ثقافات

"المقهى المسرحي" لاستعادة جماليات الفرجة في الجزائر

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سليمان بن عيسى

كامل الشيرازي من الجزائر: يرافع مسرحيون في الجزائر لأجل إحياء "المقهى المسرحي" العريق هناك، كتوليفة لاستعادة جماليات الفرجة وسط دعوات لمراودة الجماهير في فضاءات غير تقليدية، بعدما أضحت المسارح الكلاسيكية في البلاد تشكو هجرانا ملحوظا أثرّ سلبا على تطبيقات الفن الرابع.
يعتبر الوجه المسرحي الجزائري المعروف "زياني شريف عياد" أنّ الرجوع إلى جو المقهى المسرحي في بلاده، بات ضرورة في ظلّ ما يطبع المرحلة الراهنة، سيما وأنّ عروض المقهى المسرحي قبل عشريات أفلحت في اجتذاب جماهير غفيرة من مختلف الفئات والميولات.
ويبرز زياني نجاحات مواطنيه الراحلين أمثال "محمد التوري"، "رشيد القسنطيني"، "سيد علي فيرنانديل، علالو، علي سلالي المعروف بعلالو، محي الدين باشطارزي، رشيد القسنطيني، سعد اللّه إبراهيم المعروف بدحمون، رويشد وغيرهم، حيث كانوا يمارسون مسرحا اجتماعيا رائقا تعرضوا من خلاله لعديد المواضيع بأساليب خفيفة كانت فيها روح التواصل هي السائدة.
ويشير زياني الذي يرأس الجمعية المسرحية "الغوستو"، إلى فضائل العودة إلى المقهى المسرحي من حيث ذهاب المسرحيين إلى الجماهير على منوال مسرح الشارع، وفسح مجال الإبداع أمام الجميع بمن فيهم أولئك الذين ليس لهم فضاءات خاصة بالتمارين والعروض، ناهيك عن ابتداع أشكال فنية جديدة.
بهذا الشأن، يوضح زياني الذي كان يدير المسرح القومي:"تعميم المقاهي المسرحية بمختلف المدن الجزائرية ستجعل المشهد العام رائعا"، بيد أنّ زياني يوقن بصعوبة تجسيد الفكرة بسبب ما يسميه "تصلّب مواقف" مسؤولي الفضاءات الثقافية تجاه إسقاطات الفن الرابع، رغم أنّ هناك عدة أشكال من التعبير المسرحي، بحيث لا يجب أن يقتصر عرض المسرحيات في قاعات العرض فحسب، إذ يمكن أن يتم عرضها في أماكن أخرى كالمقاهي الشعبية مثلا.
ويراهن زياني الذي سبق له إخراج مسرحيات عديدة مثل "قالوا لعرب قالوا"، "الشهداء يعودون هذا الأسبوع، و"العيطة"، على نموذج المقهى المسرحي لاستعادة نكهة المسرح الشعبي وتقريب المسرح من المتلقين، ولسان حاله:"لا نحتاج إلى مسرحيات بل نفتقر إلى ممارسة ركحية في أماكن حميمية".
وشكّلت مسرحية "الكوخ يا صديقي" التي أخرجها زياني شريف عياد وجرى عرضها نهاية الأسبوع الماضي، أنموذجا للمقهى المسرحي من خلال نقل العمل بطريقة طريفة انشغالات وتطلعات وآمال وآلام المجتمع المحلي.
وعبر زمن مسرحي اتخذ من المقهى العتيق "السعادة" فضاء له، يحتدم سجال بين صاحب المقهى والشاب المنهك "عليلو" المشدود بحنينه إلى الماضي، ويدور حوار بديع حول رمزية المكان وجدل الهوية وحلم عليلو لبلوغ الضفة الأخرى لبحيرة المتوسط.
زياني شريف عياد بدوره، يستحسن المخرج المسرحي "أحمد خودي" تجربة المقهى المسرحي التي مورست بشكل ما خلال السنوات الأخيرة في فضاء الجمعية الثقافية "الجاحظية" وكذا على مستوى المكتبة الوطنية الجزائرية تحت إشراف الدكتور "أمين الزاوي" الذي أسس أيضا للمقهى الأدبي ونظيره الفلسفي، وهو طرح يؤيده الكاتب والمخرج "سليمان بن عيسى" صاحب مسرحيات ذائعة الصيت مثل "غضب الصمت"، "بوعلام زيد لقدام"، "المحقور"، راك خويا وأنا شكون"، "يوم الجمعة"، و"مجلس التأديب".
ويشير الدكتور مخلوف بوكروح في دراسته النفيسة "المسرح الجزائري بين الخصوصية والعالمية"، إلى جزء هام من ذاكرة الجزائر المسرحية منذ عشرينيات القرن الماضي، والتي جرى تقديمها في المقاهي وسائر النوادي والتجمعات الثقافية آنذاك، رغم ما كانت تعانيه البلاد إبان فترة الاحتلال الفرنسي (1830 - 1962).
ويقحم الأكاديمي الجزائري البارز المقهى المسرحي ضمن لائحة بعض الأشكال المسرحية الغير تقليدية التي كان يمارسها الجزائريون لغرض التسلية، ونبعت في الغالب من الحاجة للتعبير عن حالة شعورية خاصة، وظهرت معها بوادر حركة مسرحية في تلك النوادي من خلال عروض مسرحية هزلية ممزوجة بالموسيقى والغناء.
ويلفت د/بوكروح إلى كم هائل من المسرحيات في الفترة الممتدة بين (1926 ـ 1952)، حيث وصل حجم ما اشتغل عليه قدماء المبدعين المسرحيين في الجزائر إلى ما يربو عن 180 عملا، 75% منها موضوعاتها اجتماعية ثورية.
مخلوف بوكروح من جهته، يلاحظ الباحث والناقد "بوبكر سكيني" أنّ التفرد الذي يتمتع به المسرح الجزائري وما يتسم به من خصوصية ناجم عن كونه انبثق من البيئة الشّعبية و التصق بذوق و حاجة الجماهير المسرحية فانعكس هذا على طبيعة و صيغة العرض فطغى الغناء و السّرد و انتظم التلقي بين حيز الفرجة وحيز اللعب في شكل حلقوي دائري، ليصبح فيما بعد الركيزة لتحقيق عامل الفرجة للجمهور وجعل الأخير يلتصق بمقتضيات العرض المشهدي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف