فنون المرايا واقتصاديات السوق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
نشأ الفن الشعبي الحديث (البوب ارت) في انكلترا بداية عام (1950)، ولم يتجاوز العام نهايته، حتى انتقل الاهتمام به وبشكل فائق إلى الولايات المتحدة. لم يكن الأمر خاضع للمزاج ألشعبي للحاضن الجديد لوحده، بل الأمر تعداه إلى سلوكيات السوق التجاري الأمريكي الشمالي، من إمكانيات تسويقية تتنافذ ومتطلبات الشارع المهووس بماركات سلعه. ففي الولايات المتحدة اكتسب الاعتراف به كفن مهد للمساهمة في نتاج ما بعد الحداثة، وساهم أيضا في ت
لقد تحول بوستر الفيلم السينمائي القديم (لما قبل السبعينات) إلى اثر فني وخضع للمضاربة الفنية التجارية بأسعار خيالية، حاله حال أي تحفة فنية (أصلية). ليس الأمر بطرا بل لما له من قيمة فنية تتمتع بخصوصية بصمة الفنان وجهده الفردي المتميز، هذا الإنتاج اليدوي الفريد هو ما تفتقده صناعة كل البوسترات الفيلمية الجديدة بتقنيات أنظمتها الرقمية الجمعية (الفوتوشوب، أودوبي شوب، الكرافيك) التي تظهرها شاشة الكومبيوتر، والخاضعة للتغيير المستمر وحسب طلب الذائقة الاجتماعية العابرة للقارات وباختلافات انفتاحها أو محظوراتها الثقافية و الاثنية. لكن، وبكل ما خضع له البوستر من اختلافات في أزمنته التواصلية من الأثرية الثقافية الى الاجتماعية العامة الملامح. فان العديد من المفاصل التنفيذية الفنية (الارت) وكوسائط أو وسائل أشارية، هي الأخرى جرى إزاحتها إلى خدمة المجال الاقتصادي، باستحداث البوستر الفني المختلط الوسائل (الفوتو والرسم والتصميم والنص الشعري أو الفنتازي وما يلحق ذلك من تغريب فني)، ومثلما الإجراءات المفاهيمية للفيلم الدعائي التلفزيوني المعاصر ومدى تداخلها والفكرة المفاهيمية الفنية. لقد تخلخلت المناطق التعبيرية الفنية التقليدية السابقة لتنبثق من فوضى هذا التخلخل ابتكارات الوسائل الدعائية التجارية المعاصرة وبالتزامن مع مبتكرات معاصرتنا الفنية وانزياحاتها التعبيرية الشاملة. وتداخلت مصادر رعاية الفنون ومصالح مموليها بالتوافق وتبادل المصالح المشتركة، المعنوية منها والمادية.
فعاليات واليات اشتغال ما اصطلح عليه بـ (الاقتصاد الجديد) ليس مقتصر أمرها على التداولات الاقتصادية المحصورة بالمداولات النقدية و البضائعية الصناعية التقليدية، بل تعدتها لمصادر احتكارية جديدة عبر خطوط ما اصطلح عليه بـ (مجتمع الترفيه ألمعلوماتي) الذي أدمجت ضمنه العديد من الأشكال الثقافية والفنية وتم تسويقها عبر الخطوط الاتصالاتية الفائقة الجديدة. مجتمع الترفيه ألمعلوماتي الجديد، المجتمع الاستهلاكي الذي يستقبل كل ما تطرحه الخطوط الإنتاجية الكبرى للكارتلات الاحتكارية العالمية، بعد إجراء فلترته من خلال خطين
ما أطلقت عليه (فنون مرايا) هي فنون الترانزيت، فالصورة عابرة لكل القارات ومخترقة كل الثقافات المحلية لحد تصديع الكثير من ملامح العديد منها لصالح هذه الثقافة الصورية العولمية، وخاصة تلك الثقافات التي تتعرض لهشاشة حافاتها، مثل ثقافات الشرق الأوسط والعديد من مجتمعات الدول الأسيوية واللاتينية، بل وحتى مجتمعات الدول الأوربية الأحدث تطورا والتي في طريقها لتطوير أنظمتها وإمكانياتها الاقتصادية. ما ينتجه الخط الاقتصادي الأول (الكارتل الاحتكاري) بما يمتلكه من تمويل ضخم ومن إمكانيات تنفيذية وتسويقية تنافسية، ليس بمقدور الكفاءات المحلية منافسته. لقد انسحبت الأساطير الصورية التراثية والشعبية المحلية أمام زحف ألأساطير الصورية التجارية العولمية مثل (سوبرمان، بات مان، وكارتون سمبسون للكبار، الأفلام الثلاثية الأبعاد: مثل شريك او سلسلة أفلام هاري بوتر أو الدمية عروسة الأطفال بإربي... وغير ذلك الكثير) والتي يتواصل إنتاجها وتسويقها من خلال الخطوط
منظمة التجارة العالمية) وغير ذلك من الضوابط الرقابية. وعلينا أن ننتظر دوما سيلا متواصلا من الصور الفنية السوقية الجديدة.
يثير الفنان والمنظر العراقي (شاكر حسن آل سعيد (2) إشكالية في سؤاله المعرفي حول: (هل نحن تقنيون من اجل أن نظل حرفيون، آم نحن حرفيون من اجل أن نظل تقنيون). انأ أرى انه لم يعد لإشكالية هذه العلاقة الملتبسة التي شغلت بال الفنان الأوسطي، وهي لم تشكل هاجسا بالنسبة لفنان الصورة الرقمية (الميديا الإعلامية) ما دام هو يسعى لان تتجرد صوره من النزعة الفردية لصالح عميله (الكارتل الاقتصادي المسوق) وهو في إنتاجه لم يعتمد على إلهامه بكامل محركاته الذاتية والمحيطية، للميديا الإعلامية (ما دام هو احد صناعها) شروطها الخاصة التي تدمج الخيال بالواقع لصالح واقع متخيل، وبما تقترحه المعطيات الاستبيانية لمجسات الرغبة الاجتماعية. لم يكن (بتهوفن) رائدا لصيغ موسيقية جديدة فقط، بل كان من أوائل الفنانين الذين ثبتوا أجرا معلوما لمنتجه الفني. علما بأنه منذ عصر النهضة تأسست النقابات الفنية الحرفية. التكنولوجيا العلمية المعاصرة بانظمنها الرقمية وفرت مجالا واسعا لاستقطاب المهارات الفنية بإغراءات أجورها العالية، وتم التبادل ما بين الخبرة الشخصية الثقافية والواسطة التقنية الرقمية لصالح المنتج الاقتصادي، مع عدم إغفال سعر المكافأة.
(فنون المرايا) الرقمية، أسست لذائقة عولمية جديدة باستنساخها الفائق لأعمال الصور لطليعة الفنانين الحداثيين والمعاصرين، وساهمت في اقتصاديات السوق مرادفة وداعمة للسوق التجارية التقليدية. وتوزعت بعض الإرباح مابين مثلث الفنان والمنتج المعملي والمسوق الإعلامي. لكن تبقى الشركة المنتجة هي المستفيدة اقتصاديا أكثر من صافي الإرباح. لقد تعددت خطوط الإنتاج الفني ما بين النسخة الأصلية والإنتاج أو الاستنساخ الجماعي (تعدد النسخ) وحافظ كل منهما عل حيز من تقاليد أو مجالات سوقية خاصة، بالرغم من استمرار التلاعب بحدودهما. إذ لا ننسى قوة تدخلات سوق المضاربات أو المزايدات الفنية واقتصادياتها المزدوجة التي تأسست
العمل الفني العولمي كالماركة التجارية استثمارا. هذا ما أكدته حقوق الملكية في مجال التصرف به في استثمارات السوق. وهذا ما يسعى إلى تحقيقه المستثمرون الصغار و مثلما الكبار وبما يجعل الأرباح تتراكم لسنوات الاستثمار العديدة، وبنفس البضاعة إذا ما أجريت عليها بعض التعديلات التي تتطلبها متغيرات الذائقة السوقية.
للشاعر الهولندي (لوسبرت (3) قول مأثور (كل الأشياء القيمة.. لا تجد من يحميها).
التجارة اقتصاد ربح، اقتصادنا العولمي الجديد تتساوى في مداخليه القيم المعنوية ونقيضها، وتمحى حدودهما الفاصلة. مثلما هو الاقتصاد الإمبريالي الربحي. وعالمنا الحالي يزخر بالأعداد الهائلة من الفنانين. لكن من هو سعيد الحظ الذي تلتقطه الماكنة التسويقية. بالتأكيد هم القلة النادرة. ما عدى عمال الثقافة من هؤلاء الفنانين، والذين هم الأكثر حظا لارتباطهم المباشر باليات السوق وتدوير عجلته. الندرة من الفنانين، وليس الفنانين التقنيين، هي الأخرى لا تعني الأفضل على الإطلاق. فتبادل المصالح والياته العلنية والخفية، ومناورة عقوله الاقتصادية المحركة والفارضة للذائقة، هي التي تقرر من هو السعيد الحظ بشهرته المصنعة عبر وسائلها الإعلامية ومزايداتها أو مضاربات إداري صالاتها وفعالياتها المقاسة على مقاسهم، ومموليها.
نوهت عن تصدع الحافات الثقافية المحلية أمام زخم الكم ألبضائعي الفني (بمستوياته المتعددة والمتفاوتة، ومنها التسويقية التجارية) العولمي. الصوري والصوتي العابر للقارات والمحمي بقوانين السوق الحرة. والمروج لثقافة السوق التعويمية المسطحة والأحادية المصادر. والتي لا تستطيع هذه الدول مجابهة زخمها الذي يخترق ويفكك الكثير من ملامح ثقافاتها المحلية ويعطل مفاعيلها الارثية المجتمعية. لكن بالإمكان مواجهة ذلك عبر خطوط إجرائية مقابلة ومعارضة، بواسطة تشكيل اتحادات محلية من الممكن أن تتوسع دائرتها لتشمل الاتحادات المشابهة المجاورة، ولتشكل تكتلا مجابها. من الممكن تفعيله أكثر بالتعاون مع شبكات (اليونسكو) للحماية الثقافية مثل (الشبكة العالمية للحماية الثقافية (4)، و (التحالف من اجل التنوع الثقافي (5). وإذا ما فهمنا لعبة المصالح الاقتصادية الكبرى، وطرق وسائل اندساسها الإعلامية التي استغلت الفنون مصادر كسب مواز لبضائعها الاقتصادية الأخرى. فعلينا الانتباه إلى أن لا نتحول إلى صواميل في تروس ماكينتها. وذلك من خلال خلق وسائلنا الاعتراضية الأقرب إلى جوهر إنسانيتنا، لا الى قشرتها الزائفة، والتي زيفت أكثر بتقنين الخيال مجالا لأحلام لا تحقق شيئا إلا لحسابات صانعيها البنكية. ولنخترق المرايا، لا أن نبقيها فرجة لخيبة أحلامنا، وحيادية ذواتنا وشبحيتها. ولنبحث عن صورنا حتى في فنتازياتنا الخاصة، وليست الشبحية الربحية العمومية.
1 ـ الاقتصاد التداولي البنكي والعقاري، بربحه السريع، وعدم ضمان نتائجه اللاحقة..
2- (Lucebert)
3 ـ من نص لآخر حوار للفنان مع الفنان والناقد عادل كامل. جريدة الزمان في 2004ـ03ـ03
4- Global Network for protection of cultural. 5- Coalition for Cultural Diversity.
التعليقات
المزاد ومن معه
برودن -موضوع جميل واتمنى ان نقرأ مثله عما تحققه لواحات لكبار الفانيين من ارباح خياليه يدفع فيها المشاهد جزء من تسعيرة الدخول، من اجل مشاهدتها !!!