ثقافات

الفن التشكيلي العربي المعاصر وإشكالية الاغتراب

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

دراسة ملخصّة لدوره الفن في المجتمع العربي المعاصر

سامي الجيزاني: الفن جزء مهم من حركة المجتمع ولا يمكن فصل هذا الجزء عن الكل لهذا لعب الفن دوراً مهما في المجتمعات الغربية. على سبيل المثال كان الفن في فترة تاريخية معينة يؤكد على القيم الالهية والجمال الطبيعي، اي ان الله كان المحور الوحيد للفن. كان في فترة تاريخية اخرى له دور في بناء الروح المعنوية والاستقامة، وفي فترة اخرى يدافع عن الفكر الشمولي، وبالعكس في فترات اخرى كان للفن دور فاعل في محاربة الظلم والنظم البائدة. وفي فترة تاريخية اخرى اصبح الفن من اجل الفن الخ الخ. هذا التفاعل المتبادل بين الفن والمجتمع كان ولا يزال مستمراً في الدول الغربية، يتغير دور الفن والفنان حسب تطور هذه المجتمعات وحركتها. اي ان الفن جزء فاعل ومهم من حركة المجتمع وتطوره. اي ان هناك حركه حيّه متحركه وجدليه.
الفيلسوف الفرنسي فرانسوا ليوتار (Jean-Francois Lyotard 1924-1998) يتحدث عن التجربة الفنية وفعلها فيقول ''في الفن يمكن ان تكون التجربه شديدة ومؤثرة جداً، نعم شديدة، والفن المهم الباقي هو الفن ذو الطابع الكوني لأنة يكسر كل الحواجز وكل الحدود. هذا يجعل من هذه التجربة مؤلمة في البداية لكن هي تجربة مفرحة ايضا لانها مليئة بالحياة ـ بدرجة قصوى'' عند دراسة حركة الفن التشكيلي العربي تجد ان هناك هوّه كبيره بين الفنان والمتلقي وبين الفن والمجتمع. هذه الهوّه أو المسافة الكبيره لها أسباب عديده منها تاريخيه، دينية، ثقافيه، نظام التعليم، الأمية التعليمية والثقافية، الحروب المدمره، السلطات الرجعية، دور الفنان السلبي والانعزالي في قضايا المجتمع، الاغتراب الخ الخ الخ. هذا عرض سريع لأسباب المشكلة. وهنا وفي هذه الدراسة القصيره أريد أن ابدأ بمشكلة الأغتراب كعامل مهم جدا واساسي في حالة عدم استيعاب المتلقي العربي للعمل الفني العربي وللفنان العربي في آن واحد. أكيد هناك نخبه قليله تهتم بالفن وهذه النخبه اما من الاغنياء مادياً واغلبهم لديهم تصور عن الوسط الفني الغربي ولديهم قدره ماديه لأقتناء العمل الفني أو من الوسط الفني نفسه.
الفن التشكيلي العربي المعاصر بالخصوص (هنا المعاصرة تعني من بداية القرن التاسع عشر الى الآن) غريب على المنطقة العربيه لأنه معزول عن المجتمع بشكل كامل، هناك غربة قاسية تبعد الدور المرجو من الفن و من الفنان على حد سواء ومن نتاج هذه العلاقه المهمه والمؤثره بين هذين الطرفيين. هذه الغربة قائمه بالأساس على قضية خطيره جدا وهي الأسس التي قام على اساسها الفن العربي. كانت البدايات قائمه على استيراد نخبه من العرب الدارسين لطرق ونماذج من الفنون الغربية في الغرب ومحاولة زراعة هذه الخبرات والتجارب في بيئة شرقية،عربية وفي الغالب اسلامية غير مناسبة ومنسجمة البته مع الأصول. عدم الانسجام هذا ادى الى عزوف المتلقي بشكل عام عن الاندماج والتفاعل مع هذا النتاج المبني على نتاج ثقافي بعيد كل البعد عن الواقع الذي يعيش فيه وهذا الواقع المعاش للمتلقي العربي ليس له اي علاقة لا من قريت ولامن بعيد عن المنشأ. اي ان هناك قطيعة معرفية بين المتلقي والمنشأ، لهذا تجد مثلاً حتى عوائل الفنانين والمشتغلين في العمل الفني ليست لهم علاقة مع الفن مما يؤدي الى غربة مضاعفة. اضافة الى ذلك ان المتمكنين مادياً في الغالب لا يمتلكون وعياً جمالياً يساعدهم على تحفيز الوسط الفني وتطويره بشكل ايجابي. السبب الآخر الكبير لهذه المشكلة هو عجز الؤسسات التعليمية المتلكئة على توظيف وسائل وطرق التعبير الجديدة هذه منهجيا بما يتناسب مع الواقع العربي التاريخي واليومي المعاش. هناك خلل كبير في تعليم الفن في المدارس الأبتدائية والمتوسطة والاعدادية وحتى في المدارس المخصصة للفن بسبب انعدام مناهج فنية دراسية قائمه على مناهج اكاديمية مدروسة. وبسبب حداثة هذه المادة الفنية على المناهج التعليمية القائمة. هناك فارق شاسع بين الاكاديميات الغربيه والتي تتجاوز اعمارها المئات من السنيين والاكاديميات الفنيه العربيه الحديثه العهد القائمه هيه ايضا على الاغتراب.
السبب الثالث هو انعزال الفنان التام عن المجتمع وقضاياه بشكل غريب وكبير، واذا وجدت هذه العلاقة فهي عبارة عن جزء من الحكومه او جزء من ماكنة الدكتاتور العسكري (الفن من اجل المعركه). قد يكون سبب دور الفنان السلبي الغربه الاولى اي ان جيل الرواد جائوا بقيم جديدة على البيئة العربية مما حدى بكثير منهم الى الإنطواء على نتاجه الفني غير عابئ بالمحيط الخارجي الذي يعيش فيه. الفنانون الاوائل جاءوا بتقنية فنية وليس وعي فني اكاديمي عميق اي نظرية فنيه مثلاً جاء فائق حسن ( فنان من العراق) بوعي تقني فني جميل لكن بدون وعي ثقافي تنظيري ممكن على اساسه بناء حركة فنية جمالية. رابعاً الغياب الذي قد يكون تام لدور الناقد الفني الذي يساهم في بشكل كبير في بناء وتطور العمل الفني والاتجاهات الفنية.
خامسا مشكلة المتلقي الذي لا يعوّل عليه ولا يعي أهمية دوره ولا حتى دور الفن والفنان لأسباب عديدة منها الأمية، عدم المعرفة بالعوالم التي يبحث الفن في آفقها، فقدان المكان المناسب لإلتقاء المتلقي والفن، هذا يعني قلة اماكن العرض/ المتاحف وصالات العرض والتي هي أيضا نخبويه لا تنتمي للمكان. اي هي اماكن شاذة عن المحيط العام مثلاً المتحف الوطني للفن الحديث (كولبنكيان) في بغداد/العراقي الواقع في الباب الشرقي، بناية هادئه وجميلة ومحتوى فني قد يكون جيد، لكن لا أحد من عامة الناس المحيطين بالمكان هذا لهم دراية ومعرفة بالمكان ومحتوياته.
سبب سادساً آخر مهم في عملية الاغتراب هو الغياب الفاعل لدور نقابات وجمعيات الفنون في العالم العربي التي هي تدافع عن حقوق الفنانيين وانتاجهم الفني وان وجدت هذه النقابات فليس لها أي دور، وان وجد فلايعول عليه ومحدود جداً وغير مستقل وتابع كامل للنظام والسلطة القائمة، اي جزء من ممتلكات السلطة.
اضافة الى ماتقدم فان جوهر الفن الاساسي غائب عن تصور الفنان كمنتج للعمل الفني وعلى المتلقي الا وهو الحرية فالفن بالنسبه للرؤيه الغربية قائم بشكل تام على مفهوم الحرية والاصالة والنقص او الخلل في احد هذه الاساسيات المركزية ينتج بشكل لا يقبل الجدل مشكلة كبيرة في مفهوم ودور الفن والفنان. الفنان العربي محاصر في المجتمعات المستبده، ليست السلطة هي المستبد الوحيد، بل المدرسة، البيت، الشارع والعشيره الخ الخ. هل هذا يعني ان النتاج الفني العربي الآن ليس له قيمه جماليه، بالطبع لا، لانني هنا اتحدث عن الهوّة بين الفن والمتلقي وليس عن افراد او مجموعة من الفنانين.
الحاجة للفن تأتي بعد اشباع الحاجات الرئيسية كالاكل والشرب والمسكن اي الحياة الطبيعية الكريمة. وهذه ليست دائما جزءا طبيعيا في المجتمعات العربية. لازال هناك تخلف، جهل، امية، شروط اجتماعية قاسية، دين وفقهاء الخ الخ. ولهذا لا توجد هناك نظرية جماليه فنية للفن العربي الحديث.
الفن في الغرب قطع اشواطاً معرفية كبيره في الشكل والمضمون، لأن المجتمعات الغربية مجتمعات متحركة وليست ثابتة ومن هذه الاشواط مثلاً ظهور اساليب فنية جديدة لايمكن استنساخها في العالم العربي كال crosart, latina magica, happening,street art, performance design
مفهوم الفن تغير ايضاً بحيث انعدمت العلاقة والفارق بين ثقافة الاستهلاك والفن تقريبا , لأن الفن موجود في كل مكان ويدخل في كل تفاصيل الحياة اليومية.
هناك اغتراب في الرؤية الصورية للفن بسبب التاثر الكبير بالفن الغربي، اكثر الفنانين العرب المؤسسيين درسوا في اوربا ونقلوا الرؤى الجمالية الصورية الفنية بشكل مباشر وبشكل حرفي واحيانا اخرى نادرة بشكل غير مباشر. هذا يعني ان المنشآ و المنُظرْ لهذه الرؤية هو من خارج المنطقة العربية جغرافيا، عقليا وروحيا. كما الفلاسفه المسلمون في عقود عديدة مضت اسلموا الفلسفه اليونانية، حاولوا الفنانون العرب تعريب النتاج والفكر الفني الاوربي والغربي. كما هو الان في بعض دول الخليج حيث تحديث وسائل الحيات اليوميه واقامت ''معارض عالمية'' بدون التأثر بالذهنيّه التي تعمل على هذا التحديث وعلى وهذه الوسائل. هذا التغريب والانبهار القادم من الغرب والذي ينتمي الي تطور ثقافي، اقتصادي، فني، سياسي، ديني، اخلاقي، علمي والذي لايمت باي صله بالمكونات الشعورية للفرد العربي. من اجل تقليل هذا التضاد ولو بشئ بسيط فان المجتمعات العربية بحاجة الى بحوث اكاديمية ودراسات عديدهة في هذا المجال للاستفادة من النتاج الفني الغربي بشكل صحيح وبناء وبما يناسب مجتمعاتها.
نصر حامد ابو زيد يقول: "الحياة بلا فن خواء"
فنان من العراق يعيش في الدنمارك

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف