"الغاوون" وما أدراك ما "الغاوون"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أتذكر مرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، عندما كان جمهور المثقفين والمبدعين العرب، يلاحقون آنذاك المجلات الثقافية والأدبية المشهورة، وكنّا نتصل ببعض
استقراء ميداني
أتذكر دراسة ميدانية قمت بها عام 1989 في دمشق، من خلال زيارة عشوائية لعشر مكتبات بيع كتب ومطبوعات، مستعرضا رفوف المكتبات لأجد عشرات الكتب الأدبية والثقافية والإبداعية من منشورات ما قبل عام 1960 ما زالت معروضة للبيع. أي أنّ الألفي نسخة من هذه الكتب لم تنفذ خلال قرابة ثلاين عاما. ويمكن سؤال غالبية الكتاب والمثقفين اليوم، كم واحد منهم توافق دور النشر العربية على طبع كتبه بدون أن يدفع لدار النشر، في حين أنه في الدول الأوربية والأمريكية تدفع دور النشر للمؤلف مكافآت خيالية بالمقاييس العربية. وإذا كنت مؤلفا لك ما يزيد عن خمسة عشر كتابا، ومئات المقالات والدراسات المنشورة في الصحف والدوريات والمواقع العربية، لن يصدّق صديقك الأوربي أو الأمريكي أنك لست ثريا، لأنه يقارنك بالكاتب الأوربي أو الأمريكي الذي له نفس العدد من الكتب والمقالات والدراسات.....وسط هذا الجو القاتم عربيا:
هل سمعتم بـ"الغاوون"؟
إنها (مجلة شعرية، تصدر مطلع كل شهر). تأسست العام 2008 ، وتصدر عن " مؤسسة الغاوون الثقافية" وهي المؤسسة الأم لمجلة "نقد". رئيسا تحريرها: زينب عساف و ماهر شرف الدين. تعرفت على المجلة منذ عامين تقريبا، لأجد فيها غواية أدبية وإبداعية تشدّك وسط القحل الثقافي الذي رصدت بعض مظاهره. لقد قرأت أخيرا بتمعن وتركيز عددها الورقي رقم (37)، الصادر في الأول من نيسان 2011 ، وأقول الورقي لأن عددها رقم (38) قد صدر ، وموجود في موقعها على الانترنت:
www.alghawoon.com
ماذا شدّني في عدد نيسان وأنصح القراء بمتابعته؟
أولا: الموقف الوطني المناصر لثورات الشعوب
لقد كان عدد الغاوون جريئا للغاية في فضحه لمواقف مخزية تمثل قمة العار، خاصة البيان الذي صدر عن اتحاد كتاب سوريا الذي ينتحل اسم (إتحاد الكتاب العرب)، وهو البيان الذي هاجم فيه موقعوه من مرتزقة النظام الأسدي ثورة الشعب السوري، مما استحق حسب (موقف الغاوون) لقب واسم (اتحاد كتاب العار العرب). وضمن نفس السياق يأتي ما كتبه الزميل الأستاذ ماهر ىشرف الدين على شكل بيان صادر منه وباسمه حول المقال الذي نشره الكاتب جان عزيز في جريدة الأخبار اللبنانية مشبها انتفاضة الشعب السوري في درعا بعملية زائدة دودية. و أنا مع الزميل ماهر شرف الدين (أتعجب من قيام جريدة الأخبار التي جنّدت نفسها منذ أشهر لمناصرة الثورات العربية في تونس ومصر والبحرين وليبيا واليمن، بمهاجمة الثورة السورية عبر تشابيه صادمة لم تخطر حتى على بال السفاح الليبي معمر القذافي). إنها إزدواجية تناقضية لا يقبلها لا العقل ولا منطق الممانعة حيث هذه الممانعة لا تأتي إلا من شعب حرّ يتمتع بالديمقراطية، بدليل أننا شاهدنا مدرعات النظام السوري في درعا وغيرها من المدن السورية، ولم نشاهدها في الجولان المحتل منذ عام 1967. وضمن نفس السياق يأتي ما كتبه الأستاذ أنس البيطار بعنوان (مرتزقة القذافي يستخفون بعقولنا). لقد أورد جردا دقيقا بأسماء كتاب عرب وليبيين كانوا من المنظّرين والمصفقين لعميد الطغاة العرب معمر القذافي طوال سنوات عديدة، وفجأة تحولوا لمنتقدين له، ورغم ذلك فهم لن يستخفوا بعقولنا، فنحن مع الشعوب
ثانيا: الدراسات النوعيّة المهمة
وأتوقف في هذا السياق عند دراسة الأستاذ عبد القادر الجنابي ("حركة أوبيريو" آخر شرارة طليعية روسية). وهي دراسة تعريفية بالحركة الأدبية الروسية التي أسسها عام 1927 الكاتب الروسي دانيل يوفاتشيف مع زملاء له من بينهم الكسندر فيدنسكي، وهي ما عرفت داخل "اتحاد الأدباء الروس" باسم (أوبيريو، أي اتحاد الفن الحقيقي). وتستعرض الدراسة جهود هذه المجموعة الإبداعية ونشاطاتها التفاعلية في داخل مؤسسات المجتمع الروسي آنذاك، مما أهّلها حسب الدراسة لأن تكون (ثرية في طموحاتها لفتح النص على آفاق بعيدة عن أوهام الواقع، المعنى القبلي. وثراؤها جدّ كبير بحيث يمكننا التصريح بأنها كانت تحمل (دون أن يعرف أعضاؤها) البذور الأولى للاتجاهات الطليعية التي سادت بعد الحرب العهالمية الثانية، كمسرح العبث، مسرح القسوة، موجة الرواية الفرنسية الجديدة والقصة القصيرة جدا...). إنها دراسة موجزة من المهم قراءتها للإطلاع على معلوماتها التي ربما يجهلها الكثيرون، وأنا كنت واحدا منهم.
ومن الدراسات المهمة في العدد دراسة الأستاذ شاكر لعيبي (ما العلّة التي تمنع أدونيس الاعتراف بدينه الشعري والمعرفيّ؟). وهي دراسة ورصد هادىء موضوعي لإشكال أدونيسي بامتياز، تحدث عنه العديد من الباحثين، ومفاده إدعاء أدونيس بالتفرد والسبق في مجالات إبداعية عديدة، بينما الرصد الدقيق لحركة الإبداع العربي تثبت بالأدلّة أنّ كل ميادين التفرد هذه التي يدّعيها، سبقه إليها آخرون، وهو قد نهل من مصادرهم رغم إنكاره لذلك، من هنا يصبح التساؤل عنوان الدراسة محقّا (ما العلّة التي تمنع أدونيس الاعتراف بدّينه الشعري والمعرفي ؟). تحتوي الدراسة العديد من الاثباتات من الضروري الإطلاع عليها للوقوف على بعض المصادر التي نهل منها أدونيس دون اعتراف منه بذلك.
لِمَ لمْ ينشر محمود درويش قصيدة "كردستنان" في دواوينه؟
هذا السؤال طرحه عدد "الغاوون" بصدد قصيدة للشاعر محمود درويش بعنوان "كردستان" نشرها عام 1972 في جريدة "التآخي" لسان حال الحزب الديمقراطي الكردستاني
معكم قلوب الناس
لو طارت قذائف في الجبال
معكم عيون الناس
فوق الشمس تمشي لا تبالي
معكم عبير الأرض
من خصر المحيط إلى الشمال
وعن العرب والعروبة يقول:
الموت للأكراد إن قالوا:
لنا حقّ التنفس في الحياة
ونقول بعد الآن: فلتحيا العروبة
مرّي إذا في أرض كردستان
مرّي يا عروبة
هذا حصاد الصيف هلا تبصرين؟
لن تبصري
إن كنت من ثقب المدافع تبصرين
يا أمّتي
باسم العروبة
يطعن التاريخ من شطآن دجلة والفرات
ومن المهم ملاحظة أنّ محمود درويش نشر هذه القصيدة عام 1972 أي وهو في بيروت بعد أن غادر القاهرة التي وصلها قادما من موسكو في أول فبراير 1971 رافضا العودة لدولة إسرائيل حيث كان يقيم منذ ولادته في فلسطين قبل احتلالها وقيام دولة إسرائيل. وكان وصوله للقاهرة قد لاقى أراءا مختلفة بين مؤيد وساكت ورافض على اعتبار أنّه مهما تعرض الفلسطيني من أذى واضطهاد على يد دولة الاحتلال فلا يجوز له أن يغادر وطنه. ومن المعروف أنّ درويش لم يقم في القاهرة فترة طويلة رغم أنّه عمل فترة في جريدة الأهرام، وتمّ تخصيص مكتب له في طابقها السادس كما روى المرحوم رجاء النقاش.
وسؤال الغاوون السابق يثار أيضا حول،
قصيدة محمود درويش "الصوت الضائع في الأصوات" عن صلاح الدين الأيوبي، التي تضمّنها ديوانه "العصافير تموت في الجليل" الصادر عام 1969 ويقول فيها:
نعرف القصّة من أولها
وصلاح الدين في سوق الشعارات،
وخالد
بيع في النادي المسائي
بخلخال إمرأة
والذي يعرف يشقى
وهناك من يؤكّد أنّ محمود درويش حذفها من إحدى طبعات هذا الديوان، بعد مشاركة في مهرجان المربد بعد طلب من وزير الثقافة العراقي آنذاك لطيف جاسم نصيف على أساس أنّها لا تعجب القائد المؤمن صدام حسين. ولكن وللحقيقة فإن العودة لموقع محمود درويش
وليست قصيدتي محمود درويش الكردية هي التي محل نقاش وانتقاد فقط، فهناك العديد من القصائد التي حذف منها بعض المقاطع أو لم ينشرها في أي من دواوينه كما فعل مع قصيدته المشهورة "عابرون فيكلام عابر". التي كتبها إبان الانتفاضة الفلسطينية عام 1978 ، ومما قاله فيه:
أيها المارّون.. بين الكلمات العابرة
اجمعوا أسماءكم وانصرفوا
وخذوا ما شئتم من صور كي تعرفوا
أنّكم لن تعرفوا
كيف يبني حَجَرٌ من أرضنا سقف السما
أيها المارّون.. بين الكلمات العابرة
منكم السيف.. ومنا دمنا
منكم النار.. ومنا لحمنا
وعلينا نحن أن نحرس أرض الشهداء
وعلينا نحن أن نحيا
كما نحن نشاء
آن أن تنصرفوا
وهناك العديد من الروايات حول عدم نشرها في أي من دواوينه التي صدرت بعد ذلك، منها أنّ ذلك كان شرطا لعودته للأرض المحتلة بعد اتفاقية أوسلو عام 1994. وفي هذا السياق من المهم قراءة الدراسة الأكاديمية الموثقة للباحث الفلسطيني الدكتور عادل الأسطة التي بعنوان (محمود درويش، ظواهر سلبية في مسيرته الشعرية)، حيث يعرض للعديد من المواقف هذه ومنها حذف مقاطع من قصائده أو عدم نشر قصائد بكاملها في أي من دواوينه.
ومن المهم قراءة مجلة "واوان"
التي هي الصفحة الأخيرة من عدد الغاوون التي يحررها "الضاحك بدون سبب" رغم أنّ اللقطات التي يرصدها وينشرها، تعطيك أسبابا عدّة للضحك المبرر، خاصة أنّها لقطات مضحكة ومبكية من عالم الأدب والأدباء. الغاوون هذه تستحق القراءة والمتابعة، وعند قراءتها كاملة ستقولون معي: وما أدراك ما الغاوون!!!.
ahmad.164@live.com
التعليقات
متالق يا دكتور
مثقف ستيني -دائما متالق يا دكتور احمد..وها انت اليوم تقول شهادة حق في مطبوعة رصينة حقا وتعيدنا الى زمن الستينات..الزمن الجميل
ندم محمود درويش
عراقي -ان محمود درويش سمع عن الاكراد ,ولذلك اخطأ في تقيمه لهم مثل الكثير من المثقفين واليساريين العرب الذين خدعوا بهؤلاء ولم يتعرف عليهم جيدا ولو عرف اكثر عنهم وعن علاقتهم بالصهاينة واسرائيل وعمالة الاحزاب الكردية لاسرائيل لكتب شئ اخر ,وقد ندم كثيرا عن ما كتب عن الاكراد
تنويه
أبو ميار -عزيزي د. أحمدقصيدة دوريش اسمها "عابرون في كلام عابر" وليس "عابرون في هواء عابر"أيضاً، هذه القصيدة كتبها درويش إبان الانتفاضة الفلسطينية عام 1987 وليس عام 1978 كما ورد في المقاللهذا اقتضى التنويه
ندم محمود درويش
عراقي -ان محمود درويش سمع عن الاكراد ,ولذلك اخطأ في تقيمه لهم مثل الكثير من المثقفين واليساريين العرب الذين خدعوا بهؤلاء ولم يتعرف عليهم جيدا ولو عرف اكثر عنهم وعن علاقتهم بالصهاينة واسرائيل وعمالة الاحزاب الكردية لاسرائيل لكتب شئ اخر ,وقد ندم كثيرا عن ما كتب عن الاكراد
شكرا أبو ميار
أحمد أبو مطر -عزيزي السيد ابو ميارتحياتي وشكري الجزيل على هذا التصحيح من طرفك..وآسف على هذا الخطأ الذي هو نتيجة عدم المراجعة الدقيقة..ودمت سالما
شكرا أبو ميار
أحمد أبو مطر -عزيزي السيد ابو ميارتحياتي وشكري الجزيل على هذا التصحيح من طرفك..وآسف على هذا الخطأ الذي هو نتيجة عدم المراجعة الدقيقة..ودمت سالما
كتاب كامل
عادل الاسطة -لي كتاب كامل عنوانه جدل الشعر والسياسة والذائقة ..دراسة في ظاهرة الحذف والتغيير في اشعار درويش وهو موجود على النت في غير موقع ولم يتشجع له اي ناشر لسطوة محمود درويش.اذا كان هناك من يرغب في نشره بلا اخطاء فله ذلك.هناك المواقع التالية ادبيات د.عادل الاسطة. مؤسسة فلسطين للثقافة.
تاريخ كتابة قصيدة كر
عادل الاسطة -تحية يا د.احمد فيما اعرف كتب درويش قصيدة كردستان قبل العام 1970 وق ظهرت في دواوينه التي اصدرها في الارض المحتلة وكان يومها شيوعيا فتبنى موقف الحزب من القضية الكردية ولما هاجر اختلفت اراؤه السياسية وبعض مواقفه فحذف قصائده ذات الموقف الايديولوجي ومنها اناشيد كوبية.درويش احيانا يهادن .انظر دراساتي العديدة حول هذه الظاهرة في شعره وشعر سميح القاسم فلعلها ريادية .لعلها.تحياتي
تاريخ كتابة قصيدة كر
عادل الاسطة -تحية يا د.احمد فيما اعرف كتب درويش قصيدة كردستان قبل العام 1970 وق ظهرت في دواوينه التي اصدرها في الارض المحتلة وكان يومها شيوعيا فتبنى موقف الحزب من القضية الكردية ولما هاجر اختلفت اراؤه السياسية وبعض مواقفه فحذف قصائده ذات الموقف الايديولوجي ومنها اناشيد كوبية.درويش احيانا يهادن .انظر دراساتي العديدة حول هذه الظاهرة في شعره وشعر سميح القاسم فلعلها ريادية .لعلها.تحياتي