ثقافات

صالح الصحن.. يقرأ (ألف ليلة وليلة) في السينما والتلفزيون عند الغرب

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبد الجبار العتابي من بغداد: صدر في بغداد مؤخراً للمخرج التلفزيوني والاستاذ في كلية الفنون الجميلة الدكتور صالح الصحن كتاب يحمل عنوان (ألف ليلة وليلة في السينما والتلفزيون عند الغرب)، وهو رصد لتعامل الغرب مع هذه الحكايات العربية الشهيرة وكيف تعامل معها في صناعة السينما والتلفزيون.
وقبل ان نقرأ الكتاب مستعرضين ما جاء فيه التقينا المؤلف ليتحدث عنه، فقال الدكتور صالح الصحن في حديث خاص لـ (ثقافات ايلاف)عن الفكرة الاولى التي دفعته الى تأليف الكتاب: في احدى سفراتي الى بيروت وقعت عيني في احدى المكتبات الكبيرة في شارع الحمرا على نسخ متعددة من كتاب حكايات الف ليلة وليلة، فأشتريت اربع طبعات مختلفة صادرة عن دور نشر مختلفة، وحين عدت الى بغداد قرأت هذه الطبعات الاربع ووجدت ان كل طبعة كتب لها محقق هو استاذ في الادب مقدمة خاصة واتضح لي ان هنالك معالجة وتناول متعدد ومختلف لهذه الحكايات، الادباء والمختصون قالوا ان طبعة بولاق هي الطبعة المفضلة وان طبعة كلكتا هي الاخرى مفضلة باعتبارهما حافظتا على الجذور والاصول الاصلية للحكايات دون تشويه وتحريف، وطبعا اختلاف دور النشر في طبعاتها وهذا مرتبط بنظرة الاخر للشرق، فقسم منه يدعي ان الشرق مجتمع اباحي ومجتمع متعة ومجتمع سلاطين ومجتمع لذة ونساء وهكذا، وقسم يحاول قدر الامكان ان لا يمس الشرق بشيء من هذا القبيل ,
واضاف: هذا الادب احتك بالادب الغربي بالطريقة نفسها، ووصل الى الادب الغربي حيث ان بعض التراجم وصلتها تأثيرات هذه المتغيرات بالاضافة الى ان هناك تأسيسا معروفا عن الفرق بين الشرق والغرب حتى انه الان في الادب هناك مصطلح اسمه الشرق والغرب وكذلك مصطلح الادب المقارن، فعمل المثقفون والادباء والشعراء والرسامون على استلهام الف ليلة وليلة لتضمينها في اعمالهم، خرجت اللوحات وخرجت القصص والافلام (سينما وتلفزيون) لكن برؤى متعددة،منهم من حافظ على الجذور الاصلية للقصص ومنهم من غير بدواعي اخرى، قد تكون عرقية او صراع الحضارات او دواعي تعصبية او دواعي الصراع الذي يحصل بين الشعوب والقبائل، وقسم من اتهم العرب بأنهم اناس لا يفقهون ولا يقدرون على مثل هذا العطاء ولا على هكذا مدرسة في الحكي، وقسم كان يحترم هذه الاصول.
وتابع الدكتور الصحن: وبعد ان اجريت كشفا في حقول الثقافة والادب، الرواية والقصة وفي الرسم والشعر والنحت ايضا اكتشفت ان هناك تلاعبا بالمصطلح الاعلامي مستمدا من مصطلح ادبي راسخ هو التناص، ان تستمد فكرة نص من فكرة نص اخر، ولهذا بدأ التلاعب والتغيير في القصص الاصلية وفي طبيعة النظرة الى الشرق واجتهد الغربيون برؤاهم الحسية وافكارهم المعروفة ورغبتهم بالتعاطي مع موضوعة الجنس بطريقة اخرى ضخوا في افلامهم مواضيع جنسية بحتة بدون تحفظ اشارة الى هذا الواقع الذي يسمونه (الواقع الشرقي العربي)، فوجدت افلاما مختلفة في طريقة معالجتها للحكايات خاصة انني عملت العينات من عام 1905 الى عام 2005، ووجدت عددا هائلا من الافلام التي اخذت قصصها من الحكايات، مثلا فيلم (لص بغداد) الذي انتج خمس او ست مرات، وكل فيلم بطريقة مختلفة، والسندباد وحكاياته ورحلاته اخرجت بطرق متعددة بالاضافة الى الحكايات الكثيرة، فأظهروا شخصياتنا بشكل لايمكن ان نقبل به، وقسم اوغلوا في الايروسية او الاباحية بطريقة عجيبة، انا جمعت ما يقارب 80 فيلما وحللت نحو 10 افلام، 3 منها اخترتها عينات والباقيات كانت في طور الكشف التحليلي الاستقرائي، اعتمدت على ثلاثة نماذج هي: سينمائي وتلفزيوني وسينمائي تلفزيوني.

واشار الى ان هذا ارث ومطلوب ان ندافع عنه ولا يمكن ان نصغي دون رد ونستسلم ازاء ما يعمل في ثقافة الغرب تجاه هذه الارث، ولهذا كان الكتاب دعوة للعرب والعراقيين ان ينتبهوا الى تراث الف ليلة وليلة ويشتغلوا افلاما تظهر حقائق هذا الواقع الشرقي.
وقال ايضا موضحا: التحليل السمعي البصري هو القدرة الكبيرة التي حاولت ان امسك بها للاكتشاف لان المطلوب ان اثبت معنى جديدا للاخر للنظرة اليك، التحليل البصري يحمل ادوات في الشفرة والعناصر البصرية وعناصر الشكل والصورة واللون والاضاءة والايقاع، وهذه كفيلة بأن تكشف نوايا الصورة وشفرتها الملغمة المقصودة، بالاضافة الى ان الانتاج الغربي ابهرنا في تجسي الجو الشرقي العربي، يعني للغرب قدرة تقنية عالية وفهم واسع وعريض لمكنونات وحيثيات الجو الشرقي بكل تفصيلاته التراثية والمعلوماتية وحتى البنى الاخلاقية للشخصية وللفرد، وهذا شيء يعونا الى ان نعرف انفسنا.
الكتاب.. الذي صمم غلافه الفنان معتز عناد غزوان يضم أربعة فصول تحدثت في مجملها عن أثر (حكايات ألف ليلة وليلة)في المتلقي العالمي ولاسيما في عرضها كسرد تلفزيوني وسينمائي، إذ يقول المؤلف في مقدمة الكتاب (تناول الغرب بعضاً من حكايات ألف ليلة وليلة في جملة أفلام أو مسلسلات أو سلسلة أو أفلام تلفزيونية، وأظهر الشرق بأشكال ومحتويات متباينة، بحسب ثقافة صانع المنجز المرئي ودوافع الجهة المنتجة له، مع الإقرار بحجم الإمكانيات المسخرة لإظهار الأجواء الشرقية وفضاءاتها المعروفة وما رافقها من قصص وحكايات عجائبية وواقعية وأسطورية)، كما عرض أهم المشاكل التي واجهة البحث العلمي ولاسيما تحديدها بأسئلة ينطلق منها لتحقيق الهدف المطلوب في هذه الدراسة، وهي الكيفية التي عالج الغرب حكايات ألف ليلة وليلة من الناحية الفكرية والجمالية في خطابه السمعي البصري؟ وكيف عولجت مقومات الموضوعات التي تناولتها الشخصيات بأدوارها، وأبعادها الفكرية والاجتماعية والأخلاقية، بالقدر الذي تقتضيه آليات التكييف والمعالجة بالكشف عن نوع القص ونظامه البنائي وأشكال تناوله والدوافع التي قادت إلى حدود التشابه والاختلاف، تلك هي مشكلة البحث التي تمثلت بكيفيات المعالجة، جمالياً وفكرياً، في الخطاب البصري للحكايات سينمائياً وتلفزيونياً عند الغرب ومن تأثر بهم.

في الفصل الاول تطرق المؤلف إلى دور التراث ودوره في السينما والتلفزيون ولاسيما عند الغرب، إذ تحدث عن ذلك قائلاً: (شكل التراث العربي الذي تمتد مساحته الزمنية لمئات السنين معيناً لا ينضب، ليس على مستوى الدراسات الاجتماعية والفلسفية والجمالية والأدبية فحسب، بل يأتي مصدراً للإبداع نظراً لما يحويه من كنوز الحكي بأجناس القصة الرواية والأسطورة، وحكايات ألف ليلة وليلة هو مثلنا في هذا التراث، التي أمتد تأثيرها وانتشارها لأعماق بعيدة في الحضارة الإنسانية، إذ أنتج الشرق والغرب عدداً من الأعمال في مجال السينما والتلفزيون، عن طريق الاقتباس أو التناص لمجموعة من القصص والحكايات في إطار من الخيال والابتكار في صياغة الأحداث ومعالجتها، وتأتي أهمية هذه الدراسة في استقراء تحليلي لجانب مهم في التراث العربي وهو حكايات ألف ليلة وليلة والتي أنتجت من منظور حضاري آخر والوقوف على كيفيات التناول والمعالجة من الناحية الفكرية والجمالية، فضلاً عن كشف الإمكانيات المسخرة في معالجة التراث العربي أو الشرقي من وجهة نظر الآخر "الغرب" بما يتلاءم وثقافته، ويمكن أن تكون هذه الدراسة صفحة نافعة للأفكار وكتاب السيناريو والمخرجين والمهتمين بشؤون الفنون السمعية والمرئية، كما يمكن أن تسد النقص الموجود في الدراسات المتعلقة بحكايات ألف ليلة وليلة وعلاقتها بالفنون الإبداعية لاسيما السينما والتلفزيون).

أما الفصل الثاني من هذا الكتاب فقد تضمن ثلاثة مباحث نظرية تطرقت إلى دراسة الجوانب المعرفية والفكرية لحكايات ألف ليلة وليلة وما تشكله من أهمية تراثية ودرامية وسردية، كدراسة تلك السردية العربية القديمة فضلاً عن مكونات البنية السردية التي تتضمن (الراوي والمروى عنه والروي)، والتطرق إلى الجانب العجائبي في هذه الحكايات الشيقة بأحداثها المتغيرة وفق تحولات القص والسرد، كما تطرق المؤلف إلى حكايات ألف ليلة وليلة في الثقافة العالمية وما شكلته من تماس حضاري وفكري وفلسفي أثار العديد من الجدل حول التلاقح الفكري والمعرفي لهذه الحكايات المرتبطة بسحر الشرق بمكانه وزمانه مع الفكر الغربي. إذ تطرق المؤلف إلى تلك الثقافات وتحليلها من خلال تماسها مع المسرح العالمي، وفن الموسيقى، والفنون التشكيلية، والشعر والرواية والقصة، أما المبحث العلمي الثالث والأخير فقد تطرق فيه المؤلف إلى دراسة تأثير حكايات ألف ليلة وليلة في السينما والتلفزيون ولاسيما أنها ترتبط بهذا الجانب كنوع من الإعلام والترويج والانتشار العالمي، إذ درسها من حيث اللغة السينمائية والتلفزيونية، وأشكال التأويل والتفسير والإنتاج الفني، والمعالجات الفنية والجمالية في إخراج تلك الحكايات عند الغربيين وما تشكله تلك المعالجات من تحولات في الإخراج الفني والتقنيات السينمائية والتلفزيونية، كما قام المؤلف بتحليل مكونات النتاج الفني السينمائي والتلفزيوني من حيث الشخصية، والحكاية، ودراسة السمات والخصائص العجائبية، والجنس وما يرتبط به من إثارة وحكايات تثير الغرائز وجمال الجسد والروح، ودراسة الأجواء الشرقية من حيث بناء بيئة سينمائية تعطي الخصوصية المكانية للشرق فضلاً عن تجسيد الزمن من حيث اللون والأزياء والديكور وغيرها من عناصر التشكيل السينمائي والتلفزيوني المعاصرة.
أما الفصل الثالث فتضمن اختيار النماذج الفنية التي أخرجها الغرب لحكايات ألف ليلة وليلة في السينما والتلفزيون، ومنها أفلام سينمائية وتلفزيونية أنتجت في الغرب تحدثت عن تلك الشخصيات المهمة في حكايات ألف ليلة وليلة كشهرزاد، وعلاء الدين والمصباح السحري، والسندباد البحري، وغيرها من تلك الشخصيات المعروفة في هذه الحكايات، وقام المؤلف بتحليل تلك النماذج العالمية الغربية من حيث المكونات الجمالية والفنية الإخراجية كالإيقاع والإضاءة والألوان، وتقنيات المونتاج، والتصوير وحركات الكاميرا السينمائية والتلفزيونية، وتكوين المشهد بصرياً من خلال عناصر العمل الفني والجمالي، كما تطرق المؤلف إلى جانب تحليل الشخصية المجسدة لتلك الأعمال الفنية ودراسة حالاتها وانفعالاتها النفسية والاجتماعية بما يتطلبه إخراج العمل الفني، فضلاً عن السرد والبنى السردية وتأويلاتها وبيان أهدافها وتفاعلها من حيث الفكر الشرقي وما يفسره الغرب من تأويل وسرد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف