كبوة رضا الباهي حين أمسك خيطاً مقطوعاً من حياة مارلون براندو
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مواقف براندو المعارضة للهيمنة الأميركية العالمية وانحيازها لإسرائيل وأداؤه العالي في التمثيل دفعت بالمخرج التونسي رضا الباهي للتمسك بالمصادفة التي عثر فيها على الممثل التونسي أنيس الرعاش ذي الوجه الشديد الشبه بوجه براندو خلال شبابه الذي سحر به وبحضوره الآخاذ عشاق السينما.
فأرسل فكرة فيلمه المقترح إلى براندو، الذي أبدى اهتمامه وحماسته للفكرة، التي لم تنجز، بالرغم من عدد الساعات التي سجل خلالها الباهي أحاديث براندو ومقترحاته للفيلم في فيلته المحاطة بحراسة في الولايات المتحدة الأميركية.
لكن بموت براندو ظل رضا الباهي متوقفًا عن إنجاز عمل جديد متأملاً في العثور طريقة حاذقة يظهر فيها لقاءاته مع الممثل الأسطوري مارلون براندو للعلن ضمن فيلم يكمل خلاله ما كان اتفق وبراندو عليه.
لكنه كان وحتى الآن، كما يقول، مقيّدًا باتفاق جنتلمان وكلمة شرف أعطاها إلى براندو قبيل وفاته بعدم نشر أي شيء مما دار بينهما.
فلم يظهر الباهي أو أي من كادر فريقه في أي صورة مشتركة مع براندو موضوع الفيلم، سوى صور ولقطات أرشيفية، معظمها من أفلامه.
ويظهر أيضا المخرج رضا الباهي، مع سرير لم يظهر الشخص الذي يستلقي عليه، وهو يتأمل (براندو) كما فهم من شاهد الفيلم، الذي يسير في جانب كبير منه بنسق وثائقي يتحدث فيه المخرج عن براندو ومواقفه ومقترحاته للفيلم. لعل أبرزها نصحه للباهي بضرروة توظيف حرب بوش على العراق فيه ومعتقل غوانتنامو. وكل ذلك على لسان المخرج.
من حانب آخر يمرر المخرج أحداث فيلم مواز للوثائقي يحاول ربطها به عنوة. تدور حول شاب شبيه لمارلون براندو، يحلم بأن يصل إلى هوليوود ليوظّف شبهه ببراندو الشاب، لكنه لم يستطع بسبب ضيق ذات اليد، وسعي حبيبته إلى ثنيه عن السفر. ليبقى معها في القرية، التي تعتبر مقصدًا لفرق التصوير الغربية، نظرًا إلى وجود معالم لافتة فيها تاريخيًا وجغرافيًا، فيصل إلى القرية سيّاح أميركيون يقولون إنهم في صدد إنجاز فيلم ضد استغلال أبناء القرية ومعالمها في تصوير أفلام أميركية وأوروبية.
لكن يتضح بعد ذلك أن هؤلاء ليسوا سوى سيّاح ينجذب أحدهم إلى شبيه براندو، الذي يغريه بالسفر معه، وفتح عوالم جديدة له. لينجح في إغواء أنيس بعد محالاوت فاشلة، فينام معه ويمارس الجنس، تاركاً له مبلغاً من المال، ويغادر مع مجموعته. فيفتضح في القرية أمر أنيس، الذي لم يكن أمامه سوى ترك القرية والسفر بأي وسيلة إلى أميركا.
الغريب أن حبيبته، التي كانت تريده أن يبقى معها، تبيع نفسها لجارها كبير السنّ، لتدبّر مبلغ سفر أنيس، الذي ينصحه أحد المهرّبين بالسفر مع المهاجرين غير الشرعيين في قارب متهاو إلى أوروبا نحو إيطاليا القريبة. ليموت الجميع في عرض البحر، ويتحطم القارب.
يتضح ذلك في نهاية الفيلم من خلال ملابس أنيس الممزقة على الشاطئ وبقايا من خشب القارب.
لينتهي الفيلم بنتيجة بدائية، ضيّع خلالها المخرج، وخلال الفيلم، جهد ووقت كادره والمشاهدين، فلا براندو ظهر في صورة، ولو واحدة، مع المخرج رضا الباهي، ولا هو أنجز فيلمًا منفصلاً عن اتفاقه المنقطع مع براندو، ولو وثائقياً. فعمد إلى الإغراق والتيه في التوثيق حينًا والروائي حينًا آخر، مركزًا على لقطاته التي كانت ترافقها تعليقاته المطعمة بأحاديث براندو ومشاهد أرشيفية له.
قد يستطيع الآن أي شخص (خبيث) اتهام الباهي بأنه يدّعي علاقة، وعمل مع براندو لم يظهره قبل وفاته. هذا مع ثقتنا بالمخرج رضا الباهي، لكنه لم يفلح في تقديم عمل أو رواية موثقة.
ليت المخرج المتيمز رضا الباهي عمد إلى توظيف وقته وتفكيره في إنجاز فيلمين، الأولعن الشاب شديد الشبه بمارلين براندو، بمعزل عن أي زجّ لتوثيق غير موثق أصلاً في الفيلم. والآخرتسجيلي عنقصته مع براندو. لكنهبإهماله للروائي منه باتجاه الوثائقي، الذي لم نمسك منه سوى رواية المخرج فقط بصوته، خسر الروائي، ولم يربح التسجيلي.
فليس كل ما يعلم يقال، وليس كل لقاء مع عظيم لساعات معدودات يمكن من إنجاز فيلم مهما كانت الأدوات الإبداعية بارعة. حتى لو احتفظ المخرج الباهي بعدد الساعات الـ 15 التي سجل خلالها أحاديث براندو صوتيًا ضمن مقتنيات العائلة، كما قال خلال الفيلم.
ما دام براندو رفض إدخال مصوره المخرج إلى غرفة اللقاء، كما قال الباهي، إلا بإبرام عقد جديد يتضمن مالاً أكثر، يمكنه من الظهور معه في صور فيديوية أو فوتوغرافية. ترى هل سيتردد أي مخرج في الموافقة على طلب براندو هذا؟.
ربما حصلنا، وقتها، على فيلم جديد ومتميز للباهي، الذي قدمإلى عشاق السينما أفلاماً رسخ بعضها في الذاكرة، مثل "شمس الضباع" عام 1975 و"صندوق عجب" عام 2003. إضافة إلى أفلام"العتبتات الممنوعة" 1972 و"الملائكة" 1983 و"شمبانيا مرة" 1986 و"السنونو لا
يموت في القدس" 1994.
لقد كان فيلم "دائماً براندو" كبوة في حياة المخرج التونسي رضا الباهي. لعله يجتازها بفيلم يغفر هذه الكبوة في مسيرته الفنية الإبداعية.