سيرة أولاد نايل: صفحات من الشعر والرواية وشرف القبيلة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يفيد الباحث الجامعي د/ بوجمعة هيشور، أنّ سيدي نايل عاصمة منطقة الجلفة (300 كلم جنوبي الجزائر) خلّفت آثارا ناصعة، في صورة رواية محمد بن سي أحمد بن شريف (1920)، التي أعقبتها رواية "زهرة" لعبد القادر حاج حمو (1925)، قبل أن يعود محمد بن سي أحمد بن شريف ليكتب بمعية الأمير خالد رائعة "في المدن المقدسة للإسلام" (1927) التي نُشرت في باريس.
ويفيد د/هيشور، أنّ أولاد نايل (النوايل) كما وصفهم ابن خلدون، هم عرب من الهلاليين، اشتهروا بكونهم أهل همة وجود وكرم، ألهموا قوافل من الشعراء بينهم الشاعر الكبير سيدي خالد، وبين خيامها كتب محمد ولد شيخ طلاليات "مريم في النخيل" (1936)، مثلما حملت الفيلسوف الفرنسي "روجيه غارودي" على استنشاق نقاوة الإسلام، وحفزّت الاسباني "ماكس أوب" الذي فر من الحرب الأهلية ببلاده، على كتابة قصائد نقل فيها معاناة الشعب الجزائري.
وفي مقام خاص، يبرز "أحمد خليفي" هذا الشاعر الشعبي الجزائري الكبير بمكانته المتفردة ليس وسط أبناء نايل فحسب بل بين عموم مواطنيه، ويرى دارسون أنّ زمرة الأناس السعداء يتجلون في هذا النايلي الذي يرتدي برنوسا منسوجا بشعر الجمال في قمة بهائه ونقائه.
ووسط خيمة الأدب والشّعر النايلية المعروفة بمسمى "البيت الحمراء" وهي خيمة مصنوعة من وبر الإبل، تقدّم فيها أطباق تقليدية كالملفوف والكسكسي النايلي، يتفنن شعراء المنطقة في ترديد أحلى القصص والروايات والأشعار، على منوال:
باسمك ربي خالقي نبدأ انظم ** كلمة سهلى نكمل مبداها
فالجلفة وأولاد نايل نتكلم ** سلسلة الأشراف يسعد من جاها
أهل الهمة و النيف ولمعاد الكرم ** وأهل الدين أصلاتهم في وقتاها
فرسان البارود ما فيهمش الذم ** بيت الضيف أمفرشة يا مبهاها
بزرابي و مخاد عندك لازمهم ** وفرشات موزقة فرشناها
والبدوية بيدها تقلع وتخدم ** زربية و فراش ووساد معاها
والقهوة بالشيح ريحة تتنسم ** في برادة ضاوية قد مناها
والفناجل من فرفوري يا مسلم ** و لاتاي اللي حب ورقة جبناها
واللي نافح في اللبن عندك يحشم ** في قدحية من شكوتو فرقناها
دقلة نور وزيد قرس أمعرم ** البيت الحمراء ما تعاير من جاها
البوصلوع النايلي للي عازم ** والرفسة بادهان زينة محلاها
بوكعوالة بيه صحرتنا تهتم ** أكلة شعبية جدك خلاها
والمشوي واجناب ملفوف أمدرقم ** بتوابل للضيف وحدناها
و القصرة ميادنا زين أمسقم ** بالحكمة نطقوا رجال أوشفناها
لينا يقصد ضيف ربي يافهم ** يتعشى ويبات قصرة محلاها
المحتاج انكفوه واللي جاء عازم ** والحقرة محال نرضى لبلاها
وحتى الخيل النايلي يكسب وغنم ** وكحيلة بكري السامع لرغاها
في القنطاس النايلي مكحلتوا ثم ** عادات جدوليه بكري خلاها
البيت الحمراء جات في الصحراء مرسم ** وعنها يسأل ضيف ربي وين راها
منظرها في الصحراء يفاجي كل الهم ** ايريح قلب اللي تعب كي يراها
رنات الخلخال تنطق تتكلم ** ذا البدوية قال سعد اللي خضاها
أغزالة شراد نظرتها تعدم ** والماهر صياد فرق وخطاها
بنت الصيل ابزينها ديما تحشم ** وردة في الصحراء وربي سجاها
الورد مفتح به عينك تتنعم ** و ظل البطمة فيه رقدة محلاها
و طيورة للصيد الفارس دربهم ** كي صبوا صابوا الكبدة وحذاها
ولايتنا ضاقت من الحرب الهم ** ياسرمن رجال ضحوا باسماها
جبل بوكحيل اعدونا فيه اتحطم ** والشاهد مازال يروي وحكاها
أمراكز تعذيب للقاسي يتلم ** مزالت لليوم تشهد شفناها
وفي ديكور يفوح برائحة الحب وكرم الضيافة، ويكرّس قداسة الالتحام بين الإنسان والأرض، يرافع الشاعر الفذ "علي عبدالواحد حرز الله" نجل الشاعر الشهير "أبو القاسم حرز الله"، لصالح تحصين العادات وحفظ الذاكرة الجماعية، حيث يقول في قصيدته:
لاَ نَنْسَى عَادَاتْنَا يَا ذَا لْحُضْرا
..........وْنَحْكي على التَاريخْ نُضْرُبْ تجْوَالة
قَلْبي فَرْفَرْ شَاقْ للْبَيتْ الْحَمْرا
..........بالْمُقْرَة حَنَّاتْ طَابَعْ لَعْمَالة
ارْجَالْ ابْمِيعَادْ شَيّاخَة حُضْرا
..........وْعُقبْ اللَّيلْ اتْبَاتْ تَمْدَحْ جَلْجَالة
أزْرَابَة وَافْرَاشْ وَالرَقْمَة حُرا
..........وْزَخْرَافَة بَالْوَانْ تَعْطِي دَلاَلَة
أشْكَالْ وْرُسُومْ تُرْمُزْ للصَحْرَا
..........تَحْكِي عَنْ اسْنِينْ فَاتَتْ طَـوّالَة
اسْنَيّاتْ امْزَوْقَة تَجْلَبْ نَظْرَا
..........وَالْقَهْوَة والتّايْ منْهَا سَيّالَة
الشَكْوَة بَرْبَاطْ فُوقْ الْحَمّارَا
..........بَالْعَفْصْ وْ عَرْعَارْ ريحَة فَعّالَة
فَوّاحَة ابْجَرْتِيلْ وَ الدَبْقَة عَطْرا
..........اشْرُبْ يَا مَعْلُولْ لَبنْ الْمَوّالَة
سَلكْ امْرَارَة فِيهْ للسَاقَمْ يَبْرَا
..........مْنَ النَعْجَة فَالْبَرْ تَرْعَى جَوّالَة
وَاقْدَاحَاتْ الْبَانْ تَحْضَرْ فَالْمَرَا
..........غَرسْ وْ دَقْلَةْ نُورْ لَينَا بَجّالَة
المْلّة فَالْكَانُونْ طَابَتْ بَالجَمْرَا
..........حَرْشَايَة وَاحْلِيبْ لَيهَا وَكّالَة
جَبنْ ابْقَفْصْ ابْيَاضْ نعْتُو جُمّارَا
..........طَبِيعِي فُرْمَاجْ مَنْ صُنعْ الْخَالَة
وَالْقَرْبَة بَامْيَاهْ سَالَتْ شَرْشَارَا
..........بَنّتْ مَسكْ اتْزِيدْ تَعْطِي مَثْقَالَة
جَلْبَتْلِي لَنْظَارْ رَكْبِيَا شَقْرا
..........وَرْيَاهَة للْخَيرْ دِيمَة صَهّالَة
الرَقْبَة بَسْبِيبْ بيها نَعّارَا
..........مَسْرُوجَة للْقَومْ عَنْهَا عَوّالَة
مَنْ لحْيَالْ الْهِيهْ تَلْقَى جَرْجَارَا
..........ابْنَقْرَاتْ الْخَلْخَالْ تَقْضِي جَيَالَة
الضَيفْ الْكَرِيمْ ليهَا بَبْشَارَا
..........بَالرَفْسَة وَادْهَانْ مَاهِي طَوّالَة
كَرّامَة للضَّيفْ ذِيكْ الْمَسْرَارَا
..........اطْعَامْ الْكُسْكُسْ ليهْ دِيمَة فَتّالَة
صِفَتْهَا غَزَالْ تَسْلَبْ بَالنَظْرَا
..........مَا يَامَنْ صِيّادْ جَاوهْ خَتّالَة
الْعَينِينْ السُودْ خُمْرِيَة سَمْرَا
..........وَاحْوَاجَبْ عَالْعينْ دَارُو هَلاّلَة
فُوقْ اكْتَافْ اشْعُورْ رَابَتْ مَظْفُورَا
..........كَمّوسَة بَالطِّيبْ للنّيفْ اقْبَالَة
الْبَاسْ الْحَشْمَة زَادْ فَالْهمّة كُبْرَا
..........,وْ بَالشَعرْ الملْحُونْ عَنْهَا قَوّالَة
امْلاَحَفْ الْوَانْ بَانُو سَحّارَا
..........واحْزَامْ البَثْرُورْ سَلْكُو يَتْلاَلَة
تَكْلِيلَة وْ مَسْلُوتْ في وَذنْ الْبَتْرا
..........خُرصْ القَصّة وَ الْعِوَاشَقْ شَعّالَة
الشّدْ وَالشَنْبِيرْ وَالْقَشْطَة صُرَا
..........والْخُمْري مَنْسُوجْ بالدّقْ أُخْلاَلَة
الْمَدْوَرْ لمّاعْ وَ الْحَولي سُتْرا
..........وامْشبّكْ وَسْـوَارْ فَضّة وْ خَلاّلَة
أجْحَافْ اعْلى الْبَلْ فَاتَتْ سَيّارَا
..........وْمرْحُولْ الْخَودَاتْ فيهُمْ سَوّالَة
الْجَحْفَة مَوْجَاتْ مَاحَتْ بَالْعَطْرَا
..........اتبّـعْ في خَطْوَاتْ لحْجَلْ عَدّالَة
وَارْجَالْ الْبَارُودْ بالْبَاسْ الْفُخْرَا
..........غَي فُرْسَانْ اطْيُورْ حَامُو مَيّالَة
مَنْ رَاسْ الْمَشْوَارْ دَارُو غَبّارَا
..........اهْرُبْ يَا عَلاّلْ جَاوْ الْخَيّالَة
الْعَرْبي وَ الْقَابْسِي مَاهُمْ عُرَا
..........دُخّانْ اكْحَلْ غَيمْ دَايَرْ ظُلاّلَة
ازْغاريتْ الْحَانْ للضّايمْ يَبْرَا
.........تَمْسَحْ كُلْ اقْلُوبْ وَاتْنَحْ ازْلاَلَة
احْني وْضَايَاتْ غَابَة بَالسَدْرَا
..........وَاشْعَابْ وْ خُلْجَانْ وَدْيَانُو حَالَة
البُطْمَة بَاظْلاَلْ بَانَتْ شَوَارَا
..........مَقْصَدْنَا فَالْحَرْ فِيهَا قَيَّالَة
اللّكْ وْ زَبُّوجْ فَالْوَادْ أُعْمَارَا
..........وَ الزّاوَشْ وَزْوَازْ دَايَرْ حَلْحَالَة
أُعْقُبّة وَ اطْيُورْ سَكْنُو وَكّارَا
..........عَنْ لَرْنَبْ وَ احْبَارْ عَاشُو مَدْلاَلَة
وْلاَتَامَنْ حَجْلاَتْ طَارُو صَفّارَا
..........والثَبَّتْ فَالسَيرْ وَ أقْرَا الْبَسْمَالَة
الثَعْلَبْ وَالذِيبْ طَبعْ الْمَكّارَا
..........صَيّادَة فَالْبَرْ يمْشُو دَهْكَالَة
الْقَوبَعْ وَ التَرشْ مَنّكْ فَرْفَارَا
..........وْ مُسَيْسِي وَالدُخْ طَارُو مَذْلاَلَة
اصْرنْدِي وَ الصَوّاقْ مَاهُمشْ احْيَارَا
..........واللَّهَايَاتْ أُرْكَاكْ لُحتْ الدَرْبَالَة
والْجَرْبُوعْ أمْعَا الجرْدَة في زَغْرَا
..........مِيرَاقَة وَاعْفَارْ دَارُو شَغْلاَلَة
والقنْفُودْ امْعَا الزِوَاقَدْ في سَهْرَا
..........وَالْوَرْنَة وَالضّبْ ديمة صَوّالَة
امْعَاذَرْ وَامْرُوجْ شَعّاعَـة خَضْرَا
..........مخْرُوفَة وَ ارْبِيعْ جَادَتْ غَسّالَة
الْخَدّة وَالرُقّيمْ تَفْلى دَرْدَارَا
..........حُمّيضْ وْ خُبيزْ للْمَة كَمّالَة
مَرِّيوتْ وَ الْخَافُورْ وَ الْفَيجَلْ تَارَا
..........تَالْمَة وَالتَرْثُوثْ مَانَا قَدّالَة
الْعَجْرَمْ وَ اقْدَادْ وَارْمَاثْ وْ شَجْرَا
..........كُمّيشْ وْ لَوّايْ خَبّلْ تخْبَالَة
وَالْقِيزْ ابْعَسْـلُوجْ دَارْ النُوَارَا
..........خَيّاطَة وَ اشْنَافْ نَجمْ وْ خُرْطَالَة
الْحَلْفَة بَالدَقْمُوسْ دَارَتْ جُمّارَا
..........وَالْبَاقَلْ بَاكْدَاهْ خُوذْ الْحَمّالَة
الْجَوْبَرْ وَالتَرْفَاسْ مَطْيَبْهَا صُفْرَا
..........سُبْحَانْ الله خَالْقُو ذُو الْجَلاَلَة
اللِّي قَالْ الأبْيَاتْ جَاتُو ذَالفَكْرَا
..........مَنْ صُغْرُو شَفّايْ عَرْشُـو رَحّالَة
يَنْضَحْ بَاللِّي فِيهْ بَاشْعَارُو يَقْرَا
..........متْفَكّرْ لَرْصَامْ مَنهُمْ في حَالَة
عَايَشْ في خَيَالْ مَطْيَبْهَا عَشْرَا
..........وْ مَتْفَكّرْ مِيعَادْ ذُوكْ الرَجّالَة
ابْقَاوْ اعْلى خَيرْ رَاجَعْ للدَشْرَا
..........الْبَاطِيمَة عَلاّتْ دَارَتْ خِيّالَة
ادْرُوجْ وْ كَرْلاَجْ تَطْلَعْ دَوَّارَا
..........وْ فَالثَاني إيطَاجْ بَانَتْ طَلاّلَة
اثْمَنْيَا وَاتْلاثينْ رَقْمِي يَا حُضْرَا
..........وْ مَكْتُوبَة في الْبَابْ لَيكُمْ دَلاّلَة
مَرْحَبَا بَضْيُوفْ ليّا زِيّارَا
..........وَحِيدْ وْ لَولاَدْ بِيكُمْ وَهّالَة
ولا تزال تحفل سيرة أولاد نايل بعديد الأسرار، حيث يتعين على الباحثين استكشاف قصص وأساطير متداولة تمتد إلى خمسة قرون قبل الميلاد.
ويشيد "مسعودي عطية" في كتابه "علم أنساب أولاد نايل" بعراقة شجرة أنساب سيدي نايل الذي ينحدر أصله من الأشراف، ويتحدث عن وجود ثلاثين جيلا بين سيدي نايل والسيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول سيدنا محمد صل الله عليه وسلم.