحقيقي، ويعتمد لغة شاعرية، وينطوي على ثراء متعدد الطبقات، يحمل داخله اكتنازا في المعنى والأداء الأسلوبي، وينطوي على العديد من القيم الإنسانية الخالدة، ويرسم بعض ملامح علاقة الشرق بالغرب".
من جانبه وصف الشاعر شعبان يوسف، الذي أدار الندوة، الراوية بأنها تنتمي إلى "عالم الصناعة الأدبية الثقيلة" وقال"الرواية تمزح بين الواقعي والأسطوري، وتجمع بين النصوص المقدسة والمتداول في التدين الشعبي، وتربط الماضي بالحاضر، وتنطوي على نبوءة بالثورة، وكل هذا يأتي في لغة عذبة، تستفيد من الروح الصوفية".
وقال الناقد حسن بدار إن "شجرة العابد" تدل على أن مؤلفها يطور أدواته باستمرار، فهي أنضج من رواياته السابقة "حكاية شمردل" و"جدران المدى" و"زهر الخريف"، مؤكدا أن الرواية تعزز الواقعية السحرية العربية. أما الكاتبة سامية زكي فلفتت الانتباه إلى ضرورة توظيف ما في التراث العربي من أساطير، وكذلك ما في الواقع المعيش من خرافات في إنتاج أدب شرقي قادر على منافسة ما يبدعه أدباء أمريكا اللاتينية الذين استفادوا من تراثنا بينما أهملناه نحن.
وشجرة العابد هي رواية عمار علي حسن الرابعة بعد"حكاية شمردل" و"جدران المدى" و"زهر الخريف" إلى جانب مجموعتين قصصيتين هما "عرب العطيات" و"أحلام منسية"، ونحو ثلاثة عشر كتابا في العلوم السياسية، فاز أحدها وهو "التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر" بجائزة الشيخ زايد في التنمية وبناء الدولة العام الماضي، فيما حصد المؤلف خلال العام الجاري جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في مجال القصة القصيرة، ونال خلال السنوات السابقة عددا من الجوائز الأدبية.
يشار إلى أن دار نفرو التي نشرت رواية "شجرة العابد" قد رشحتها للجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر"، واصفة إياها بأنها "رواية كونية" تسعى إلى تعزيز "الواقعية السحرية" العربية.