محمد سامي.. ريشةٌ للصعود

أعشقُ كلَّ دخانٍ متصاعد.. لأنّه الوحيدُ الذي يتحدّى جاذبية الأرض.. تلك التي تقيّدنا بإنسانيةٍ تتكاثرُ عقماً وتتناسلُ عجزاً عن الصعود، فندفنُ رمادنا تحتَ التراب، أو نذروهُ على وجهِ الماءِ ونتركهُ يضيعُ في دوائرِ الحياةِ المرتجفة..
كلَّ صباحٍ أضعُ فنجانَ قهوتي، وأشعلُ سيجارةً ؛لأضعها فقط أمامَ شريكتها في الاحتراق,وأحلّقُ مع المنظر.. ويا لجمالِ ذياك الهُبابِ المتصاعدِ نحوَ الأعلى، نحوَ ما نشتهي ولا نستطيع.. يا لجمالِ ذياكَ الحريقِ الذي يتطاولُ بينَ خلجاتِ السماء، يخترقُ دفاعاتِ نظامِ الهواء، هارباً نحو الحرية..
تحاولُ أصابعي المغتاظةُ ضعفاً، أنْ تمسكَ بطرفِ خيطٍ من الرماد، علّها ترسمُ من تشكيلاتها ما يحملُ روحها الدفينةَ نحوَ الصعود.. لكنّها تُشلّ بعجزها، لتتفوقَ كلُّ منحياتِ الرمادِ في خلقِ إبداعٍ يفوقُ الآخر، في تجلياتٍ سماوية، تتجانسُ كالسحرِ مع مختلفِ ألوانِ النهار.. بنورِ الصّبح ونوّاره، وبتوهجِ الظهرِ وناره، تذوبُ مع خمرةِ الشفقِ وسحره، لترقصَ بهدوءِ كحلِ الليلِ وتبوحَ بأسراره..
لقد كانَ هذا يغريني في حلمِ يقظةٍ صباحيٍّ، إلى أنْ ألقتني الصدفةُ أمامَ لوحاتِ الحلمِ المتجسدِ بلونٍ لا ينطفئُ عندما تبردُ قهوتي أوينام رمادي.. لوحاتٌ حقيقيةٌ تجلتْ فيها كلُّ تلكَ الروعةِ والدهشة، بأصابعِ محترفٍ استطاعَ أنْ يصيدَ هبابَ الروحِ العصيّةِ ويروّضها.. دون دخان.. فقط بريشةٍ منحتْها له ربّاتُ الفن، فأعجزَ باستخدامها، وجمعَ صهيلَ الحريةِ التي ننشدها من السماءِ البعيدةِ، مع غوصِ أجسادنا في عمقِ الحياة، وتحليقِ نفوسنا بينَ هذا وذاك,محترفٌ في خطِّ تشكيله، فريدٌ ببصمتهِ التي ستخلدُ إبداعه.
محمد سامي..
من اليوم سأتوقفُ إذنْ عن إشعالِ الحرائق في بيتي، وأنحني لإلهِ فنٍ استطاعَ ترجمةَ الأطياف، وعلّقها جدارياتٍ لمعبدٍ يؤرّخُ تصاعدَ الروح، وما يتّقد فيها من جمر الحرائق.
محمد سامي.. شكراً لأناملك السحرية...