ثقافات

الاعلان عن موت (الحضارة العربية) في بغداد

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبد الجبار العتابي من بغداد: علقت في مطلع شارع السعدون ببغداد،من جهة الباب الشرقي، لافتة تشير الى قرب اعلان موت مكتبة بغدادية كبيرة لها تأريخها وحضورها، اعلان احتضار.. ربما، لان المكتبة، باسمها وحضورها،تستعد للرحيل، والكتب التي فيها تستعد الى ان يأكلها الاندثار او التلف او الحرق ربما، وبالتأكيد.. ان المكان سيتغير تماما وتغيب ملامح المكتبة ويبتلعها النسيان، وتضيع في خضم الازمنة.

هذه المكتبة المعروضة للبيع من المكتبات الشهيرة في بغداد، هي مكتبة (الحضارة العربية) وهي تقف ضمن صف من المكتبات الكبيرة المعروفة بتاريخها،على يمين شارع السعدون مقابل النفق، ولها مكانتها في نفوس عشاق القراءة والمثقفين البغداديين، ولا اخفي انني حين التقيت رسام الكاريكاتير المعروف خضير الحميري امام بابها عبر لي عن حزنه وهو يقرأ اللافتة وقال لي انه لديه فكرة رسم كاريكاتوري سيقول فيه عنها (الحضارة.. للبيع)!!، والمكتبة شبه مغلقة منذ وقت ليس بالقصير وصاحبها لم يأت اليها الا في اوقات متباعدة ربما في لحظات الحنين اليها،وهي ما استطعنا ان نصادفه فيها لنتحدث معه ويكشف لنا اسباب اعلانه عن موت المكتبة، هنا تحدث لنا صاحبها جميل الحديثي (69 عاما)، محامي وعضو هيئة ادارية في الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الشركة (الميتة) منذ عام 2003!!!.

* لماذا هذا الاعلان القاسي لبيع مكتبة معروفة؟

- لم اعرض المكتبة لحاجتي المادية بل لظروفي الصحي، فلم تعد لي تلك القابلية السابقة على الحضور يوميا ولا البحث عن الكتب والاصدارات الجديدة لانها تحتاج الى جهد، لديّ اولاد ولكن كل واحد منهم منشغل في وظيفته، وحتى ان فكرت لتوظيف شخص فيها، فمن الصعب هذا، بسبب ان الثقة صارت شبه معدومة، اعتقد ان اي احد حتى لو اعطيته 400 او 500 الف دينار شهريا فسوف لن يقنع، ولن يكون امينا عليها، ولو كانت لديّ ادرة مضبوطة او أحد اولادي او اخوتي لما فكرت في بيعها، فانا والحمد لله غير متضايق ماديا ولا مستدين من احد ولا احد يطلبني احد الا الله سبحانه، منذ سبعة اشهر قررت بيعها ولذلك لم اشتر شيئا جديدا.

* منذ متى وانت صاحبها؟
- انا اشتريتها لانني احب الكتب واحب القراءة وعندي مكتبة جيدة في البيت واولادي يقرأون الا زوجتي فهي تبحث عن (فتافيت) (ضحك)!!!، اشتريتها عام 1990 بنفس الاسم (الحضارة العربية) التي هي موجودة منذ السبعينيات كما اعتقد، المكان اشتريته (سرقفلية) عام بمئة الف دينار عراقي نقدا، والايجار الان 3 ملايين سنويا، وهو رخيص نسبيا.

* ما الذي تشعره وانت تعرضها للبيع؟
- هذه المكتبة بالنسبة لي طفل سوف افقده، وهذا شعور حقيقي، هذا المكتبة ابني!!، بالتأكيد هناك حزن و اشعر بالـ (قهر) عليه، لكنني مضطر الى اعلان بيعها، لان بقاءها على هذا الشكل يحملني مصاريف الايجار والضرائب والتلف، صحتي لا تساعدني وممنوع عليّ ان احمل 5 كيلوغرامات، وحاليا ان احاول ان امد يدي لسحب كتاب ما لا استطيع ذلك فضلا عن ذاكرتي، فأنا كنت اعرف مكان كل كتاب على الرفوف، الان اجد صعوبة في التذكر.

* هل جاءت عروض لشرائها؟
- جاء العديد من الاشخاص لشرائها ولكنهم يريدون المكان فقط، اي انهم لم يريدوا الكتب، ومن ارادوا الكتب دفعوا لي اسعارا رخيصة جا، اي انهم دفعوا في الكتاب الذي يستحق الف دينار مئة دينار!!،

* الا ترى غياب مكتبة عن شوارع بغداد مؤلم؟
- مؤلم جدا.. اعلان موت مكتبة في بغداد، مؤلم لبغداد ذاتها وللقراء، تصور انني حين اعلن عن بيع مكتبة (المثنى) قبل سنوات بكيت عليها وحين زرت شارع المتنبي ووجدت المكتبة محترقة لم احتمل المنظر، اعتقد ان تحول مكان المكتبة الى اخر غير الكتب خسارة كبيرة لبغداد، وانا لا استطيع ان اشترط على المشتري ان تظل مكتبة، لانني لا استطيع ان اجبره على جعلها مكتبة.

* كم عدد الكتب فيها، وما رأيك اصحاب المكتبات من جيرانك في الشارع؟
- في المكتبة نحو 50 الف كتاب، وتضم مختلف الكتب والتي بعضها يعود الى سنوات بعيدة، واصحاب المكتبات التي بجواري احزنهم خبر اعلاني لبيعها سواء لعلاقتي الشخصية او كمكتبة لان المكان هذا معروف كونه مركز لبيع الكتب وكلما تكثر عدد المكتبات يكون الحال افضل، ولكن لم يعرض احد منهم شراء الكتب او المكتبة كمكان لوجود كتب كثيرة لديهم.

* هل ربما سبب البيع يعود الى قلة انحسار القراءة عند الناس؟
- الاقبال على قراءة الكتب لم يقل ابدا، وكل من يقول لك لا يوجد اقبال هذا غير صحيح، ولديّ زبائني ممن يعرفون ان الكتب القديمة موجودة عندي، ولكن المكتبة تحتاج الى تجديد ومتابعة للاصدارات الجديدة وللكتاب الذي ينشرون كتبهم، وهذا لم تعد صحتي قادرة عليه.

* اريد ان اسألك كونك عضو هيئة ادارية في الشركة الوطنية للنشر والتوزيع،اين هي الان؟
- الشركة منهوبة، ليس فيها اي (فلس) وانا والمدير المفوض نصرف من حسابنا الخاص، هي شركة مساهمة مختلطة، تعرضت للسرقة في احداث عام 2003 ونحاول منذ سنوات اعادتها، قدمنا طلبا لوزارة المالية التي لها فيها نسبة 36 % ووزارة الثقافة 15 % وللمساهمين من المواطنين العراقيين 49 %، قدمنا طلبا من اجل ان يعطوننا قرضا لكي ننهض بالشركة، ولكن منذ ستة اشهر ولا يوجد رد، ولم نستطع الى حد اليوم ان نقابل وزير المالية ولا وزير الثقافة.

* كيف ستستطيع مفارقة المكتبة التي لك ذكريات معها؟
- شيء صعب جدا، وعزائي انني لا استطيع ان افارق الكتاب واينما اكون هو معي حتى في السيارة، حيث في الزحامات اجد فسحة للقراءة، أقرأ كل انواع الكتب الا الدينية منها، لانني كلما قرأتها ازداد كفرا، فأغلب ما اقرأه فيها لا اقتنع به لذلك اتجنبها، وعلاقتي الوحيدة بالقرآن الكريم، لانني اجد ما فيها يتناقض مع القرآن ومع الحياة وغير منطقية، ونادرا ما اقرأ الا لمعرفة توجات الكاتب الفكرية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
على راسي يااستاذ جميل يا راقي
عراقي - السويد -

شكرا لكاتب التحقيق السيد عبد الجبار تحقيق صحفي رائع ، يعكس الوضع في كل العراق ، حتى بين سطوره تحس كيف أن بغداد تغيرت و أنها في وضع لا يحسد عليه ، و الصور لوسط بغداد لمركز بغداد لتشاهد كيف ان بغداد تعبانه و رثه ، و تقرأ بين السطور ان مالك العقار لم يرفع أيجار المكان بينما غيره تكالب في اسعار الايجارات ، و السبب أن مالك العقار يعلم قيمة العلم و المعرفة و قراءه الكتب ، أنا شخصيا أعلم من هو صاحب العقار و يا ريت الكاتب يكمل جميله بتحقيق ثاني مع مالك العقار. لقد أمتعني المقطع الآخير من التحقيق أنه بحق كلام هو مخلص الكلام و هو التعبير الصحيح عن ما يجري في العراق. تحياتي للسيد جميل و له العمر المديد و الصحة الدائمة.

للاسف
عماد -

للاسف .. شيء جميل يندثر كغيره من مئات الاشياء الجميلة التي راحت في العراق .. للاسف:(

خسارة والف خسارة يا بغداد
Avatar -

اين انت من مقولة بغداد والشعراء والصور ذهب الزمان وضوعه العطر....الخ....اتذكر هذا الصف من المكتبات في بداية شارع السعدون يوم كان في ابهى صوره ايام الزمن الجميل ...الافضل ان نبقي على الصورة الذهنية الجميلة المترسخة في ثنايا عقولنا عن بغداد ولا نحاول تجديدها من الواقع الحالي المؤلم والمبكي لان ذلك سيقودنا الى الحزن الشديد والحسرة القاتلة ....اللعنة على كل من خان ويخون الوطن منذ الانقلاب الاسود في 1958

للاسف
عماد -

للاسف .. شيء جميل يندثر كغيره من مئات الاشياء الجميلة التي راحت في العراق .. للاسف:(

عندما يحكم الجهلة
عراقي متشرد -

عندما يحكم الجهلة والأميون أمثال مقتدى والجعفري والنجيفي مذا يكون مصير العلم؟سيكون الى المزابل

خسارة
علي -

على الرغم من انها مكتبة عريقة لكن هذه هيه الدنيا شركات عملاقة تخسر و تختفي. كهذا هيه الحياة اجيال تأتي واجيال يجب ان تختفي

عندما يحكم الجهلة
عراقي متشرد -

عندما يحكم الجهلة والأميون أمثال مقتدى والجعفري والنجيفي مذا يكون مصير العلم؟سيكون الى المزابل

gkherger@gmail.com
Iraqi -

في مراهقتي وبداية شبابي كنت اشتري الكتب من هذه المكتبات وخاصة من مكتبة الحضارة العربية وكنت التهم الكتب واعود لاجمع بعض النقود لاشتري كتب جديدة . كنا نتباهى فيما بيننا من له اكبر وارقى مجموعة كتب . ان هذه المكتبات ساهمت بتربيتنا كالام والاب . ولااستطيع تخيل شارع السعدون بدون هذه المكتبات.

الوضع الاقتصادي
خزعل -

الأوضاع الاقتصادية لمعظم العراقيين تحسنت كثيرا بعد ٢٠٠٣ كما ان انتشار الإنترنيت والتي كانت ممنوعة في زمن صدام حسين والتي هي الان متوفرة للجميع وانتشار كل وسائل الاعلام المرئية والسمعية جعل من الفرد العراقي كان له اثر على قراءة الكتب .فصاحب الكتبة قال بان ليس هناك من يقبل للعمل في الكتبة حتى لو أعطيته مبلغ ٥٠٠٠٠٠ دينار عراقي في حين كان راتب الاستاذ الجامعي أيام صدام حسين ٥٠٠٠ دينار !

gkherger@gmail.com
Iraqi -

في مراهقتي وبداية شبابي كنت اشتري الكتب من هذه المكتبات وخاصة من مكتبة الحضارة العربية وكنت التهم الكتب واعود لاجمع بعض النقود لاشتري كتب جديدة . كنا نتباهى فيما بيننا من له اكبر وارقى مجموعة كتب . ان هذه المكتبات ساهمت بتربيتنا كالام والاب . ولااستطيع تخيل شارع السعدون بدون هذه المكتبات.

جاد جدآ
احمد -

كنت اشتري الكتب من بائع جوال اي صاحب عربه قرب هذه المكتبه ايام كان سعر الكتاب 150 فلس. انا حاليا اعيش في احد الدول الاوربيه وانا مستعد ان اغادر هذا البلد واعمل في هذه المكتبه بس شويه يزيد الراتب. انتضر الجواب

My favorite book store for sell
Hisham Alwan -

I MISS THIS ROW OF BOOK STORES IN BAGHDAD

جاد جدآ
احمد -

كنت اشتري الكتب من بائع جوال اي صاحب عربه قرب هذه المكتبه ايام كان سعر الكتاب 150 فلس. انا حاليا اعيش في احد الدول الاوربيه وانا مستعد ان اغادر هذا البلد واعمل في هذه المكتبه بس شويه يزيد الراتب. انتضر الجواب

رد
زهرة -

بغداد واين بغدا اين العراق واين ذهبت تلك الحضارة التي كان يتمتع بها اتمنى للعراق النهضة من جديد ولا يخلى من المبدعين والمفكرين

رد
زهرة -

بغداد واين بغدا اين العراق واين ذهبت تلك الحضارة التي كان يتمتع بها اتمنى للعراق النهضة من جديد ولا يخلى من المبدعين والمفكرين

رثاء الكتب - أبو الحسن الغالي
جمال العرباوي -

أبو الحسن الغالي باع كتبه لفقره فانظر ماذا قال. أنسـت بها عشـرين حولا فقد طال شوقي بعدها وحنيني.وبعتها وما كان ظني أنني سأبيعها ولو قد خلدتني في السجون ديوني.ولكن لضعف وافتقار وصبية صغار عليهم تستـهل شؤوني.فقلت ولم أملك سوابق عبرة مقالة مكوى الفؤاد حزين.وقد تخرج الحاجات يا أم مالك كرائم من رب بهم ضنين.

زمن الاندثار؟
Khalid Alani -

حتى المكتبات لم تسلم من العراق الجديد فهذا زمن الاندثار بلا منافس ولكافة مجالات الحياة.من المحزن ونحن نرى معالم بغداد الرشيد وهي تختفي من الوجود الواحدة تلو الاخرى وبصورة مقصودةولانقول الا حسبنا الله ونعم الوكيل على كل من دمر وسعى في تدمير هذا البلد.

زمن الاندثار؟
Khalid Alani -

حتى المكتبات لم تسلم من العراق الجديد فهذا زمن الاندثار بلا منافس ولكافة مجالات الحياة.من المحزن ونحن نرى معالم بغداد الرشيد وهي تختفي من الوجود الواحدة تلو الاخرى وبصورة مقصودةولانقول الا حسبنا الله ونعم الوكيل على كل من دمر وسعى في تدمير هذا البلد.