ثقافات

حسين ياسين في مصابيح الدجى: الآصالة في القرية الفلسطينية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

صلاح سليمان: مصابيح الدجي هي كتاب جديد يسبر يسبر فيه مؤلفه اغورالقرية الفلسطينية القديمة ويقدمها للقارئ عبر صفحاته التي تصل الي 254 صفحة بشكل لايخلو من تسلسل ممتع ومعرفة بتاريخ القرية بشكل عميق ومرتب لايجعل الملل يتسرب الي صدر القارئ.

سلك حسين ياسين مسلك المؤلفين الفلسطينين اللذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة فنجده يبحث عن هويته الفلسطينية ويتمسك بها عبر نقش ذكرياته وأهل قريته في سطور ضمتها فصول الكتاب المختلفة والتي قد يصعب علي الناقد تصنيفها،فهو يجمع بين السيرة الذاتية والبعد الاجتماعي والسياسي والوصف الثقافي والإثنوجرافي وسير الشخصيات ـ كما أنه لم يهمل التراث الشعبي في القرية الفلسطينية والأدب الرسمي فيها وتم كل ذلك بإسلوب ادبي وخيال شاعري وضع الكتاب واسلوب صياغته في مقام يليق بكبار الأدباء والشعراء.
مرة أخري يتفوق المؤلف في تمرير تمسكه بجذوره الي القارئ وربما ليس بإرادة منه فهو يصول ويجول في قريته "عرابة البطوف " يصورها بروح العاشق المتمسك بحبه وهيامه حيث كانت القرية الفلسطينية في اربعينات وخمسينيات القرن الماضي قرية أصيلة تحمل من المقومات والنكهة الفلسطينة ما يمكن وصفه بالأصالة الفلسطينية التي راح الكثير منها يذبل ويتساقط تحت وطأة الإحتلال الإسرائيلي وهو مادفع الي غزارة هذا النوع من الكتابة التي تحافظ علي التراث وتعد نبراسا حياً للأجيال القادمة، فالمؤلف علي سبيل المثال يري أن الأرض عند الفلاح الفلسطيني حتي عام النكبة كانت تتصدر أعلي درجات سلم القيم الإجتماعية، فقد كان الفلسطينيون يعملون بدأب وهمه في الحقول ومن خيرتلك الأرض الطيبة اعتاشواوعاشت معهم مواشيهم وعلي أديمها بنو بيوتاً ومنازل آوتهم وأولادهم، وفي جوفها أودعوا موتاهم وأعتبر آنذاك في فلسطين ان إمتلاك الأرض من الفضائل التي منحت أصحابها ميزات كثيرة ووفرت لهم نوعاُ من الاستقلال الاقتصادي واكسبتهم مركزاً اجتماعياً محترما ـ ومن خير الأرض الفلسطينية جاد الفلاح واعطي وتصدق وأحسن فأصبح الكريم المحسن وكان الفلاحون يتمايزون عن بعضهم البعض بعدد أفدنتهم ووفرة غلالها.

فصول الكتاب المختلفة تتناول قصصاً واقعية من واقع القرية الفلسطينية الحية، فالكتاب يبدأ بقصة "أبو البنات" التي يحكي فيها قصة الشيخ أدريس أحد شخصيات القرية المؤثرة وينتقل الي قصة الداية ثم الشيخ إمام القرية واليتيمة وغيرها من قصص واقعية تصور واقع الحياة القروية في قرية "عرابة البطوف " ولم ينس الكاتب ان يكتب تاريخها بشكل جيد وحتي شهدائها الذين توفوا عبر نضال القرية امام الغزوات الأجنبية مثل الفراعنة والهكسوس والعموريون والكنعانيون والاشوريون والفرس والإغريق والرومان والعرب والصليبيون والعثمانيون والبريطانيون والإسرائيليون ، يحدد الكاتب موقع القرية بشكل دقيق فهي تقع في الجليل الأسفل وسط مربع المدن المشكل من عكا،صفد،طبرية،الناصرة.

يحاول الكاتب ايضاً إحياء الكثير من تعبيرات القرية الشعبية الدارجة عبر حكايته ويتمسكك بذكرياته التي راحت تتضائل مع مرور الأيام وهو يصف ذلك بشكل دقيق عندما يقول " لي في عرابة لحظات من تاريخي تتطاير كأنها عصافير صغيرة فرت من أعشاشها تتطاير آحادا واسراباً تحلق في الجو تبتعد وتبتعد حتي يغيبها الأفق البعيد او تختبئ بين أشجار السريس والعبهرـ رغم ذلك فإن الذكريات تبقي قابعة في إحدي زوايا الذاكرة استحضرها بسهولة تارة ويستعصي علي الأمر تارة أخري.أعتصر الذكريات فتجئ مرة مدرارا وأخري ناضبة واجترار الذكريات هو رجع للسنين الغابرة وصدي الأيام الخوالي لما فيه من المتعة واللذة ما يطيب ويسليني"

يري الكاتب من واقع حكمة القرية التي تعلمها مبكراً أن سلب اليهود للأرض الفلسطينية هو أمر كان لابد أن يحدث فاليهود يمتلكون سلاح العلم وهو سلاح سينصرهم وأن غيابه عنا سيهزمنا! ويتحدث هنا عن العلم بإسهاب ويقول أن كتاب الله يبدأ بكلمة" اقرأ" ويلي ذلك ببيت الشعرالذي يقول: إن العلم يرفع بيتا لاعماد له...والجهل يهدم بيت العز والكرم. لهذا ايقن الفلسطينيون أهمية العلم في مواجهة الإحتلال والتمسك بعودة بلادهم ويقول عن ذلك ان هناك قول شائع في تعريف الفلسطيني الأن وهو " حب الوطن والخلفة والتعليم "، والتعليم بالذات اصبح يشكل الكثير في وجدان الفلسطنيين الأن.
Salah.soliman@gmx.de

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف