ثقافات

الولادةُ مِسخٌ كوني

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الولادةُ
أيُّ ولادةٍ...
مِسخ ٌكونيٌ مدمِّرْ... ثقبٌ مأفون في جسد التاريخ... عاهة وجودية تئنُّ من وجع روحها المعذَّبة بِجبْر الخروج من (ظلمة العدم إلى نور الوجود)!
كذلك قال صماموئيل بكت..
وهكذا أمضى عُزلتَه الكليَّة... الهائلة... المهيبة... العزلةُ الصوفيةُ المتمرِّدةُ على قدر الولادة التعس... العزلةُ هذه هي الرد الحقيقي على جبْر الولادة... وإنْ لم يكن كذلك فدعني أتوهمُ هكذا...
تُرى أحقا إنَّنا نولدُ أبرياءَ ولكننا ننمسخُ فيما بعدْ؟
كانَ الأَجدرُ لو أنَّ الغايةَ من وجودنا هو الخيرُ أنْ تواصلَ البراءةُ مسيرتَها حيَّةً خارقةً متحديةً، ولكنَّ البراءةَ سُرعان ما تختفي وإلى الأَبد، منذ أن يعي الإنسانُ وجودَه!

كان الاجدرُ بهذه البراءةِ المزعومةِ أن يكون الكون في خدمتها، ولكن نرى... هي لا غيرها... هي الضحية الاولى من ضحايا هذا الكون الأجرب القاسي!
البراءةُ شهيدةُ الوجود بامتياز...
كان الاجدرُ بهذه البراءة الموهومة أن تملأ وجودها إنْ وجدت، لا أن تكون نهب التمزُّق الدامي منذ اللحظة التي يقول فيها الإنسان : ـ
أنا هنا...
يتمزّق البشر بين الطموح ِالذي لا نهايةَ له وبين ممكناته المحدودة، فلماذا هذا التناقضُ الذي جُبِلنا عليه؟ وهو دليلٌ إنَّنا وجدنا للعذاب، وليس هناك عذاب اشد ألماً وقسوةً وحقداً وتدميراً وتمزيقاً من عذاب الترواح بين المطلق والنسبي!
كلُّ ما نهدف إليه مجرَّد مشروع، ما أنْ ينتهي حتى يستعبدنا مشروع أخر، وبالتالي، سنموتُ وهناك مشروعٌ قيد التنفيذ، فما قيمةُ هذا الوجود الذي ينتهي وهو يَحِنُّ إلى كمال لم يحصل عليه أبدا؟
الموت ُإختيارا حلٌ لهذا التناقض، إنّه يعبِّر عن خلاص، أو يعبِّر عن شكٍ بهذا الوجود، أو هو ثورةٌ على المفارقة المؤلمة،، قد لا يكونُ حلا،ولكنَّهُ على أقل تقدير إعتراضٌ ناجحٌ وإنْ بلغة الوهم.
كم كان صموئيل بيكت رائعاً عندما كان يحاولُ العودةَ إلى ما قبل الوجود، في بطن أمه تحديدا، ولكن كان ساذجاً بطبيعة الحال، لانَّه وجودٌ على كل حال.
أيُّ طبيعةٍ وِجدْنا لإعمارها وهي لا تتجلَّى لنا إلَّا بجبروت من المسير، تُرغمنا أنْ نكونَ طوعَها مهما قهرنا بعضَ مفرداتها؟ تلك خرافةٌ ميتافيزيةٌ جاءت تعلل اللحظةَ الاولى من ولادتنا،لكنَّها وقعتْ صريعةَ غضبِ الطبيعة ذاتها.
لنفترض أنَّ الطبيعةَ ليست مخاضَ خطأ أو خطيئة، ولكن لماذا ينتصرُ الخطأ دائما، وتنتصرُ الخطيئة دائما؟ هل هناك شكٌ أن تاريخ الانسان هو تاريخ الآلات القاتلة بالدرجة الاولى؟ وهل هناك شكٌ إنَّ تاريخ الانسان هو الحرب وليس السلام؟
لماذا لا تتماهى غايةُ الخلْق مع مسيرةِ الخلْق يا إلهي؟
غايةُ الخلق السلامْ، لكنَّ مسيرةَ الخلق الحربْ! مُفارقةٌ لا حلَّ لها سوى الموت إختيارا، كي نخلص من هذا العذاب، الحلُّ يكمن في الهروب وليس في العلاج، الهروبُ ليس علاجا، لكنَّه خلاصٌ في المطاف الاخير.
لقد سُلِب (بروموثيوس) كبَدَه لانَّه سرقَ النارَ وقدَّمها هديةً طازجةً للإنسان، مَنْ يُعيدْ له كبَدهُ وهو يعاني من خواء الوجود بعد أن صرع أكبر إله؟
هل وعينا إذن أنَّ الولادة مِسخٌ كوني؟
كلَّما يأتي إنسان إلى ساحة الوجود كلما يمعن الشر بالاتساع... تتكثر إحتمالات الحرب...تغفو على أهداب الإله أُمنياتُه التي خانتهُ أصلا، فكيف لا تخونُ الإنسان؟
(كنتُ كنزا مخفيَّاً فخلقتُ الخلْقَ كي أُعَرف)، هكذا تروي لي جدّتي عن علّة الخلق هذا، ولكنْ فيما جاء الخلقُ وفيرا توارى الخالقُ في غياهب نفوسنا المظلمة!
إلهي أمَا من موتٍ يُشترى؟
إلهي أما من خلاصٍ بان نكون شجعانا فنصُّكُّ يدنا على زناد الرحمة المُزْجاة من رصاصةٍ هي الأُخرى تريدُ أنْ تموتَ إختيارا؟
منْ يُعيدُ لبرومثيوس كبَدهُ المسروق؟
لا أحد...
إذ لا صوتَ حقيقيا يَخرجُ من أعماق برومثيوس، لقد خانه الذين قدَّم لهم عُصارة روحه، فشكَّ بكلِّ شيء، ولعنَ كلَّ شيء، وبَصَقَ على كلِّ شيء، وشتمَ كلَّ شيء، وهجرَ كلَّ شيء، ورمى كلَّ شيء على قارعة الطريق، ليمتحن نفسَه فيما بقي مخلصاً للعدم والخواء!
يريد أنْ يبقى بلا كبدٍ كي يلقى الله كافراً بما يسمونه (نعمة الوجود).
مَنْ لـ(حميدة) بطلة زقاق المدق؟
لا أحد...
نجيب مفحوظ نفسُه خان (حميدة) عندما صمَّم أن يعيش أكثر من تسعين عاما...
لا أحد...
فإن (الكولونيل الذي لم يجدْ من يكاتبُه) قد ماتَ منذ زمانٍ بعيد ْ، ولم يبقَ معه، ولم يبق له، غير ديكه الرومي المسكين.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تعليق
sag -

قصيده رائعه مستر شابندر ووصف جميل ارجو الاستمرار وشكرا

سلمت يداك
فاضل عباس -

هكذا السطور والّا فلا ، اكتب فدتك نفسي وفكك أحاجي هذا الكون المتعنت في ظلمنا ، اكتب حتى نرى حقيقة أننا خلقنا لكي نسعد أم نشقى ؟ وحدك من يعي لغز هذه الحياة الآسرة ، بكل مافيها من زحام وأوهام . سلمت وسلم قلمك ( تلميذك )

شيء طريف
متابع إيلاف -

أنه لشيء طريف فعلا أن يكتب كاتب إسلامي عن عبثية الوجود فالتأكيد على عبثية الوجود هوالتاكيد على عبثية الخلق ولاجدواه

Another and Another
kurdish anarchist -

Another day,,another dust,,,,another hollow gap, between you....And...the misery of Bieng

لا تعبث بعقلك
Col Mohammed Makkawi -

لماذا كل هذة الحيرة ايها العزيز...... ارجوك ان تستسلم لقدرك ولا تعبث بعقلك ولا تركن لفكرك والا شقيت !!!! لان الانسان مهما بلغ .....ففهمه محدود ... وعمره ممدود ... ورزقه مقدر ... وكينونيته الى فناء ....ودنياه الى زوال.... ولن يبقى الا وجه الواحد ...الخالق ....القاهر..... الجبار

تحفة
Haytham Oda Bakroun -

سطور اكثر من رائعه شكرا لك

حبيبي الكاتب
النوازل -

ابكيتني اي ما بكاء ،وفجرت في داخلي ماهو ساكن ، واشعلت في قلبي نارا ، افديك كلماتي اخي الكاتب ، ابكيتني ، احزنتني،اريدك ان تصب النار اكثر على حطب هذه الحياة النذلة الكاذبة ، وحق الله سبحانه ،اني مؤمن ، ولكن اشعر ان وجودنا كلنا عبث في عبث ، احزنتني ، ولكن الحزن الذي يريحني، لااعرف كيف اصف لك فكرتي ،ولكنها مقطوعة سوف احتفظ بها في متحف روحي، ففففففففففففففففففف

حبيبي الكاتب
النوازل -

ابكيتني اي ما بكاء ،وفجرت في داخلي ماهو ساكن ، واشعلت في قلبي نارا ، افديك كلماتي اخي الكاتب ، ابكيتني ، احزنتني،اريدك ان تصب النار اكثر على حطب هذه الحياة النذلة الكاذبة ، وحق الله سبحانه ،اني مؤمن ، ولكن اشعر ان وجودنا كلنا عبث في عبث ، احزنتني ، ولكن الحزن الذي يريحني، لااعرف كيف اصف لك فكرتي ،ولكنها مقطوعة سوف احتفظ بها في متحف روحي، ففففففففففففففففففف

هم لا غيرهم
ناجي البصري -

اخي العزيز هم لا غيرهم ، خونة الطريق ، خونة الزاد والملح ، كلنانحمل جرحك

هم لا غيرهم
ناجي البصري -

اخي العزيز هم لا غيرهم ، خونة الطريق ، خونة الزاد والملح ، كلنانحمل جرحك

مسوخ بدئية
ابو جعفر الربيعي -

بهذه السطور المروعة كاد أن ينفذ تسامي وعي الشابندر ليعاقر وعي الله لو لا أن الحقيقة راوغته فثمل عند حدودها فتلاشى إدراكه عند حافاتها ولم يتمكن من القبض على المعنى .فنحن مجرد مسوخ بدائية طورنا لنمثل بناء تحتيا لنظام معرفيا ساميا مستهدف قادم قد يحتاج لمديات زمنية هائلة ، اهتدى إلينا وعي الله ليدرك ذاته فينا فلا حاجة لمسخ أن يزعم أنه هو من اهتدى إلى الله بعد إذ ، وفروض انبثاق جمال ذلك النظام تقتضي أن لا تلتفت السماء لكثافة آلامنا ولا تعتني باتساع الشر المحيط ، وآلية الإبهام في غموض الحياة من شروط عدم ارتباك تجربة خلقنا وفشلها والتي قد اقترب من حدودها الشابندر بسطوره هذه ، ( ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) قرآن ( وأما شجرة معرفة فلا تأكل منها فإن أكلت منها فإنك موتا تموت) توراة ، تلك هي حدود الله فاليقترب منها من امتلك إرادة الإدراك .

مسوخ بدئية
ابو جعفر الربيعي -

بهذه السطور المروعة كاد أن ينفذ تسامي وعي الشابندر ليعاقر وعي الله لو لا أن الحقيقة راوغته فثمل عند حدودها فتلاشى إدراكه عند حافاتها ولم يتمكن من القبض على المعنى .فنحن مجرد مسوخ بدائية طورنا لنمثل بناء تحتيا لنظام معرفيا ساميا مستهدف قادم قد يحتاج لمديات زمنية هائلة ، اهتدى إلينا وعي الله ليدرك ذاته فينا فلا حاجة لمسخ أن يزعم أنه هو من اهتدى إلى الله بعد إذ ، وفروض انبثاق جمال ذلك النظام تقتضي أن لا تلتفت السماء لكثافة آلامنا ولا تعتني باتساع الشر المحيط ، وآلية الإبهام في غموض الحياة من شروط عدم ارتباك تجربة خلقنا وفشلها والتي قد اقترب من حدودها الشابندر بسطوره هذه ، ( ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) قرآن ( وأما شجرة معرفة فلا تأكل منها فإن أكلت منها فإنك موتا تموت) توراة ، تلك هي حدود الله فاليقترب منها من امتلك إرادة الإدراك .