ثقافات

رحيل السريالية المتمردة ليونورا كارينغتون

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
المشعوذة

يوسف يلدا: الكاتب المكسيكي، الحائز على جائزة نوبل للأدب، أوكتافيو باث قال وهو يصفها بأنها بمثابة قصيدة تمشي. هذه الفنانة الدائمة القلق، كانت قد هربت من والديها، ومن ثم من مستشفى للأمراض العقلية.
توفيت الفنانة السريالية المكسيكية، من أصل إنكليزي، ليونورا كارينغتون نهاية الإسبوع الماضي في المستشفى الإنكليزي بالمكسيك، إثر إصابتها بمرض الإلتهاب الرئوي، عن عمر 94 عاماً، إثر حياة إكتست بالتمرد، وزخم العاطفة.
وقد ولدت ليونورا في 6 أبريل من عام 1917 في كورلي بإنكلترا، في أحضان عائلة إنكليزية ثرية، وعاشت منذ أعوام الأربعينات في المكسيك، البلد الذي أصبح، بالنسبة لها، فيما بعد، المكان المحاط بالأصدقاء، وبعض الفنانين السرياليين، مثل الإسبانية ريميديوس فارو.
وفي ريعان شبابها، هربت ليونورا من بيت والديها، حيث كان والدها من رجال الأعمال، وأمها من أصل إيرلندي، بحثاً عن حياة فنية عاشتها في مدرسة جيلسي للفن، وأكاديمية أوزنفانت في لندن. ورغم إلتحاق الفتاة الشابة ليونورا بالعديد من المدارس الدينية، إلاّ إنها لم تستطع التأقلم معها، لقلق روحها الدائم الذي لازمها طوال حياتها.
كانت الفنانة الراحلة البنت الوحيدة بين أشقائها الأربعة. وكان والدها يرى في الفن على أنه من الأعمال الخاصة بالفقراء والشواذ جنسياً، غير أن والدتها وقفت الى جانبها، لحين إكمال دراستها في مدرسة جيلسي للفن في لندن.
وتعرفت في العاصمة البريطانية على الفنان السريالي ماكس إرنست (1891 - 1976)، حيث أصبح رفيقها لبضعة اعوام، ولكنها لم تطق سماع أخباره، في السنوات الأخيرة.
وسافرت مع ماكس الى باريس، حيث إلتقت بفنانين هم من رواد الحركة السريالية، أمثال سلفادور دالي، ومارسيل دوشامب، وأىدريه بريتون، وبابلو بيكاسو.
وقد إشتركت ليونورا، الى جانب أبرز فناني الحركة السريالية، في معرض ضخم، أقيم في أمستردام وباريس في العام 1938. وبعدها بقليل، مرت حياتها بظروف عسيرة، إثر دخول النازيين فرنسا، وحجز إرنست في معسكرات الإعتقال. وفي العام 1940 فرّت الى إسبانيا التي كانت تحت حكم فرانكو، حيث عانت من إنهيار عصبي، في خضمّ حالة من التوتر الشديد، وبأوامر من أهلها، تم وضعها في مصح عقلي في مدينة سانتاندير الشمالية. وهناك واجهت أصعب فترة من حياتها، في الحجز وتحت مراقبة شديدة من قبل الممرضات. غير أنها تمكنت من الهروب والوصول الى لشبونة، حيث تعرّفت، هناك، على الشاعر والدبلوماسي المكسيكي ريناتو لودويك، الذي تزوجت منه، وأعانها على السفر الى نيويورك، لتلتقي، مرة أخرى، بحبيبها السابق إرنست وراعي الفنون بيجي غوغينهيم.
في العام 1942 سافرت ليونورا برفقة لودويك الى المكسيك، ومن ثم إنفصلت عنه بعد عام. وهناك إلتقت، لبعض الوقت، بالفنان دييغو ريفيرا، وكذلك بالرسامة المعروفة فريدا كاهلو.

أردت أن اكون طائراً
ولكن، إحدى أجمل المفاجآت السارة التي قدمتها المكسيك للفنانة ليونورا، هي لقائها، ثانية، بواحدة من أفضل صديقاتها، ألا وهي الإسبانية المقيمة في المنفى، ريميديوس فارو (1908 - 1963)، والتي كانت قد تعرّفت عليها في باريس. وإشتركت مع فارو في العديد من المشاريع الفنية، والهموم التي كانت تشغل بالها، وإحتكت، عن طريقها، بحلقة تضم نخبة من الفنانين، أمثال أليس راهون، وولفغانغ بالين. وقد عكس إلإسلوب التعبيري لكليهما نمط الحياة الموغلة في الأحلام والفانتازيا، وقد بدا ذلك جلياً في إحدى الأعمال الفنية البارزة لليونورا، ونقصد بها اللوحة المسماة (عالم شعب مايا الساحر)، الموجودة في المتحف الإنثروبولوجي، في العاصمة المكسيكية. ومن بين أبرز الأعمال الفنية الأخرى للفنانة السريالية المتمردة، لوحة (العملاقة)، و(أردت أن اكون طائراً)، و(المتاهة)، و(الصحوة)، و(وحينها رأيت إبنة مينوتاورو)، و(المشعوذ).
كانت ليونورا شغوفة، مذ صغرها، بالأساطير السلتية، الذين قطنوا في ما مضى أجزاء واسعة من أوربا الغربية. وقد تجسّد ذلك الشغف في لوحاتها وأعمالها المسرحية، مما أضفى عوالم سحرية رائعة إليها. ويعود فضل ذلك الى ما إكتشفته وإكتسبته من المكسيك، البلد الساحر والحاضن للحضارات الأصلية، واخرى ما قبل التاريخ، والتي كان لها بالغ التاثير على أعمالها.


العملاقة وكانت قد إلتقت، أيضاً، في المكسيك بالسينمائي الإسباني لويس بونويل. وتزوجت ليونورا من المصور الفوتوغرافي الهنغاري إيميريك جيكي ويسز، الذي أنجبت منه ولديها غابريل وبابلو، وكانت شديدة الإلتصاق به.
وقال أوكتافيو باث ليونورا كارينغتون بأنها "إنسانة مهتاجة رائعة" و"بمثابة قصيدة تمشي، وتبتسم، ويتشح وجهها بالحزن فجأة، لتتحول الى طائر، ومن ثم الى سمكة تختفي".
وترى الكاتبة المكسيكية إيلينا بونياتوسكي التي أصدرت هذا العام، رواية بعنوان (ليونورا)، مستوحاة أحداثها من حياة ليونورا نفسها، بأن كارينغتون تعد "إسماً بارزاً"، كما فريدا كاهلو. مضيفة "وأعتقد بأن كارينغتون تزداد قوةً، يوماً بعد آخر، وستغدو أقوى مع مرور الزمن. وهي، في واقع الأمر، فريدة من نوعها، مثلما كانت فريدا كاهلو في زمنها، مع إختلاف بسيط في أن ليونورا لم ترغب في الظهور علناً".
ما من شك أن الحركة السريالية قد خسرت، برحيل ليونورا كارينغتون، واحدة من أهم الوجوه الفنية الرائدة، والتي ستظل، بعد رحيلها، مدرسة ينهل منها الشباب من الفنانين التشكيليين المعاصرين.

سيدني - استراليا
ibrahimyousif@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
متابعات جادة
سيروان لرزاده -

استاذ يوسف يلدا عشت متابعاتك جادة ومفيدة رغم بعدك وهذا دليل حرصك على رفد ثقافتنا بالجديد. ولك ولإيلاف الشكر الجزيل.

موضوع جيد
فتح الله قس حنا -

شكرا لك استاذ يوسف يلدا , مقالة فنية جيدة , تركتنا نعيش حياة الفنانة , حبذا لو تناولت ايضا في مقالة اخرى اسلوبها الفني وهويتها ليكتمل الموضوع , ننتظر منك الموزيد تحياتي .

متابعات جادة
سيروان لرزاده -

استاذ يوسف يلدا عشت متابعاتك جادة ومفيدة رغم بعدك وهذا دليل حرصك على رفد ثقافتنا بالجديد. ولك ولإيلاف الشكر الجزيل.