ثقافات

أبوظبي السينمائي في دورته الخامسة يحتضن الهموم العربية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

محمد الحمامصي من أبوظبي: شكلت الهموم العربية الخاص منها والعام محورا رئيسيا لأفلام المخرجين العرب المشاركين في مختلف مسابقات مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي في دورته الخامسة ـ 13 ـ 22 أكتوبر الجاري، سواء منهم المقيمين داخل بلادهم أو هؤلاء الذين يقيمون في المهجر، من المشرق أو المغرب لترسم صورة للأفكار والرؤى التي تعتمل داخل مجتمعاتنا، كاشفة في كثير من الأحوال عن أوضاع مزرية وحالة تشاؤمية تسيطر على مجتمع الشخصيات والرؤى والأفكار بحثا عن آفاق الحرية والعدالة.
فالمشاركة المغربية التي تعد الأكبر حملت الكثير من الهموم والقضايا التي تسيطر على مجريات الحياة في المغرب ، وجاء فيلم المخرج محمد العسلي ldquo;أياد خشنةrdquo; ليقترب من مشكلات الطبقات الدنيا في المجتمع انطلاقاً من قصة تدور أحداثها في مدينة الدار البيضاء، حول المعلمة المؤقتة، التي تفكر في الالتحاق بخطيبها المهاجر، وجارها الحلاق الذي ينتقل بين قصور الأثرياء والوزراء والمسئولين السابقين من أجل قص شعورهم مصحوباً بعازف قانون عجوز، محاولاً من خلال علاقته بأناس الطبقات العليا هؤلاء أن يسهم في حل بعض مشكلات المهمشين من أبناء الطبقات الدنيا .
وناقش ldquo;على الحافةrdquo; هو فيلم روائي طويل للمخرجة المغربية ليلى الكيلاني عرض في مهرجان ldquo;كانrdquo; السينمائي أخيرا هموم ثلاث فتيات منشغلات في البحث عن قبس نور وسط مشاغل حياتهن اليومية المظلمة الموزعة بين العمل في أحد معامل القريدس بطنجة نهاراً، والتنقل بين المقاهي ليلاً بحثاً عن طرائد بشرية محتملة.
أما المخرج فوزي بن سعيدي فقدم فيلمه "موت للبيع" وجبة دسمة من التشاؤم والبؤس، ففي ميناء تطوان البائس ثلاثة شبان يسعون إلى الخروج من دائرة العجز والفقر عبر سرقة متجر للمجوهرات، مالك يريد إنقاذ راقصة، وعلال يريد أن يؤمن مما يحقق له حضوره كأحد كبار تجار المخدرات، وسفيان يفكر بأمر أشد عنفاً، حين يخفق في عملية السرقة، تتحول مصائر هؤلاء الأصدقاء بصورة جذرية.
المخرج محمد الدراجي من العراق قدم فيلمه الوثائقي الطويل "في أحضان أمي" متناولا قضية الأطفال المشردين في العراق / الأيتام الذين خلفتهم الحرب الأخيرة في العراق وتداعياتها، الأمر الذي دفع بأحد المواطنين العراقيين على تبنيهم بدلا عن مؤسسات الدولة المشغلة بالاستنزاف المادي لثروات العراق، ووصل بهم الأمر إلى الدرجة التي دفعت صاحب المنزل إلى طردهم من هذه الدار ليكونوا ضحايا جددا ينضافون إلى الشارع العراقي الذي يحتضن آلاف المشردين ضحايا العنف الداخلي والخارجي.
وقدم فيلم "النهاية" للمخرج والسيناريست هشام العسري أجواء ضبابية شبه سريالية حيث نجد أنفسنا أمام مدينة شبه فارغة ـ الدار البيضاء ـ تتحرك في شوارعها الخاوية شخصيات الفيلم العنيفة والرقيقة في آن.
الفيلم المصري "أسماء" فتعرض لقصة أرملة تعانى مرض نقص المناعة المكتسبة "الإيدز" وتقرر عدم الاستسلام له، فتخوض حربا عنيفة ضده سواء بالسعي لعلاج نفسها أو بث الأمل في قلوب كل المصابين بالمرض.
أيضا فيلم "18 يوما" الذي ساهم في إخراجه عشرة مخرجين مصريين "شريف عرفة وكاملة أبو ذكري ومروان حامد ومحمد علي وشريف البنداري وخالد مرعي و مريم أبو عوف واحمد عبد الله ويسري نصر الله وأحمد علاء" يعد وثيقة تعبيرية مهمة وفيلما فريدا في نوعه ومعالجات لأحداث الثورة المصرية، من خلال عشرة أفلام قصيرة عبرت عن عشرة وجهات نظر، ومعالجات مختلفة، حيث قام كل مخرج بإخراج فيلم قصير يعرض فيه تفصيل محدد، وأحداث محددة من أحداث الثورة المصرية.

الفيلم يحمل عشرة قصص متتابعة أو يمكنك القول إنها عشرة أفلام في فيلم واحد اتجهت كلها إلى رصد ما لم يره كثيرون في ظل حمى الثورة وتشكلها ومن خلال ذلك يدخل المشاهد في فضاء إنساني مؤثر يتفاعل فيه مع تلك الشخصيات وهي تؤسس لوعي جديد ومستقبل يعاد تشكيله، من موقعة الجمل إلى دور الإنترنت في صنع الثورة إلى أقبية التعذيب إلى أجواء الطبقة الوسطى إلى بسطاء الناس وقد أصبحوا جزءا من الثورة يتجول الفيلم ببراعة في أجواء شخصياته المختلفة.
وتعرض فيلم الجزائرية الأصل صافيناز بوصبايا"إل جوستو" الذي شهد أبوظبي الدولي العرض العالمي الأول له، لقضية التعايش بين المسلمين واليهود تحت سقف الفن الموسيقي الشعبي الجزائري، بل لم يقتصر على ذلك كاشفا لأبعاد الحياة السياسية والاجتماعية لتلك الفترات التي مرت بالمجتمع الجزائري حتى ما بعد الاستقلال والتي أدت لهجرة اليهود الجزائريين.
"إل جوستو" قصة المفكرين الأحرار الذين يبرهنون أن الموسيقى لغة عالمية تسمو فوق الاختلافات العرقية، وهو يذكر الأجيال الشابة بأن التعايش الثقافي والديني كان يشكل واقعاً حياً قبل زمن ليس ببعيد، إنه شهادة رائعة تجمع بين الموسيقى التقليدية للعرب واليهود، ما بين الجزائر وفرنسا.
الهم لم يكن مقصورا على رؤى وأفكار وقضايا الأفلام المغرب العربي ومصر والعراق ولبنان وغيرها بل امتد إلى أفلام الخليجيين أنفسهم حيث شكلت الأوضاع الاجتماعية الخاصة والعامة محورا رئيسيا للعديد من لأفلام القصيرة الروائي منها والوثائقي، حيث بدا واضحا أن التقاليد والعادات لا تزال تشكل هما مؤرقا باعتبارها حائلا ضد الانطلاق والحرية، فمثلا يحاول الفيلم الروائي "لولوة" للمخرج أسامة آل سيف إلقاء الضوء على التحرش الجنسي كظاهرة اجتماعية مركّبة وشائكة ومسكوت عنها، من خلال قصة لولوة، وهي فتاة باهرة الجمال تتعرض لمضايقات عديدة من أحد أفراد عائلتها ـ عمها ـ الذي يسوقها مقابل المال لإحدى الشخصيات البارزة في المجتمع، ويسلط الفيلم الضوء على التداعيات التي يجلبها ذلك إلى عائلتها وردود الفعل العكسية من قبل المجتمع ككل، كل ذلك بسبب توريط أشخاص أبرياء في حوادث مؤلمة.
وتقدم المخرجة فاطمة عبدالله علي "روح" أزمة المادية المستفحلة، والسعي إلى دفن المادي/ الجسدي بحثا عن الانطلاق الروحي، البطل يطلب من نحات أن ينحت ينحته في تمثال يشبهه تماما، بل أن يأخذ نفس لون وتفاصيل جسده،يقول "أريده بأعضائه القلب العقل العضو التناسلي" ووسط دهشته وارتباكه يمهله النحات تسعة أشهر "ليكتمل"، وهي المدة التي يتخلق فيها الإنسان في رحم أمه، وعلى وقع زخات المطر يستلم الرجل تمثاله، في رمزية إلى خروج الطفل من الرحم مصحوبا بماء يغرق كل أطرافه. يحمله الرجل لنراه وقد حفر مستطيلة وبدأ لف تمثاله بالقماش الأبيض من أخمص قدميه حتى شعر رأسه، ثم يحمله للحفرة القبر ويبدأ في إهالة التراب عليه، بعدها يتهلل وينطلق.
يذكر أن الأرقام والحقائق تؤكد أن أبوظبي السينمائي أصبح منصة لجذب صناع السينمائيين في العالمين العربي والغربي، حيث بلغ عدد الأفلام الطويلة التي تقدمت للمشاركة بالدورة الخامسة التي تنعقد خلال الفترة من 13 إلى 22 أكتوبر الجاري 3000 فيلم من 102 دولة، اختارت منها أقسام المهرجان 86 فيلما، منها 62 فيلما روائيا طويلا، و24 فيلما وثائقيا طويلا، منها 8 عروض عالمية أولى، و6 عروض دولية أولى، وبلغ عدد الأفلام القصيرة المتقدمة للمشاركة 1900 فيلم، اختير منها 94 فيلما من 24 دولة، منها 31 في مسابقة الأفلام القصيرة و46 في مسابقة أفلام الإمارات، و16 في البرنامج الخاص، وواحد في موقع العرض، تضم 5 عروض عالمية أولى، و8 عروض دولية أولى، وبلغ عدد الأفلام الوثائقية القصيرة والروائية للطلاب المشاركة في مسابقة أفلام الإمارات 77 فيلما، منها 25 عرضا عالميا أول، وعرض دولي أول، هذا فضلا عن مشاركات أفلام من إنتاج الدول الخليج.
.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف