ثقافات

بوادر ثورة مسرحية في الجزائر

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

كامل الشيرازي من الجزائر: "الشعب يريد إسقاط بن قطاف"، هو شعار رفعه السيناريست والكاتب والمخرج الجزائري البارز "محمد شرشال"، مطالبا من خلاله بترحيل مدير المسرح القومي "محمد بن قطاف"، وهي دعوة سرعان ما اتسعت لتطالب بقطف رؤوس أخرى هيمنت مطوّلا على الساحة المحلية رغم فشلها، حيث تُنسب إليها سببية التراجعات، "إيلاف" تابعت الموضوع مع المعنيين.
بدأ كل شيئ بدعوة محمد شرشال على الشبكة الاجتماعية "الفاسيبوك" لمن سماهم "المسرحيين الحقيقيين" للاعتصام أمام مقر المسرح القومي الجزائري بغرض إسقاط من ينعته (الامبراطور)، ويتعلق الأمر بـ"محمد بن قطاف" الذي يشرف على مقاليد دار الأوبرا منذ نحو سبع سنوات.
ويبرّر شرشال خطوته بكون بن قطاف ومن يصفهم (أتباعه الأقزام) يتحملون مسؤولية مباشرة عن تردي مستوى الفن المسرحي في الجزائر، لذا يجزم بضرورة خلعهم لتكريسهم الرداءة والاستسهال، وفشلهم بحسبه في التأسيس لمسرح جزائري صميم.

ويشدد شرشال على تمسكه بإسقاط من يُطلق عليها "الحكومة المسرحية"، بعد أن كانت له محاولة سابقة في ربيع العام 2007، معلقا:"أنا إبن الخشبة المسرحية الجزائرية، وأعرف خباياها وممارسات أناسها.. ممارسات تبرأت منها وأقوم بمحاربتها، فلا يهم هؤلاء إزدهار المسرح أو انتعاش الفن، يهمهم الربح المالي والقفز على الفرص، لذا لا ينبغي الصمت أمام اغتيال الفن، إنها أعنف أزمة تمسنا في الصميم".
هذا الطرح يتبناه مسرحيون آخرون بقامة الممثل والمخرج "محمد عباس" والناقد "بوبكر سكيني"، إضافة إلى مواطنيهم "جمال قرمي"، "عبد الغني شنتوف" ود/حبيب بوخليفة، إذ أعلنوا عن انضمامهم للمبادرة وتأييدهم ترحيل وجوه يقولون إنّها تمثل جيلا بائدا وسياسات عقيمة.

وعن موقع السلطات مما يفعله القادة الحاليون للمسرح، يبدي شرشال قناعته بأنّ المسرح الجزائري سقط ضحيٌة حسابات سياسويٌة، وممارسات لا تمت لأخلاقياته بصلة، وذاك راجع بمنظوره إلى مشكلة كبرى في الجزائر، إذ أنّ كل المناصب "سياسية"، ويوضح محدثنا:"لا تجد مديرا للمسرح من طراز "تكنوقراطي"، وحتى وإن كان متخصصا بين قوسين، فإنّه يقترح خدماته بشكل ديماغوجي".

ويرى شرشال أنّ وضعا كهذا جعل المسرح هناك يتجرع مرارة الانكسارات وخيبة الإخفاقات ويتخبٌط كغيره في أزمة مزمنة متعدٌدة الجوانب، وهو وصف ينسحب أيضا برأيه على الدراما وسوق السمعي البصري في بلد لا يزال منغلقا على قناة تليفزيونية وحيدة يراها الجزائريون عنوانا للإفلاس والملل والضمور.
ويؤكد الثائرون على السلطة المسرحية الرسمية إنّ الأمر لا يقتصر عليهم بل يشمل فصيلا ضخما من الشباب البارعين في دروب الكتابة والإخراج والتمثيل، ممن أنجزوا عشرات المسرحيات ونالوا جوائز بالجملة داخل وخارج البلاد، ويقولون إنّ الصراع بات قائما بين خطابين وجيلين مختلفين، في ظلّ إصرار الجيل القديم على توظيف الخطاب النصي السياسي الإديولوجي، على نقيض الجيل الجديد الحامل لخطاب يعتبرونه أكثر جمالية وروحا فنية".

ويعدّد كل من "محمد عباس" و"بوبكر سكيني" جملة من التجاوزات التي تورّط فيها بن قطاف وفريقه، بينها تكريسهم محاذير الظلم، التمييز والاحتكار من خلال توزيع الأعمال على مقرّبيهم فحسب، ما حوّل المسرح القومي إلى شركة ذات منفعة خاصة، في وقت يستمر فيه تغييب سوق العرض والأصوات الجديدة، ويستدل محمد عباس وجمال قرمي بمسرحيتيهما "نزهة مع الغضب" و"لو كنت فلسطينيا" اللتين أحدثتا الكثير من الضجيج، لكنّ ذلك لم يشفع لهما.
ويذكر مناوئو بن قطاف باستياء شديد شيوع ما ينعتونها "ممارسات لا أخلاقية" واستخدام فن نبيل كمنفذ لتبديد المال العام، رغم أنّ الأهواء والنزوات خط أحمر في المسرح، ويشرح عباس صاحب 45 عملا مسرحيا:"نريد من وراء ثورتنا الهادئة أن يتم تسليم الشاهد للجيل الجديد، وجعل المسرح يتماشى مع متطلبات العصر من خلال تسويق أعمال تتماشى مع متطلبات الساحة الثقافية وتطلعات المواطنين ورهاناتهم، عبر سلوك جمعي عام يمنح صورة سليمة.
بدوره، ينتقد سكيني تقزيم مسرحيي بلاده إلى حد قيام السلطات باستقدام فرقة كراكلا اللبنانية لافتتاح احتفالية "الجزائر عاصمة الثقافة الإسلامية 2011" كما لو أنّ مبدعي البلد صاروا عاجزين عن إنتاج لوحات تعكس ماضيه العريق وحضارته الزاخرة.
ويعتبر سكيني الأمر مؤسيا لا سيما وأنّ من ينشطون في دائرة المسرح لا يمتون بأي صلة لأب الفنون، على حد قوله، ويتعاملون مع الأشياء بحسبه وفق "ذهنية الورشة" وفي ذلك انتقاص لنبل وقيم الرسالة المسرحية، كما يستهجن العضو الناشط في هيئة النقاد الدوليين، الإمعان في اختيار نصوص لم يتم إحالتها على لجنة القراءة، بينها أحد عشر نصا جرىى ترشيحها لتظاهرة الثقافة الإسلامية الآنفة الذكر.
وفيما يُنتظر أن تحمل الأيام القادمة جديدا يصفه ثوّار المسرح بـ"الواعد"، يرفض هؤلاء أن تتوقف ثورتهم عند حدود الركح فحسب، إذ يخططون لتعميمها واكتساح باقي رواقات الثقافة لاعتبارهم جميع مسؤولي الأخيرة "أوجه متعددة لعملة واحدة"، بهذا الصدد، يطالبون بتنحية وجوه شاخت في قمة هرم المشهد الثقافي المحلي ويخصون بالذكر "الأخضر بن تركي" مدير ديوان الثقافة والإعلام المملوك للحكومة، الذي لا يزال في منصبه للعقد الثاني على التوالي.
وإذا كانت الدعوات المرفوعة من أجل التغيير السياسي لم يكن لها كبير رجع صدى إلى غاية الآن في الجزائر، فإنّ مبادرة ثوّار المسرح تُحظى على ما يبدو بتجاوب لافت من نخب الخشبة وتمهّد لمزيد من الامتداد لتشمل قطاع الثقافة الموسوم بـ"المريض"، رغم إنفاق المليارات من أجل إنعاشه، وتنظيم الجزائر لأربع فعاليات كبرى خلال الثماني سنوات المنقضية، آخرها ستكون سنة الثقافة الإسلامية المرتقب افتتاحها بعد شهر ونصف من الآن.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف