ثقافات

في اليابان لا ينبس العشاق بكلمة أحبك!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

"يغسل اليابانيون حتى السماء!" (هنري ميشو)

عبد الله كرمون من باريس: أفلح من وضع هذا العنوان فلاَحا. لأنه سيجذب المغفلين والعاقلين على حد سواء. وذلك بسبب اللغز الذي تضمنه، في إيماءة ناقصة ومثيرة للفضول. إذ سينساق القارئ إليه انسياقا، وكل مُراده هو أن يعرف أكثر، لماذا لا يقول المحبان، في اليابان، لبعضهما البعض: أحبك. فهل يعود ذلك إلى أن "أقصى الغايات في اليابان ليست تعهد المظاهر، ولكنها الاعتناء بما لا يبدو للعيان"؟
"لا يقول العاشقان، في اليابان، لبعضهما "أحبك"، لكنهما يقولان "إن ثمة حبا"، مثلما قد نقول يسقط الثلج، أو انبلج الصبح. ولا يقولون "إنك تنقصني"، وإنما، "ثمة حزن بدون حضورك"".
هذا هو كل ما هُيّج به القارئ بخصوص الكتاب الصادر مؤخرا عند دار أرليا الباريسية، موقعا باسم إلينا جونفيه، فبقدر ما أثار، من أثار منا عنوانه، بما تملكه كلمة حب من شحنات، فقد أفضى بنا إلى عوالم أخرى قد لا تكون لأغلبها علاقة مباشرة بالحب. لأن منتهى ما وَصف به العشاق اليابانيين محصور في ما سبق، وفي ما يلي:
"العشاق اليابانيون لا يتجاذبون أطراف الحديث في مقهى "دوتور"، لا يمسكون يد بعضهم البعض، إنهم يحدقون في الشاي بالحليب قدامهم. ينقرون معا، ولساعات، كعك "مونبلون"، دون أن ينبسوا ببنت شفة، وقد يخطر لنا أنهم ضجرون، وقد لا يكون الأمر كذلك. يتثاءب أحدهما أحيانا، فيبتسم الآخر، تأثرا، مميلا رأسه على الجانب. ثم يغادرون بحبهم الذي بلا كلمات، مثل لحن لمندلزون على البيانو وحده."
يبدو واضحا الآن أن همّ الكِتاب هو تبيان الفروق الكامنة في طرق العيش في اليابان وفي بلاد أخرى، مثل أوربا. إذا ما أضفنا، كل ما ذكرته إلِينَا _(نحتفظ على الاسم المثبت على الغلاف وإن كان الكتاب، على الأرجح من تأليف ثلاث نساء فرنسيات)_ حول الحب وشؤونه، إذ لا يتعانق العشاق اليابانيون في الشارع أو في المترو، كما في باريس، ولا نرى صور العراء في التلفاز، لكن في الوقت نفسه، يقرأ المسافرون في القطار مجلات إيروسية بلا أدنى حرج.
"يبدو اليابانيون الذين يقرؤون في المترو وكأنهم يفكون طلاسم كتاب واحد مجهول المؤلف وبلا عنوان".
دبرت إلِينا حيلة ماكرة، أسست بها لمشروعية كتابها، مانحة له قيمة إضافية، تكمن في اعتبارها العمل استمرارية لكتاب قديم نشره يسوعي برتغالي في القرن السادس عشر، وبالضبط في 1585. يدعى الرجل لويس فرواس، وقد عنون كتابه ب "الأوربيون واليابانيون: مبحث في تضاد واختلاف العادات".
كتب هذا المتدين الورع ما يلي: "تبدأ كتبهم من حيث تنتهي آخر صفحات كتبنا"، وهمّت إلِينا بهذا كي تكتب: "تبدأ هذه الصفحات من حيث تنتهي آخر صفحات كتاب اليسوعي فرواس".
لم توضح إلِينا، بعد ذلك، في أي مكان من الكتاب الفروق القائمة بين كتاب اليسوعي وكتابها، كما لم تأت على الدواعي التي دفعت بكليهما إلى الحديث عن اختلاف ما بين حضارتين. وإن صرحت بأنها ليست سوى بصدد إتمام مشروع قد صِيغ قديما، فإنها لم تعلق على نوايا اليسوعي البرتغالي، إلا أن اختلافهما ليس شديدا، إذا ما غضضنا الطرف عن انقطاع الزمن التاريخي والسياق الحضاري بهما.
لم يكن هدف اليسوعي هو السياحة الترفيهية، ولم تصدر أقواله، في العمق، عن فضلة تنذر، بينما نجد هذا الفضول المعرفي الممزوج بالحيرة والملْحة في كتاب إلِينا.
يشبه الكتاب في شموليته مدحا خاصا لليابانيين، لاسيما، في إحاطته بمناقبهم الفاضلة. كما أدت صياغته على شكل قاموس هذا الرجاء الحميم في شرح الملتبس، والوقوف على المفارق غير الشائن، لكن المثير، رغم ذلك، لبعض اندهاش.
"إن منظر الأرز المزروع والذي تغمره أنوار الشمس، على جنب طريق عامة، هو أجمل شيء على وجه البسيطة!"
بهذا الشكل نصادف ألف قطعة حية للوجه الياباني المشرق. حتى البعوض في اليابان مختلف: "البعوض في اليابان أسود اللون، غير أنه مبقع بنقط بيضاء (...) إلا أن هذه الحشرة تؤدي نفس الفعلة كغيرها من بعوض العالم".
تخفق أفئدتنا، على طول قراءتنا للكتاب، على وقع فلسفة الخفة والمرح معا. اليابانيون لا يغضبون سريعا، بل يكتمون كثيرا حنقهم وينصرفون، إنهم يغتسلون في كل مساء، ليس فقط لإزالة الخبث، ولكن لأن الغسل متعة في ذاته، له مثل الشاي عندهم، طقوسه، أمكنته وأدواته الرفيعة.
"حسب صديقات جد مطلعات، فإن الرجل الياباني يهَمْهِم، عندما يكون على شفا الانتشاء الجنسي، بما يلي: "إيكي_إيكي!" (ما يعني تقريبا: سأقذف)".
إضافة، على كل حال، إلى ما في الكتاب من همسات رائعة، فإنه يقدم لنا عددا هائلا من المعلومات حول شعب اليابان وتقاليده، وعاداته اليومية: النساء لا يضعن مثلا محافظهن، ولا حقائبهن على الأرض أبدا، بل يعمدن إلى وضعها "على كرسي شاغر قدامهن، أو جنبهن أو على ركبهن مثل هر".
لليابانيين إذن طرقهم في الحياة وفي الموت. وضع صدف القمصان يمينا أو شمالا، والأمر يتعلق عندهم بحالي الحياة والموت، كي توضع يمنة أو يسرة، كما أن طرق العد عندهم مختلفة تماما. لكن، "كيف تعدون الكوابيس؟ الليالي الدامسة؟ الأسماك المديدة في صحونكم؟"
في الأخير، إليكم ما ينقص اليابان، بينما توفره باريس، بكرمٍ، لأهلها:
"في باريس، لا يمكننا أن نعبر السين بوسيلة أخرى إلا بالمرور فوق جسر. في كيوتو هناك ممرات صخرية تمكن من عبور نهر كاموغاوا، فهو نهر غير عميق: من الصعب الانتحار فيه غرقا، ذلك أسهل في باريس، بأن نقفز من فوق جسر مثلا"!
kermounfr@yahoo.fr


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف