ثقافات

" ضمير المخاطب المفرد": الفلسطيني بين الهوية الأصلية والهوية المكتسبة!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

صلاح سليمان من ميونيخ: رواية "ضمير المخاطب المفرد " هي رواية للكاتب الفلسطيني سيد قشوع الذي يعيش ويعمل في القدس الغربية، ويحمل جواز سفر اسرائيلي بالنظر الي انتمائه الي الشطر الغربي من القدس، ظهرت ترجمة روايته الجديدة الي اللغة الألمانية علي يد المترجمة "مريام بريزلر" من برلين، وسط اهتمام في المحافل الثقافية الألمانية بكتابات سيد قشوع .
تبدو من قراءة الرواية في صفحاتها الولي أن لها خصوصية مميزة فالكاتب هو فلسطيني ويعيش في إسرائيل ويكتب باللغة العبرية والرواية مترجمة الي لغة أخري وهي الألمانية، وهي مراحل تجعل القارئ الألماني للرواية يقف أمام نقل افكار عدة تضفي علي روح الرواية شيئاً من الخصوصية التي تتشابك مع غموض اسم الرواية نفسه مما يجعلها مثيرة قبل البدء في قراءتها .
الرواية هي تجسيد للحالة الفلسطينية التي تعيش تحت السيطرة اليهودية في ذات الوقت الذي يمنح فيه الفلسطيني جنسية الدولة المحتلة ـ وهذا هو بالضبط ما حاول ان يعبر عنه سيد قشوع في النزاع بين الهويتين والأرجحة بين القوميتين، فهو يطرح في الرواية التساؤل عن كيفية ان يكون هناك انسان بلا جذور؟ وهل يعقل ان تنمو الأشجاربلا جذور، او ان يكون هناك اطفال بلا اباء او أمم بلا تاريخ؟

ان قراءة الرواية تعطي علي الفور اجابة للعنوان الغامض، فبطل الرواية في قسمها الأول هو محامي يتحدث عنه المؤلف بلقبه المهني دون تسميته او تعريفه، هذا المحامي الذي اتي من قرية عربية وهو طالب ليستكمل دراسته الجامعية ومن ثم يودع حياة القرية وثقافة الإنطواء ليستقبل حياة المدينة وعصرية الحياة يري التفرقة الكبيرة بين اليهود والعرب والإضهاد والتمييز الذي يتعرض له الفليسطنيون تحت السيطرة الإسرائيلية، عندئذ يحاول المؤلف في شخص المحامي ان يتطرق الي نوعاً من الإحتيال علي الواقع فالمحامي الذي كثيرا ما وقف علي نقاط التفتيش وتم التعامل معه بشكل من الصلف والغرور يقرر ان يتخلي عن واقعه ويحاكي حياة اليهود في المعيشة في المدينة الكبيرة، فها هو يشتري سيارة كبيرة ويدعو الأصدقاء اليهود الي حفلات السمر ويتناول مع الأصدقاء الأطعمة مرتفعة الأثمان ويلبس أغلي الملابس وأكثرها شياكة وأناقة، لقد اصبح يعيش في فيلم كاذب منذ محاولته تقليد اليهود في المدينة، لكن ما أراحه بعد تلك المظهرية انه تيقن انها تلعب دوراً فعالاً فلم يعد يتعرض الي التفتيش والتدقيق في الهوية عند نقاط التفتيش انه يعرف انه كلما تميزت علي الجنود الواقفين ولو حتي بالملابس فإن من شان ذلك أن يحميك من التفتيش. واصبح بعد ذلك متاكداً من ان المظهر والوجاهة قد تريحه من شكوك اليهود .

في القسم الثاني من الرواية تبدو شخصية امير الشاب العربي في الجامعة اليهودية شخصية محيرة فهو يحمل جواز سفر يهودي وهو يختلف عن المحامي في ان المؤلف هنا عرّفه، فبعد ان حصل امير علي البكالوريوس اصبح يشكل له المستقبل تحدي في الحصول علي وظيفة في ظل واقع التمييز الذي يعيشه الفليسطنيون في اسرائيل . تبدو المقاربة بين اسم أمير والمؤلف واضحة فأمير هو تجسيد لصورة المؤلف في حد ذاته، لذلك فهو يسرد بواقعية شديدة الكثير من مشاهد الحياة المقدسية وحياة العمل والبحث عن فرص العمل،لكنه ربما كان مغالياً في انتقاد السكان العرب في اسرائيل لكنه يري في نفس الوقت أن اليهود ينتقدون انفسهم ولا يري داعي للحساسية المفرطة من انتقاد واقع يعرفه الجميع وليس خافيا علي احد .
يعود امير الي محاولة البحث عن ذاته في الواقع الإسرائيلي غير انه لم يعثر علي وظيفة ترضي طموحه فبدأ في وظيفة بسيطة في غسل ملابس المرضي وكان احدهم الشاب اليهودي جونثان الذي يعاني من غيبوبة و الذي يبلغ من العمر نفس عمر امير 28 عاماً، ولم يمضي وقتاً طويلاً مات جونثان واصبحت هي النقطة الفارقة في حياة امير الذي راح يساير حياة جونثان وراح يقرأ كتبه ويستمع الي شرائط الموسيقي بل وسكن في بيته بعد موته ومن بعد غير اسمه الي اسم جونثان وراح يعيش الحياة يشرب ويرقص ويسهر،كل هذا من اجل الهروب من حياة الإضطهاد والتقرب الي اليهود غير ان المؤلف اراد ان يعطي درسا في ان ينقل واقع الازدواج او الشعور بالإزدواجية في ان تصبح في وطنك بجنسيتين وهويتين .الا ان الهوية الأصلية تتغلب علي كل الزيف وتبقي مهما حاول الإنسان في تجنبها هي الأصل الثابت.
يعرف سيد قشوع في الأوساط الأدبية بانه مؤلف وصحفي عربي فلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية، ولد في عام 1975 وترعرع في قرية الطيرة العربية في إسرائيل. إلى جانب كتاباته الصحفية في جريدة هآرتس الإسرائيلية، نشر سيد قشوع في السنوات الأخيرة ثلاث روايات كتبها باللغة العبرية، يتناول فيها حياة ومشاكل السكان العرب في إسرائيل والصراعات الداخلية والخارجية بين القوميات والعقليات وطرق المعيشة المختلفة في المجتمع الإسرائيلي.وقد حظيت روايات قشوع باهتمام محلي ودولي واسعين وترجمت إلى عدة لغات أوروبية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف