قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
صلاح عباس: في معرضها الأخير، أثارت الفنانة القطرية سعاد السالم، أسئلة الفن المتماسة مع الاتجاهات الحداثية، مركزة الانتباه على أهمية المضامين المتفاعلة مع الحياة، فالفنانة انتقت موضوع " يا ورد مين يشتريك " في إشارة منها إلى الألوان وتحولاتها، وتداخلها ألحميمي مع الذات الآدمي، ذلك أن لذائد الرؤية للورد، تفضي حتما إلى القدرة الربانية على الخلق، وعلى الرغم من تباين الورد في أشكالها، وتراكيبها، وعناصرها الأساسية، إلا أن الإنسان ومنذ عهوده المبكرة ألف الورد وتغنى به، لأنه مقرون بعطور عبقة وخصائص فريدة.
إن لحظات التأمل المكرسة للورد، تفضي إلى الشعور بالإنسانية، المسالمة، وتذكر بمهابة الخالق سبحانه وتعالى، ولذا فهي صيغة لتقريب الفهم ودعوة للانتباه لجمال الورد. فالموضوع المقترح، ينفتح على عالم واسع، يقبل الاحتمال والتأويل على أنحاء شتى، وبالحقيقة إن هذا الضرب من العمل، لانقول عنه "غير مسبوق" إذ أن تاريخ الفن العام، حافل بأسماء الكثير من الفنانين البارزين في هذا المجال، لا سيما لدى الفنانون الآسيويون، ممن اعتنقوا الديانة البوذية والزرادشتية، بيد أن سعاد السالم، حين لجأت إلى موضوع الأزاهير في ألوانها الزاهية،وأشكالها المتناسقة، لا تبتغي ترديد تجارب الآخرين عن طريق اقتفاء أثرهم، بل إنها ابتكرت ذاتها على وفق ملكاتها التفكرية والإبداعية، واستطاعت صوغ مفاهيمها الجديدة للفن، مادة خام، وشكلا مبتكرا، ولغة تعبير صادقة.
إن سعاد السالم، فنانة مع سبق الإصرار، وقد استطاعت أن تحقق حضورها المنظور ضمن الاتجاهات الجديدة في الفن التشكيلي القطري، وتحفر اسمها بعمق في ذاكرة الثقافة العربية، ولذا، فإنها وليدة الموهبة، فسياقات العمل على الرسم اليومي، أكسبتها مهارات أدائية رفيعة المستوى، ومهدت لها رؤية ما لا يرى، فكيف يكون ذلك؟
لقد عملت الفنانة على المزاوجة بين الاتجاهين، التعبيري والتجريدي، فالتعبيري يكمن في إيضاح الحركة الانفعالية للخطوط والتفاصيل، والمهم في الأمر، الإبقاء على عناصر الفن والاسترشاد بالأسس السليمة في الفنون التصميمية، بحيث تأخذ اللوحة استقراها كشكل معبر، وألوان موضوعة بعناية وتركيز. لعل اهتمام الفنانة بالألوان الأكريليك، أو مجموعة الألوان التي تتحلل بالمذيب المائي، قد أضفى طابعاً حسياً آخراً، ذلك أن الألوان تعطي دفقاً روحياً، وتحسس بالأبعاد الزمانية، من خلال الرطوبة التي لا تجف، فالفنانة سعاد السالم ترطب قماشة اللوحة بالمزيد من الماء، ثم تضع الألوان عليها، فتكتسب اللوحة حركة الألوان السائحة المتسربلة بين أجزاء السطح ولكن المهم جدا، السيطرة على هذه التقنية والتحكم بها بشكل كامل، مما تضفي شعورا ً بحيوية اللوحة وديناميكيتها. كما أن الفنانة عرفت الأسرار التقنية في مادة الأكريليك، بدلالة اشتغالها على السطح بشكل متقن، وعرفت كيف توظف الألوان الغطائية الكثيفة مع الألوان الشفافة، بحيث تقدم الإيحاء على المهارات التقنية وتعلن عن مستوى أدائي متقدم.
إن ثمة توافقاً وانسجاماً بين التوصلات التقنية وبين المنحى الرؤي والفلسفي الذي تشتغل عليه الفنانة سعاد السالم، بحيث خلقت جواً من الوحدة الموضوعية يجمع عناصر العمل الفني وفق قواعد ال
ضبط، فالمواد الخام تتواشج مع المنعطفات الفكرية والحسية التي تلوذ إليها وموضوع الورد، يجيء كإضافة موضوعية تغنى قيم الإنشاءات التصويرية فتؤلف نصوصا بصرية منفتحة على العالم وتقبل الإحتمال والتأويل فالنص البصري لا يمثل وسيلة ايضاح تتحدد مقروئيته وفق النموذج والشرح المرفق بل إنه حيز واسع يسمح لتمرير مختلف الخواطر والتصورات ولذا سيكون موضوع الورد من المواضيع الفاعلة لأنه مفتاح
لغز للغة جميلة تؤنسن الألوان والخطوط وموحياتهما كل ذلك من أجل التنبيه إلى القيم الإنسانية النبيلة ومفاهيم الخير والحق وصولا إلى الغايات الجمالية المهذبة التي تعنى بالأفكار الجمالية والروحانية ويتشيد عليها موقف جريء إزاء التحولات الجديدة في العالم، وبخلق وحدة الانسجام الموضوعية أو الكليةحيث استطاعت الفنانة سعاد السالم، النطق بكلمتها وعباراتها الرائعة التي تتغنى بالسلام.
كاتب المقال رئيس تحرير مجلة "تشكيل" (بغداد)، ومجلة "قطر آرت" (الدوحة)؟