مريم ناصر: المرأة الإماراتية الآن أكثر تحرراً وتنوعا فيما تكتبه
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
** تكتبين وتنشرين منذ عمر السابعة عشرة وقراءة سيرتك الذاتية تكشف عن شخصية متمردة في رؤيتها ومفهومها للحياة، هل لنا أن نتعرف على المحيط الذي نشأت وتربيت فيها وأثر على شخصيتك، وهل له الفضل في اتجاهك للكتابة؟
** نشرت ورقياً حين كنت في الخامسة عشر تقريباً، بمواضيع اجتماعية مختلفة من حولي بتحريض من أمي و صديقاتي، وكل ما كنت أبعثه ينشر في إحدى الصحف المحلية، ثم توقفت حين انشغلت بمعترك الحياة الجامعية، ولكن عدت للكتابة والنشر في منتصف رحلتي الدراسية، ولكن هذه المرة بطلب من أسر التحرير في مجلات وصحف خليجية غالباً، بعد أن بدأت النشر الإلكتروني في عمر الـ 17.
أمي كانت تكتب مسرحيات مميزة في مدرستها، ولازال أول سؤال أسمعه من زميلات دراستها حين تلتقيهن: أين أنتِ من الكتابة اليوم؟
تملك أمي مكتبة ثقافية جميلة أغلبها كتب دينية وتاريخية وشعر، وأذكر أول كتب أهدتها لي أمي كانت "مجموعة من القصص المترجمة- الكسندر ديماس، إيميلي برونتي- مرتفعات وذرينغ التي قرأتها مرات عدة- بيرل باك- تشارلز ديكنز، مارسيل موريت ومارغريت ميتشل وغيرهم".
هو فتح عيني على القراءة والتنوع وهي فتحت عيني على الأدب المترجم والكتابة والمواصلة وعدم الالتفات للانتقادات ما دمت واثقة مما أفعله، وعلمتني حكمتين أمشي عليهما في كل تفاصيل حياتي "تمشي الحرة وما عليها مضرة" و"يد ما سرقت ما تهاب القص"، وهذه ربما محور تربيتهما لي، ولذلك كانت شخصيتي مختلفة أو متمردة مبكراً كما تقول، لأني أرفض أن أشبه غيري لمجرد التشابه منذ صغري.
والدي قارئ رائع لفت انتباهي ذائقته في الكتب الأدبية والسياسية، بتحريض منه قرأت مبكراً كليلة ودمنة، ولازلت أحتفظ بنسخته المميزة برسوماتها الجميلة، ولديه أيضاً تعرفت خلسة ومبكراً جداً "في عمر الثالثة عشر، حين بدأ شغفي بالقراءة يتضح"على توفيق الحكيم وطه حسين ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس، يوسف السباعي، فدوى طوقان وبدر شاكر السياب، رغم تحذيره لي من الاقتراب من هذا الرف، لكنه بعد أن رأى أن لا فائدة من منعي من قراءة كل ما في مكتبته حتى الكتب السياسية، أصبح يختار لي ويوجهني لكتب متنوعة ويهديها لي.
وكنت محظوظة لأن في الإمارات في كل مدرسة مكتبة متنوعة، كنت في سن مبكرة ألتهم ما تيسر لي من كتب،و في مرحلتي الإعدادية لاحظت مدرساتي هذا الشغف فيّ، فقمن بإشراكي في مجموعات قراءة وصديقات المكتبة، والمجلات الدورية، وبالتأكيد كل ذلك كان له تأثيراً على حياة مريم الشخصية وككاتبة.
** على الرغم من اشتغالك المبكر بالكتابة في الصحف والدوريات حيث عالجت الكثير من القضايا الاجتماعية في الإمارات وأيضا توجهك لكتابة القصة القصيرة إلا أن مجموعتك الأولى " منينة " لم تنشر إلا متأخرا في عام 2009.. لماذا؟
** وتصدق؟ لم يكن لدي نية لنشرها، كنت أعتبرها تجارب تحتاج لوقت أطول لصقلها، و لكن ردات الفعل كانت جميلة جداً على "ثمالة" أول قصة بدأت في كتابتها في عام 1997 والتي نشرت بعضها، ولم تكن مكتملة بل أنها آخر قصة اكتملت في المجموعة.
جاءت بعدها "أنثى سرير" وردات الفعل أدهشتني رغم تخوفي منها كثيراً في البداية.
لذلك حين تواصل معي أحد الأخوة الإعلاميين المعروفين في الإمارات، والذي أطلع على تجربتي في القصة والتي بدأت بنشرها إلكترونياً، عرفني بالقائمين على مشروع قلم - في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث،الذي كان في بدايته في ذلك الوقت، ترددت كثيراً في البداية رغم أني أيضاً كنت همزة وصل بينهم و بين أدباء آخرين، إلا إني تأخرت في إرسال المجموعة إليهم.
دائماً ولآخر لحظة وحتى الآن شعرت أن لدي شيئا ما كان يجب أن أضيفه وأعدله على المجموعة.
ربما تأخرت في نشر المجموعة ولكنها في نفس السنة لاقت نجاح جميل، وتمت ترجمتها للألمانية في نفس السنة وقاموا بدعوتي لمعرض بازل للكتاب في سويسرا لتوقيع المجموعة والمشاركة في ندوة حولها و لكن لظروف عملي اعتذرت عن الذهاب، و أيضاً في 2010 تمت ترجمة المجموعة للأوردو، ولا زال في جعبة مشروع قلم المزيد من الترجمات، وأريد استغلال الفرصة لشكر هيئة أبوظبي للثقافة و التراث و مشروع قلم والقائمين عليه على كل جهودهم الثقافية الجميلة التي تخدم الأدب على مستويات عدة.
** تطرحين في قصص المجموعة وفي كتاباتك عامة قضايا جريئة حول الوضع الاجتماعي للمرأة وطموحاتها وأحلامها وما تشتبك معه ذاتيا، ما سر هذه الجرأة ولماذا تركزين على المرأة؟
** أعتقد أن توجهي إنساني بالدرجة الأولى، سواء كان في المقالات أو في القصة، بل إني حاولت تحدي نفسي على مستوى القصة مثلاً فكتبت بعقلية الرجل في بعض أجزاء "أنثى سرير" و"الرجل الذي يشتهي كل النساء ولا يشتهيه أحد" و حتى "قهوة ملائكة".
وإن كان هناك تطرق للمرأة فليس بقصد التركيز على قضايا معينة، لكني مشغولة بكل ما هو إنساني من حولي، أما الجرأة فهي تعتمد على القضية التي أكتب عنها.
** أكثر من قصة لديك عرضتك للنقد والهجوم مثل قصة "أنثى السرير" التي عند نشرها هاجمك البعض واتهمت بالتكفير حدثينا عن هذه القصص وظروف كتابتها وردود الفعل حولها؟
** أخي الكريم، دائماً هناك تنوع في الآراء وهذا التنوع صحي وجيد ولا يزعجني إذا ما كان بناء، المزعج هو وصولها لحد التكفير والاتهامات القبيحة.
نعم تعرضت للهجوم بسبب جرأتي في استخدام أحد أضلاع التابوه المحرم عند البعض، ولكني استخدمته بهدف توصيل رسالة وبشكل أدبي تماماً ولكني بالطبع لست مسئولة عن كيفية قراءة البعض لما كتبته.
ليس هناك ما هو أسوأ بالنسبة لي ككاتبة من أن أشرح لماذا كتبت وكيف وأين ومن، فهذه جزئية تخص خيال القارئ وأحداث وشخصيات القصة، أعرف ذلك جيداً لأني قارئة أكثر من كوني كاتبة!
للأسف لدينا عقليات تقرأ و ترى الجنس حتى في (طارت العصافير فوق الشجرة) فما بالك في قصة محورها أنثى يرفضها المجتمع؟
"أنثى سرير" حاولت فيها تعرية تناقضات المجتمع الواضحة التي تُأثم تجارب الأنثى في الحياة حتى ولو كانت تفعل ذلك بجهالة أو لظروف كونها عضو ضعيف غالباً ولا تعطيها فرصة أن تكون جزء من النسيج الطبيعي للمجتمع إذا أرادت أن تغير ظروفها، بينما في المقابل يبقى الرجل الذي قد تكون له تجارب مساوية ومشابهة وبظروف لا نستطيع أن نقول مجبر عليها، مثالي!.
بالنسبة لي هذا تناقض أرفضه، ولذلك جاءت "أنثى سرير" جريئة وفيها كثير من "الصفعات: كما أسماها أحد القراء" التي تعمدت أن أنبه القارئ فيها لهذه التناقضات، وليس القصد جر القارئ للتعاطف مع الشخصيات بقدر ما هو محاولة لإيقاظ الإنسانية التي نتجاهلها كثيراً.
أحترم جميع الآراء ولكن أتمنى من منتقدي "أنثى سرير" أن يعيدوا قراءتها بحس إنساني، وأعتقد أنهم سيجدونها بشكل آخر.
في (قهوة ملائكة) أيضاً كانت اعتراضات عديدة بدأت من العنوان وحتى تفاصيل تعترض على ميتافيزيقية الطرح فيها. لكن ردات الفعل هذه عموماً قليلة ولا تشكل حتى 1% من مجمل الآراء حول تجربتي.
** إلى أي مدى تتماس قصصك مع حياتك الخاصة إنسانيا وإبداعيا؟
مستمعة جيدة وأنتبه كثيراً للتفاصيل من حولي، لذلك من الطبيعي أن يكون في ما أكتبه جزءا من الأشياء التي تصادفني، موقف أو شخصية ما أو حتى حكاية تستفزني.
لكن سأخبرك بسر مضحك احتفظت به لنفسي، في إحدى القصص التي نشرتها، أقحمت ذائقة مريم في الكتب مع شخصية القصة الرئيسية، وكنت ابتسم حين فعلت ذلك بلوم القارئة لا الكاتبة، لأني ظننت أنه لن يتوقف عندها أحد، لكن في الحقيقة توقف عندها ناقد أدبي جميل (د.سلمان قاصد:الكتابة على الطين) وأدهشني أنه انتبه أنه إقحام وتدخل من مريم الكاتبة، لكنه أسعدني لأني عرفت أن هناك نقادا يعطون النص حقه ويكتبون بصدق.
** كيف ترين لوضع المرأة المبدعة في الإمارات خاصة والخليج عامة هل استطاعت التحرر في كتابتها ومعالجاتها؟
** نعم و بقوة.
ما كان يشكل محرمات الطرح، أصبح عادياً، فالتحيز لجنس الكاتب وأن "يجوز للرجل أن يكتب في ذلك ولا يجوز للمرأة الخوض فيه" أصبح من مخلفات الماضي، فالناس برأيي أصبحت أكثر ثقافة ووعياً و اهتماماً،
المرأة أيضاً أصبحت أكثر قدرة على التنويع في ما تكتبه وأكثر تحرراً من العاطفة التي كانت المحور في الثمانينيات والتسعينيات، أما الآن المحاور اختلفت وتعددت من السياسة للدين لقضايا المجتمع والعاطفة والحقوق غيرها.
بالإضافة لذلك المناخ الثقافي أصبح متقارباً بحكم العولمة والإنترنت وغيرها وهذا ساهم في التحرر من القيود والمواضيع الواحدة المتشابهة.
الإمارات بشكل خاص تعيش حراكا ثقافيا جميلا ومبهرا،على مستوى الاهتمام بالنشر للأدباء الجدد والشباب وإعادة طباعة للأدباء الذين سبقونا في النشر، ومسابقات أدبية لها حضور ليس محليا فقط ولكن على مستوى عربي مثل بوكر العربية وجائزة زايد للكتاب وغيرها من الجوائز.
هذا الاهتمام الجميل والمحفز ساهم في تسليط الضوء والانتباه لأقلام إماراتية جميلة جداً إناثاً وذكوراً،
أنا فقط يحزنني عدم الاهتمام من الصحافة المحلية بالكوكبة الجديدة من الكتاب، فلا زالت الصفحات الثقافية لدينا "تسقي البعيد و تترك القريب" وهذا تناقض لا يواكب الحراك القائم من حولنا.
لدينا صحيفة محلية مثلاُ لها ملحق أسبوعي، تتابع كل الإصدارات الجديدة وتكتب عنها، و لكنها مصابة بالعمى عن الإصدارات المحلية، وذلك لأنها تعتمد على ذائقة واحدة تكتب من الخارج.
وملحق أسبوعي آخر كل كتاب الأعمدة فيه من جنسيات عربية، ما عدا واحد ألتحق بهم مؤخراً وكأن الإمارات تخلو ممن يستطيع الكتابة معهم.
ومجلة أدبية شهرية جميلة، الإماراتي الوحيد فيها هو رئيس التحرير الذي يكتفي بصفحتين "عن الحلال والحرام" والحس الإماراتي مفقود فيها.
وأرجو أن لا يفهم من كلامي هذا انحيازي للأدب الإماراتي، فأنا لا أعترف بجنسية للأدب، ولكن يحزنني عدم الالتفات لموارد محلية جميلة.
وبالعودة لسؤالك، المرأة منذ سنين طويلة وقبل حتى مرحلة التدوين كانت الراوية، التي تحفظ و تردد لأبنائها القصص والحكم والشعر، لم يكن لدينا هذه الإشكالية وليست موجودة الآن، والذي لا يجد طريقة في النشر الورقي، هناك ألف طريقة ينشر بها رقمياً، أو حتى يتواصل مع دور نشر خارجية تنشر له ما يعجز عن نشره محلياً.
** تحتضنين عبر متصفح نقدي مسابقة شاعر المليون ما تقييمك لهذه المسابقة والدور الذي لعبته وتلعبه في حركة الشعر النبطي في الخليج؟
** على مدى سنوات، كنت أدير متصفح أسميته "الحكم السادس" و من ثم "الحكم الرابع" حين تقلص عدد لجنة التحكيم، في منتدى شظايا الأدبي، كانت تجربة جميلة ومحاولة لإدارة حوار على مستوى عال من الوعي والمناقشات حول أصغر تفاصيل البرنامج من الديكورات وحتى الشعر وهو المحور الأساسي، و لم ينجو من المناقشات حتى لجنة التحكيم.
كانت تجربة مختلفة جداً لذلك وبفضل من الله لاقت إشادات كثيرة وتواصل معي الكثير من المشاركين في البرنامج، المؤهلين والمتسابقين والذين خرجوا وحتى ضيوف البرنامج وغيرهم، نجاح المتصفح لم يكن متعلقاً فقط بحضوري، ولكن أيضاً وجود الجميلين الذين شاركوني في الردود والكتابة والمناقشة وحتى الذين راسلوني من خارج المنتدى الأدبي، فشكراً لهم جميعاً.
أما شاعر المليون وأمير الشعراء كذلك، برأيي قدم خدمة جميلة للشعر والأدب بشكل عام، ليس فقط انه سلّط الضوء على تجارب شعرية جميلة، وقدمها إلينا، بل أنه ساهم في نشر الثقافة والذوق والحس الشعري والوعي بمصطلحاته النقدية والشعرية.
اليوم كثير من متابعي البرنامج سواء كانوا من محبيه ومتابعيه أو من الذين يرفضونه ولكنهم يتابعونه، تجدهم يستخدمون لغة مختلفة وواعية للحديث حوله وحول التجارب الشعرية فيه، ونعم الشعر موجود قبل البرنامج، ومتداول قبله، لكن الحديث بتركيز ووعي حول الشعر جاء برفقته، كذلك البرنامج كان مثل المفتاح الذي أدار قنوات لإطلاق برامج مشابهه وأيضاً شغل الكثير من الصحف والمجلات للحديث حول الثقافة الشعرية.
البرنامج أضاف لي شخصياً الكثير، والمتصفح النقدي أضاف لي أكثر، لكن ستتوقف هذه التجربة الفريدة لهذا الحد.
** تعدين الآن لنشر مجموعة قصصية جديدة، وتشتغلين على أطروحة الماجستير في إدارة الجودة والعلاقات الدولية، ألا ترين أن انشغالاتك كثيرة وأن ذلك يمكن أن يؤثر سلبا على الإبداع؟
** أنا أنثى عملية جداً، وأحب أن أطور من نفسي وما حولي ولأني أحب المعرفة كنت دائماً متفوقة في دراستي، ووالدتي تشجعني على عدم التوقف والمواصلة، لذلك سعيت لإكمال الماجستير، وفعلا بدأت خطوة ثم توقفت لأسباب عملية وأيضاً بسبب ظروفي الصحية التي مررت بها مؤخراً، لكني لازلت مصرة على المواصلة وبدأت بتحضير الماجستير في تخصص يخص عملي أكثر "إدارة المشاريع" وفي جامعة أقرب إن شاء الله، وإدارة الوقت هي المفتاح الذي أعول عليه في دراستي ووظيفتي وإبداعي.
أريد أن أكون صادقة معك، حتى فترة قريبة كنت أطالب بــ "تفريغ مرن للمبدعين" من العمل، لفترة معينة حتى ينجزوا أعمالهم الأدبية، ومنعاً لفلتان هذا التفرغ يمكن أن يرتبط المبدع بشروط معينة متعلقة بالإنتاج الأدبي، وأن لا تتجاوز فترة هذا التفريغ الثلاثة أشهر حسب نوعية العمل، وقد تكون أطول أو أقل وطبعاً أن يكون لديه إنتاج سابق حتى لا تصبح الأمور عشوائية.
القصة أو أي نوع من الإبداع الأدبي ليست مرتبطة بوقت على كل حال، ولكن أتمنى أن تكون هناك مرونة في إعطاء المبدع الوقت الذي يحتاجه حين يحتاجه.
التأثير السلبي سيكون في نقطة واحدة فقط "قلة الإنتاج الأدبي"، والدليل على ذلك، أن مجموعتي القصصية جاهزة منذ 2009 أعمل على تعديلها ببطء بسبب انشغالي العملي وليس الدراسة التي تأخذ بعض الوقت وليس كله.
وأخيرا: شكراً إيلاف، وجهتي الأولى كل صباح.
التعليقات
مواطن
بو عبدالله -لا اعرف متى يتححر الرجال
مواطن
بو عبدالله -لا اعرف متى يتححر الرجال