ثقافات

تـحـت نـصـب الاوبـرا هـاوس

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


1

ألِـفُ ذراعـي عـلـى خـصـرعـشـبـةٍ خـضـراءَ،
وأتـضـوع ُ زهـرة غـريـبـة فـوق
مـيـاه الـخـلـيـج،
حـيـث تـفـل الـشـمـس شـعـرهـا وتـغـسـل شـرائـطـهـا بـمـاء الـفـرات،
عـفـواً ،
تـوهـمـتُ :
بـمـوج المحيط وفـتـنـة مـراكـبـهِ،
تـحـت هـذه الـقـبـاب تـلـوذ الـنـوارس مـعـلـنـة عـن وجـود حـيـاة.

مـن هـنـا،
مـن تـحـت نـصـب الاوبـرا هـاوس،
أرفـع يـدي والـوح لـحـمـامـات الـعـراق،
أقـول لـهـنَ :
حـلـقـن فـي الأحـمـر الـمـشـاع مـن دم الأبـريـاء،
لـم يـعـد لـديـنـا وقـتٌ فـائـض نـنـفـقـهُ فـي حـديـقـةِ الأمـةِ، *
ولا حُـلـُمٌ عـن فـاتـنـةٍ
يـقـشـرُ الـمـارة تـنـورتـهـا
بـالـكـلام الـمـبـاح،
لـم يـعـد
لـلـبـسـطـاء غـيـر مـصـاطـبٍ يـؤثـثـونـهـا
بـغـبـار الـحـروبِ،
وغـيـر دخـان لـفـائـف تـبـغـهـم الـرديء .

دعـنـي أجـرك َ الـى فـتـنـة الـمـكـان،
أدخـلـكَ فـي بـيـت فـراشـةٍ لـتـرى مـهـرجـانـات الـزهـور،
آخـذ بـيـدكَ لـنـصـعـد سـويـة سـلـم الـهـوى،
أريـكَ مـصـابـيـح الـغـنـاء كـيـف تـضـيءُ الـطـرقـات،
أدخـلـكَ الـمـقـاهـي كـلـهـا،
الـحانـات كـلـهـا،
الـمـراقـص كـلـهـا،
لـم يـسـألـكَ أحـدٌ مـن أنـتَ؟
خـذ كـأسـكَ وغـازلْ بـعـيـنـيـكَ الـجـمـال كـمـا تـشـاءْ.

خـذ قـلـبـكَ والـقـهِ أمـامَ الـجـمـيـع،
لا تـخـفْ،
لـن تـنـظـف نـادلـةِ الـحـانـةِ أشـوا قـه الـمـسـفـوحـة عـاـى الـطـاولـةِ،
لـن يـلـقـكَ الـحـارس خـارجَ الـبـارْ.

ارتـشـفْ الـقـنـيـنـةَ الـى آخـرهـا،
تـرنـحْ.
غـنـي.
ابـكـي.
اقـرأ الـشـعـرَ،
انـهـضْ. تـعـثـرْ. اسـقـطْ. لـن يلـتـفـت الـيـكَ الـسـكـارى.
الـجـمـيـعُ مـنـشـغـلـونَ بـإصـلاح كـؤوسـهـمْ.
هـذا مـكـانٌ
لايـصـلـح لإقـامـةِ الـمـاضـي الـنـابـت
كـمـثـل
عـشـبٍ بـيـن أنـامـلـكَ،
كـلـمـا حـكـكـت بـه جـلـدكَ تـمـتـلـيءُ يـديـكَ بـالـسـخـام ْ.

الـراهـنُ تـحـت قـمـيـص الـفـتـاة،
الـراهـنُ فـي حـقـيـبـتـهـا،
الـراهـنُ يـقـتـربُ،
يـدنـو،
يـدسُ يـدهُ فـي بـيـاض الـحـلـيـبِ، ويـنـامْ.

الـراهـنُ أنـشـوطـةٌ تـؤثـثـنـا بـالـصـعـودِ وتـتـركـنـا نـبـحـثُ عـمـا تـحـت أقـدامـنـا.

يـاإلـهـي،
مـا أعـجـبـنـا،
دائـمـاً نـفـتـحُ عـلـبـة الـوهـم ونـدخـل فـيـهـا،
ثـم نـغـلـقُ وراءنـا الـبـاب.

الـراهـنُ فـي بـلـدي امـرأة،
مـرآة تـتـسـاقـط الـشـظـايـا مـن شـفـتـيـهـا.

2

مـن هـنـا،
مـن تـحـت نـصـبِ الاوبـرا هـاوس،
أرى الـطـيـورَ تـمـلأ مـنـاقـيـرهـا بـالـفـضـةِ،
وتـصـعـدُ عـالـيـاً لـتـضـعـهـا أسـاور بـمـعـصـم الـسـمـاءْ.

يـا لـهـذه الـرغـبـة الـمـوشـاة بـفـردوس الـمـكـان،
صـافـيـة،
كـمـثـل نـهـر تـطـفـو فـوق سـطـحـهِ زوارق الـمـصـابـيـحْ.

أدجـلـةَ هـذا
أم تـوهـمـت الـمـحـيـط نـهـراً؟
أدجـلـةَ هـذا؟
إذن أيـن الـسـمـك الـمـسـقـوفْ؟

أضـعُ يـدي بـيـد الـريـح، أصـافـحـهـا،
أعـدُ أصـابـعـهـا،
أقـولُ لـهـا :
اقـتـربـي،
ألا تـحـمـلـيـنَ رائـحـة مـن طـيـن الـعـراقْ؟

كـم مـرة افـتـرشـنـا دجـلـةَ مـنـديـل عـشـبٍ والـقـيـنـا الـقـمـيـصَ
طـوقَ نـجـاةٍ لـغـريـقْ؟

أكـادُ أن أغـرقَ فـي الـمـرآةِ،
قـالَ :
عـم ْ،
قـلـتُ :
جـنـاحـاي مـن ورقٍ.

فـتـاة مـمـدة عـلـى الـرمـل،
تـسـنـدُ كـتـاب الـشـمـس عـلـى نـهـديـهـا وتـقـرأ بـيـن سـطـورهِ
أجـسـادُ فـتـيـات الـشـرقْ.
فـتـاة أخـرى،
تـقـطـفُ الـوردَ مـن شـفـتـيـهـا وتـلـقـيـهِ الـى الـمـحـيـط.
وثـالـثـة :
تـسـحـبُ مـن فـم الـنـهـر ثـوبـهـا الـمـبـلـل بـالـطـيـن :
تـلـكَ هـي أمـي.

لـسـتُ وحـدي،
لابـدَ وأن يـكـونَ الآنَ فـي هـذا الـمـكـان شـعـراء يـكـتـبـونَ بـلـغـاتٍ أخـرى، ويـنـظـرونَ إلـى الـمـشـهـدِ ذاتـهُ
بـبـسـاطـةٍ أكـثـر ْ.

أحـاولُ : أن أضـيءَ هـذا الـغـمـوضُ بـفـوضـى يـدي.

مـطـلـقـة هـذه الأرضُ،
مـطـلـقـة هـذه الـسـمـاءُ،
مـا بـيـن الـمـطـلـقـيـن يـنـشـىء الـرصـاص جـداراً،
ومـلـحـاً يـَغـذو الـسـيـرَ نـحـو رؤوسـنـا.

نـتـصـحـرُ،
أهـي صـدفـة أن يـتـصـحـرَ الإنـسـانُ؟
هـل تـذوقـت لـحـمَ أخـيـكَ؟
مـرٌ، ومـن قـمـاشـهِ كـسـا الـرب جـدارُ الـكـعـبـة.

الـبـيـاضُ فـي رؤوسـنـا شـيءٌ آخـر،
الـبـيـاضُ امـرأة،
شـرشـفٌ مـلـطـخٌ بـحـبـرالـشـهـوات.
سـريـرٌ عـلـيـهِ دهـشـة قـمـيـص مـخـلـوع.

نـخـب ٌ آخـرَ وتـخـلـعُ الأوبـرا هـاوس مـلابـسـهـا،
لـتـسـتـحـمَ بـكـأسـي الـمـخـمـورة.

.............................
* الأوبـرا هـاوس : مـعـلـم مـن مـعـالـم مـديـنـة سـيـدنـي ــ أسـتـرالـيـا.
*حـديـقـة الأمـة : مـتـنـزه يـقـع فـي مـنـطـقـة الـبـاب الـشـرقـي ــ بـغـداد ــ الـعـراق.

12 / 12 / 2005
سـيـدنـي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
حنين
علي خصباك -

جميل هذا الأداء الذي يشعرك بايقاعه وموسيقاه الداخلية،لاشك ان حرفة الشاعر تتجسدوكأنه يضع روحة بين الكلمات فيشحنها اللحظة التي يعيشها ويكسبها التلقائية التي صرنا نفتقدها كثيرا،انه تجسيد وكأنك تشم رائحة الحنين للمكان وتمسك بخيوط الذكرى لتعيشها وكأنها الآن ..سلمت ايها الشاعر