ثقافات

بيضة براهما

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يتزين بالأفاعي ويحيط رقبته بعقد من الجماجم
ينظر إلى الينابيع الحارة، إلى صورة أمواجها المتسارعة
يركض نحو الأعاصير
نحو الظلال
قبل أن تتلاشى،
تاركة بين الأحجار بيضة مدثرة بالأسرار
بيضة جففتها الشمس وبللتها الأمطار
مستديرة مثل خبز القداس
بلا معجزات
بلا فضة لامعة
ربما الإله الذي لا نراه
قام بقذفها
ليبدو سعيداً بمهارته.

بيضة سترسم مصيرنا بالكامل
وتملأ جيوبنا بالذكريات
نحن سلالة الانفجار المنبثق من لا شيء
الهائمون
الموتى
المشردون
في هذا الخلاء الشاسع،
الصخور الخالدة تدمي أرواحنا
والغيب جارنا العملاق
ينبئنا بموت المجرات.

بيضة سينظر العالم بفزع إليها
ويطلق صيحات الدهشة
وكأنه يعيش رعب الموت الأخير.

بيضة تشبه روحاً
تخرج من شلال أو غيمة
تطير في الليل
فوق قارات سوداء محترقة
وحين تتعب من ملاحتها السماوية
تجلس فوق غصون الأشجار
وترمي بنبالها السحرية
السرور الصافي الذي ينتظرنا.

الكائن الفائق الذي حلمت به البيضة
تلفظ بصلاة عن مدينة مليئة بالحكمة، تضاء بشعلة العقل
تحدث عن وحدة القلب والنفس
عن البذرة النارية التي أولدت العالم
وتلك الفراديس الضائعة في العدم.
عن التخيل كعمل بلا ذاكرة
عن الظلام كملاذ للأعمى
عن التباريح كمرآة لله
عن التوحيد الذي دعا إليه الأنبياء
عن الوجد الذي دعا إليه الأولياء
عن النفس التي تخلق جنتها ونارها
عن الزمان الذي ليس له تاريخ
عن الخطيئة لأنها غير أصيلة
عن دائرة البعثات الإلهية التي قررت غلق أبوابها.

بيضة قشرتها مرآة العالم
والموت صيرورتها المتجددة
كأنها تريد أن تقول : الشيطان، مجاز مزخرف
ولا تبالي
بالله والشيطان يتبادلان اللكمات في حلبة الصراعات اللاشعورية
ويسقطان هذا الوجود المنهك في متاهات العصاب.

بيضة كغيمة رسوله تتوسط بين الله والشيطان
فوقها يجلس الكائن الفائق
يتزين بالأفاعي ويحيط رقبته بعقد من الجماجم
ينظر إلى التكوين، إلى صورته تتلمس بحواس قاصرة
هذا الوجود الملتبس بالزوال
يكلّمُ الينابيع الحارة، ينادي أمواجها المتسارعة
يطير نحو الأعاصير، نحو الظلال
يمسك بالأسرار
الأسرار التي تسبح ببهجة في الغموض
وتلهو مع خليلها السيد العظيم.

تحتار قليلاً
آه كم تحتار !
هذه البيضة التي تسيطر عليها حيرة الأنبياء والفلاسفة
كم مرة وجدتها في طريقي ؟
كم مرة انخدعت بها ؟
وكم مرة خدعت الآخرين ؟
لكني لم أكسرْها يوماً
وأنا استدير صوب الشمس
كمؤمن يريد الصلاة.

من ذا الذي يعرف حقاً ؟
من الذي يمكنه أن يقول : البيضة حلول في جسد مختلف ؟.

وحده السديم يسمع نداءات الفراديس
يحرس ضربات البرق والبراكين
ونشيد الماء المنثور بطهارة.

البيضة التي انكسرت في وسط القصيدة
تهز غصون الكلمات من دون وجود طائر
- ترى من يعرف الأحلام التي تسكن رأس بيضة ؟.

حين نعبر الفاصل المطلق للموت
لم يبق لدينا إلا الروح أو الجثة أو الذكرى
نمضي بها إلى مائدة الله
ونقلب الطاولة
لنكتشف الأكاذيب
الأسرار والتدابير
القسوة والرعب
الدم
وحيل الأيمان.

هو ذا يتزين بالأفاعي ويحيط رقبته بعقد من الجماجم
ينظر إلى الينابيع الحارة، إلى صورة أمواجها المتسارعة
يركض نحو الأعاصير
نحو الظلال
قبل أن تتلاشى،
تاركة بين الأحجار بيضة مدثرة بالأسرار
بيضة قذفتها العطور إلى رأسي
وأنا أحلم بالمتلاشي حتى لا أنسى الجمال
تتراءى لي كملاك يدعوني إلى بحيرات هادئة
حيث الروح متحررة من بهرجة اللاهوت
الجنة بستان بوهيمي
والله
أروع من أن يكون حقيقياً.


www.nasirmounes.com
nasirmounes@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف