ثقافات

لاعلاقة للإبداع بالحدود والدين

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يحيى بن الطاهر من الرباط: يتخوف مثقفون ومبدعون مغاربة من أن يحيي وصول حزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، إلى ممارسة الحكم في المغرب، الجدل من جديد، حول الفن والمهرجانات الفنية والثقافية والنشر، ويتحول إلى فرصة لمشاكسات بعض المريدين من المنتسبين إلى الحزب، قد تطال الممارسات الفنية والإبداعية بمختلف أنواعها.

لا علاقة للإبداع بالحدود والدين
يفضّل الشاعر المغربي محمد بودويك، العضو في المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب التذكير بكون أن "هناك قاسمًا مشتركًا وأفقًا معينًا" تتقاسمه ثلة من المبدعين المغربيين.

وأضاف بودويك في حديث مع"إيلاف": "يتعلق الأمر بكون أن للمثقف دائمًا موقفًا نقديًا، وهذا الموقف النقدي يروم أن يكون موقفًا نقديًا خلاقًا بمعنى بناءً وبانيًا".

وبمناسبة فوز حزب العدالة والتنمية في التشريعيات الأخيرة، التي منحته قيادة الحكومة المغربية المقبلة، قال عضو المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب: "نحن صفقنا لفوز العدالة والتنمية بالتشريعيات الأخيرة، على اعتبار أن الديمقراطية قالت كلمتها، وأن الشعب المغربي قال كلمته، وأوصل هذا الحزب الإسلامي إلى سدة الحكم، لأنه اقتنع ببرنامجه ومشروعه المجتمعي وتجذره داخل الفئات الشعبية".

لم يخف الشاعر المغربي، قلقه من وصول الإسلاميين إلى ممارسة الحكم. وقال لـ"إيلاف": "أخاف من وصول العدالة والتنمية إلى الحكم، وأخشى من أن ينال هؤلاء من الحرية الفردية، أي الخوف من أنهم سيمسّونها في الجوهر، والمقصود بالحريات الفردية هنا هو الإبداع، الذي نعرف أن لا علاقة له بالحدود وبالدين، لأن الإبداع والفن كما قال الأصمعي: "الشعر إذا دخل باب الخير... لان وضعف".

وكان المثقفون والفنانون المغربيون قد سجلوا بامتعاض بعض المواقف، التي عبّر عنها قياديون وإعلام حزب العدالة والتنمية من قبيل موقفهم السلبي من مهرجانات فنية وسينمائية معينة ومن مطربين وفنانين عالميين.

واعتبر بودويك، عبر بعض التصريحات لبنكيران رئيس الحكومة المعين وبعض قيادات الحزب، أن "في البداية هناك طمأنة إلى النخبة، ويتحدثون على أساس أن الحرية الفردية ستبقى مصانة".

وكان الإسلامي عبد الإله بنكيران قد حاول إرسال مجموعة من الإشارات إلى المجتمع، ومنها النخبة المغربية فور تعيينه وزيرًا أولاً، إذ كان حضوره في افتتاح مهرجان مراكش السينمائي الأخير لافتًا، وأيضًا مشاركته أخيرًا في تشييع جنازة القائد الشيوعي المغربي شمعون ليفي، فلم يكن حضوره عاديًا، حسب الملاحظين، بل كان رمزيًا، في محاولة لتقديم رسالة إلى الرأي العام المحلي والخارجي تفيد بأن حزب العدالة والتنمية لن يهدد الحريات الفردية للجماعات والأفراد.

قرأ الشاعر بودويك في تلك الإشارات مواقف شخصية يبعث بها بنكيران وبعض قيادات الحزب، مؤكدًا على أنه ينبغي التمييز بين تلك القيادات ومريدي هذا الحزب، "أي الجمهرة الواسعة من أولئك المنتسبين إلى هذا الحزب، الخوف منهم يكمن في الممارسة اليومية في التعامل، ويمكن أن نصطدم مع هؤلاء الذين يكونون في المواقع التحتية، في البلديات والمجالس المحلية، حيث ستكون لهم يد طولى، وهي الحكومة، وقد تدفع بهم إلى المشاكسات"، كما قال. وأكد أنه لا يمكن لحزب سياسي معيّن، له مرجعية إسلامية، أن يحترم الحقوق المدنية العامة.

من السابق لأوانه الحكم على تجربة الإسلاميين في المغرب
من جهتها، تعتبر القاصّة المغربية بتول المحجوب، أن طبيعة تكوين المغرب وانفتاحه على كل الحضارات والثقافات، يجعله "من الطبيعي أن ينمو إبداعيًا بطريقة سليمة.. إبداع ينعم بحرية أكثر تجعل الكلمة الإبداعية بخير".

وقالت بتول في حديث مع "إيلاف": "كل من يحمل همًّا إبداعيًا يراوده القلق على حرية الإبداع، كما راودني أيضًا".

واستبعدت أن يكون وصول الإسلاميين إلى مسؤولية تدبير الشأن السياسي من موقع الهيئات التقريرية عبر تحمّله المسؤولية الحكومية مؤثرًا سلبًيا على حرية الإبداع في المغرب.

وترى القاصة أنه من السابق لأوانه الحكم على تجربة الإسلاميين في المغرب قبل رؤية نتائجها.

وأضافت بتول: "هم أكثر وعيًا من أن يقفوا في وجه حرية الإبداع الفني في بلد متطور كالمغرب، بلد معروف يتنوعه الثقافي".

واعتبرت القاصّة المتحدرة من الجنوب المغربي، من مدينة طانطان، أنه ليس في مصلحة الإسلاميين أن يحدّوا من حرية الآخر، "فالمغرب يعرف نوعًا من الديمقراطية في هذا المجال" تضيف بكثير من اليقين.

نخشى أن يعود المغرب إلى الوراء كأننا نغسل الفحم
بدا الشاعر يحيى عمارة، والباحث الجامعي في جامعة محمد الأول في وجدة مطمئنًا وهو يتحدث إلى "إيلاف" بخصوص الإبداع والفن ارتباطًا بوصول الإسلاميين إلى سدة الحكم في المغرب.

وقال عمارة: "المغرب يتأسس على الاختلاف الثقافي والفكري، وهذا يبين أن الأحزاب، التي تتكون منها الغالبية الحكومية، تعبّر عن مرجعيات مختلفة، وهي مسألة مهمة". ولم يخف الشاعر من حضور مفارقة جديرة بالانتباه.

وأوضح عمارة لـ"إيلاف": "قدم لنا المغرب رئيس حكومة جديدًا، يحمل المرجعية الإسلامية، في الوقت الذي يسير فيه المغرب باتجاه المشروع الديمقراطي الحداثي، الذي كان قد ابتدأه قبل أكثر من عشر سنوات".

وتساءل عمارة: "إلى أي حد سيكون هذا الحزب مسؤولاً على هذا المشروع؟"، قبل أن يضيف: "من هنا، نحن كمثقفين، نطمح إلى أن يواصل المغرب السياسي والثقافي والاجتماعي السير في اتجاه هذا المشروع، لأننا نخشى أن يعود المغرب إلى الوراء كأننا نغسل الفحم، بمعنى أننا نبتدئ مثلما كنا خلال سنوات الستينيات، لأن الحرية هي أساس الديمقراطية".

واعتبر عمارة أن ما هو مطلوب من من المسؤول الأول عن الحكومة المغربية هو أن يتحمّل مسؤوليته نحو المغربيين ككل، وليس فقط نحو مرجعية واحدة، "فالمغربيون يمتازون بالاختلاف والتفاهم والحوار البناء المبني على الاختلاف في مغرب التعدد في اللغات والتوجهات والمرجعيات".

وتحدث عمارة عن المنع، الذي يطال مجموعة من المؤلفات الإبداعية في المغرب. وقال الباحث الجامعي لـ"إيلاف": "المنع، كانت ظاهرة قبل هذا الدستور، إذ كانت هناك أصوات تنادي بمنع مجموعة من المؤلفات الإبداعية، كانت تحرّكها مجموعة من الهيئات التي تناصر المرجعية الإسلامية".

وسجل في المغرب خلال السنوات العشر الأخيرة منع مجموعة من المؤلفات الإبداعية، التي كان بعضها مقررًا في الدراسات الثانوية للتلاميذ، كرواية "المرأة والوردة" و"محاولة عيش" لمحمد زفزاف، وقبلها كان المنع الذي طال رواية الروائي المغربي الراحل محمد شكري "الخبز الحافي".

رواية لا أخلاقية لتلاميذ السنة التاسعة
وكانت جريدة "التجديد" الموالية لحزب العدالة والتنمية، قد شنَّت حملة ضد رواية "محاولة عيش"للروائي المغربي الراحل محمد زفزاف، التي كانت مقررة لأكثر من ثلاث سنوات في مناهج التدريس في السنة الثالثة من الثانوي.

ونشرت التجديد فيأحد أعدادها الصادرة في شهر سبتمبر/أيلول 2009 مقالين يستنكران اعتماد ما وصفه صاحب المقال "رواية لا أخلاقية لتلاميذ السنة التاسعة"، فيما كان تركيز صاحب المقال الثاني على الفضاء، الذي تجري فيه أحداث الرواية، جاء فيه: "تدور مجمل أحداثها في الحانات والبارات.. حياد تجاه تعاطي الخمر والتدخين والزنا وعقوق الوالدين...".

استندت الحملة إياها على أن الرواية لا تتناسب والمستوى التعليمي للناشئة، وتخالف القيم التربوية.

وتحكي رواية "محاولة عيش" قصة شاب متحدر من الهامش، من دور الصفيح، يعيش وسط جو موبوء أخلاقيًا، يصوّر محمد زفزاف واقعه المرير متسكعًا في شوارع المدينة، المدينة التي فسدت أحوالها، وباتت تمامًا كملهى كبير.

يطرح الروائي إشكالية الشرف، وكيف يلوّث الرجل عذريته باحثًا عن زوجة عذراء لتنتهيأحداث الرواية بفضيحة في سكنات دور الصفيح، حيث يتحولأحد الأعراس إلى مأتم بسبب الشك في عذرية العروس. الرواية تدرج في إطار الرواية الواقعية.

وكانت قد أثارت هذه الحملة حينها، التي فضّل البعض وصفها بـ"الضجّة" المثارة حول رواية "محاولة عيش" مناسبة لتدخل النقاد والصحافيين على الخط، معتبرين أن حزب العدالة والتنمية لا يخرج في خطاباته السياسية عن دائرة الأخلاق وتطابق السلوكيات الاجتماعية والمعيار الديني في محاولةلتنصيب نفسه كحكم على السلوك الاجتماعي.

لست قلقًا إلى أن يظهر العكس
من جانبه، لم يبد الباحث في علم الاجتماع في جامعة سيدي محمد ابن عبد الله في فاس أحمد شراك، وعضو اتحاد كتاب المغرب، أي قلق تجاه وصول حزب العدالة والتنمية إلى ممارسة الشأن السياسي من داخل مواقع القرار.

وقال شراك لـ "إيلاف": "لست قلقًا إلى أن يظهر العكس، حتى ننتظر الممارسة". ولم تفت الباحث في علم الاجتماع الإشارة إلى "ملاحظة عامة" على مستوى المشهد السياسي العربي، المتمثلة في صعود الإسلاميين إلى مواقع القرار السياسي، ومنها المغرب، متمثلاً في صعود حزب العدالة والتنمية، برئاسة عبد الإله بنكيران.

وتساءل شراك: "إلى أي حد سيخدم هذا الصعود الإسلام السياسي، وبالتالي انعكاسه على مستوى الخطاب الفني والخطاب الإبداعي هنا والآن؟".

واعتبر الباحث أن صعود العدالة والتنمية إلى الحكم سيجعل البعد الإيديولوجي يتوارى على مستوى التدبير السياسي، موضحًا أن هناك اختلافًا بين وجود العدالة والتنمية في المعارضة وممارستها للخطاب الإيديولوجي أحيانًا لأجل التميز مثلما هو الحال لموقف العدالة والتنمية من بعض الإبداعات السينمائية، وكذا موقفهم بصورة عامة من المهرجانات الثقافية، التي ينظمها المجتمع (مهرجان الرباط، مهرجان الراشيدية).

وكان حزب العدالة والتنمية من المعارضين الشرسين لمجموعة من المهرجانات الفنية والثقافية، التي تنظم بين الفينة والأخرى في المغرب، استنفر خلالها إعلامه بشكل ملحوظ.

واعتبر الباحث أن النقد، الذي يمارسه حزب العدالة والتنمية تجاه هذه المهرجانات ليس نقدًا ثقافيًا موضوعيًا، بقدر ما يحكمه نزوع أخلاقي، بدعوى أن فيها تبذيرًا ماليًا، وتخلو من سلوكات أخلاقية وتتخللها ميوعة.

وأوضح شراك، الذي كان يتحدث إلى "إيلاف": "هذه الزاوية الأخلاقية هي التي جعلت المجتمع الثقافي يقف ضد هذه التصريحات، ويمارسبحقها النقد بشدة".

في مقابل الحملات، التي يقوم بها الإسلاميون المغربييون ضد المهرجانات الفنية والثقافية وضد بعض المنشورات، يقومون بالمساهمة في الترويج للكتاب الإسلامي، خاصة الكتاب التراثي أو "الإيديو-إسلامي" على مستوى المعرض الدولي الكتاب، الذي ينظم سنويًا في مدينة الدار البيضاء، عبر إيجاد مجموعة من الكتب بطريقة مباشرة أو بإيعاز منهم.

وأضاف البحث أحمد شراك: "بناء على هذه الممارسات، فالتخوف حقيقي من صعود الإسلاميين إلى دفة الحكم، وسيكون من الخطر عليهم أولاً تسريب هذه المواقف وهم في سدة الحكم، على اعتبار أن لهم شركاء سياسيين في إطار التحالف الحكومي".

واعتبر الباحث أن موقع المسؤولية لا ينطلق من استعمال المواقف الأقصى مثلما هو الحال حين تكون في المعارضة، فهناك حفظ لهذه المواقف.

ورجّح الباحث الذي كان يتحدث إلى "إيلاف" الذكاء السياسي لحزب العدالة والتنمية الذي سيجعله خلال هذه المرحلة "بعيدًا عن إثارة القضايا الخلافية، ذات الطابع الإبداعي والطابع الثقافي والفني، لأنها ستجرّ عليه نقدًا واسعًا ولاذعًا، وربما قد تكون من أسباب سقوطه".

وخلص الباحث: إلى أن "العدالة والتنمية سيعتبر أن هذه القضايا من المسكوت عنها في هذه المرحلة، وسيركز على التدبير الاجتماعي والتدبير الاقتصادي، لأن لديه استراتيجية سياسية من أجلالاستمرارية، كما إنه يستلهم من النموذج التركي، الذي يعتبر نموذجًا منفتحًا ومرنًا".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مقال مثير وعميق
المعتمد -

فعلا،لقد أصاب الصحفي المقتدر حينما طرح إشكالية ثقافية سياسية من خلال آراء ثلةمن المثقفين المغاربة،تلك الإشكالية تمكنت من ملامسة ما يعيشه مغرب ما بعد اقتراع 25 نونبر،لأن سؤال المغرب الثقافي من الاسئلة الجوهرية في الأستراتيجيات المستقبلية التي توضح البناء الديمقراطي ومستواه في المغرب المعاصر.لهذا نحيي الأستاذ يحيى بن الطاهر على موضوعه ونتمنى له المزيد.