مسرحيتان للكشف عن شخصية ابسن المنشطرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
المخرج جوناثان كينت والمؤلف هنريك ابسن
إعداد عبدالاله مجيد: يبدو هنريك ابسن كاتبا مسرحيا ينقسم الى نصفين، بحياة فنية تتوزع على فترتين متميزتين. ففي البدء طل الكاتب الفولكلوري الملحمي كامنا وراء شخصية بير غينت ثم جاء لاحقا الأخلاقي الزاهد الذي قدم اعمالا درامية مثل أشباح والبطة البرية وعدو الشعب هاتكا فيها أستار النفاق البورجوازي. وتتبدى النقائض جلية بحدودها الفاصلة بين الطبيعة في مواجهة النزعة الطبيعية والغابات والجبال في مواجهة صالونات بورجوازية مظلمة، وسكان الكهوف في مواجهة موظفي المدينة.
ويتحول ابسن من النصف الأول الى الثاني تحولا كاملا يصعب تصديقه من دون المرور بمرحلة وسطية بينهما. وإذا وجدت مرحلة انتقالية كهذه فهي ضبابية، مبهمة على نحو لافت. ويذهب الناقد المسرحي الفريد هكلنغ الى ان جسر العبور الواصل بين المرحلتين يتمثل بعملين يكشفان عن جانب ليس معروفا في ابسن هما مسرحية عصبة الشباب التي كتبها في عام 1869 والملحمة الدينية الامبراطور والجليلي التي كتبها في عام 1873. وفيهما يصور ابسن صراعه من أجل ان يحقق طموحه بأن يصبح كاتبا مسرحيا.
ظل ابسن حتى آخر يوم من حياته يصر على ان الامبراطور والجليلي أهم أعماله المسرحية. وهو رأي يقول هكلنغ ان لا أحد عمليا يتفق مع ابسن عليه سوى ابسن نفسه مشيرا الى ممانعة الجمهور إزاء هذا النص الايديولوجي ذي الفصول العشرة عن افعال الارتداد في الحقبة المبكرة من الديانة المسيحية. وعلى النقيض من الامبراطور والجليلي فان عصبة الشباب التي سبقتها مباشرة كانت أكثر مسرحيات ابسن التي أُعيد انتاجها وعرضها في زمن حياته.
ورغم الاختلاف الجذري في المعالجة التي تعتمدها كل من المسرحيتين فانهما تلتقيان في الكثير مما هو مشترك بينهما. فالامبراطور والجليلي تصور دراميا المحاولات العبثية التي بذلها جوليان المرتد، آخر الاباطرة الوثنيين الرومان، لمقاومة صعود المسيحية واعادة الامبراطورية الى جذورها الوثنية حيث يتوقع ابسن نوعا من المصالحة بين المسيحية والوثنية. وتصور عصبة الشباب سياسيا ليبراليا اسمه ستنسغارد يتضح انه لا يميز بين عهوده الزوجية ووعوده الانتخابية. لكن الامبراطور والسياسي مثاليان يؤمنان بامكانية تحدي المواضعات الاجتماعية القديمة، جوليان ببناء "مملكة ثالثة" شريرة وستنسغارد بعصبته السديمية.
ويُعزا غياب غياب الامبراطور والجليلي عن خشبة المسرح الى طول فترة عرضها التي تمتد تسع ساعات بمشاركة أكثر من 50 ممثلا. ويُفسر تراجع عصبة الشباب امام اعمال ابسن الأخرى الى ما فيها من عناصر كوميديا رومانسية لا تنسجم مع اهتمامات ابسن الأخلاقية الأعمق.
سيُقدم العملان لأول مرة على مسارح بريطانيا في الموسم الحالي. وسيكون انتاج الامبراطور والجليلي من اخراج جونثان كينت بعد تنقيح العمل في نص اعده بن باور ليقتصر على أمسية مسرحية واحدة بلا خطابات ايديولوجية كما في الأصل. ويقول صاحب النص المختصر ان الامبراطور والجليلي مسرحية افكار ضخمة على نطاق فاوستي. ولكن المسرحية تعتبر مفتاحا لفهم تفكير ابسن، وبامكان المشاهد ان يرى الشرر يتطاير حين يصوغ ابسن افكاره عن متعة الحياة وتحريمات المجتمع التي تشيع البلادة.
وتبدو عصبة الشباب من ناحيتها اهجوة انعزالية عن انتخابات نافلة حتى رموزها يعترفون بأنهم يجدون صعوبة في أخذها بجدية. ولكن غياب الاتجاه في المجتمع يؤدي الى شبكة متهاوية من التحالفات التي يعتمد فوزها على انتهازي كاريزمي شاب تتغلب مطامحه الذاتية على مبادئه السياسية.
ويقول المخرج جايلز كروفت ان من السهل ان ينسى المرء ان ابسن يمكن ان يكون مضحكا الى حد لا يُصدق احيانا. واضاف ان الانتخابات البريطانية السابقة أملت عرض المسرحية لأول مرة في بريطانيا لأنها تبدو وكأنها كُتبت لهذا العصر.
ويشير كروفت لإيصال ما يعينه الى ان احد منافسي البطل في عصبة الشباب يقول ان لدى السياسي الشاب ستنسغارد صفة لن يتردد سياسي في التضحية بالغالي والنفيس من أجل امتلاكها وهي قدرته على سحر الجمهور وما يزيده قدرةً انه ليس مثقلا بمبادئ أو مسؤوليات اجتماعية.
تُعرض عصبة الشباب على مسرح نوتنغهام بلايهاوس ابتداء من 13 ايار ـ مايو ومسرحية الامبراطور والجليلي على المسرح الوطني في لندن ابتداء من 9 حزيران ـ يونيو.