فيلهلم رايش نصير الحب وداعية المصاهرة بين الجنس والسياسة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
وكان رايش، بحسب وصف الكاتب كريستوفر ترنر، "انجيليا جنسيا" يعتقد ان النشوة الجنسية التي تحقق الاشباع هي العلاج السحري لكل الأمراض والآفات، بما في ذلك الفاشية التي طردته من اوروبا. وفي دراسته الموسومة "وظيفة النشوة الجنسية" التي نشرها عام 1927 توصل الى ان هناك خللا واحدا في المصابين بأمراض عصبية هو افتقارهم الى الاشباع الجنسي الكامل والمتكرر. وفي محاولته للمزاوجة بين التحليل النفسي والماركسية جادل رايش بأن الكبت الجنسي الذي اعتبره فرويد جزء متأصلا من الوضع البشري، يمكن أن يسقط مؤديا الى ما سماه منتقدوه "طوباوية تناسلية". ورغم هذه الانتقادات كان رايش احد رموز حركة الاصلاح الجنسي في برلين وفيينا قبل ان يسحقها النازيون بوصفها مؤامرة يهودية لتقويض المجتمع الاوروبي. وأُحرقت كتب رايش في المانيا مع كتب ماغنوس هيرشفلد وفرويد. وفر رايش الى الدنمارك والسويد ثم النرويج هربا من الفاشية التي أخذت تطارده في عموم القارة الاوروبية.
بعد فترة قصيرة على وصول رايش الى الولايات المتحدة اخترع جهازا لتجميع طاقة الأورغون Orgone Energy وهو صندوق بحجم كابينة الهاتف العمومي مبطن بمادة معدنية ومعزول بلباد من الفولاذ. وكان رايش يعتقد ان آلته لتجميع طاقة الأورغون جهاز يمكن ان يعزز قوة النشوة الجنسية عند من يستخدمه مؤديا بالنتيجة الى تحسين حالته الصحية العامة، وبالأخص صحته العقلية. وذهب الى ان الجهاز يمكن ان يشحن الجسم بطاقة الحياة الموجودة في الجو، وان هذه التيارات الغامضة من الطاقة المكثفة ليست قادرة على معالجة الكبت فحسب بل السرطان وامراض الاشعاع وجملة علل ثانوية أخرى.
وأقنع رايش الكاريزمي البرت انشتاين بدراسة الجهاز الذي كان عملة يتناقض مع كل مبادئ الفيزياء المعروفة. وبعد اسبوعين من الاختبارات رفض انشتاين فرضيات رايش ولكن الجهاز راج في اميركا الأربعينات والخمسينات واقترن اسم رايش بقيادة الحركة الجنسية الجديدة التي بدا انها تكتسح اميركا. واستخدم جهاز رايش اقطاب ثقافة الضد مثل نورمان ميلر وجي. دي. سالنجر وسول بيلو وبول غودمان والن غنزبرغ وجاك كيرواك ودوايت ماكدونالد ووليام بوروز.
واحتفى جيل المتمردين في تلك الحقبة بطاقة الاورغون على انها قوة تحررية فيما نظر اليها المحافظون بوصفها صندوق باندورا أفلتت منه بلوى فرويدية من مظاهرها الجنس الاباحي والفوضوية.
ويقول الكاتب كريستوفر ترنر ان الموقف من رايش كان يعبر عن صراعات وسجالات تلك الفترة التي شهدت تسييسا للجنس لم يُعهد له نظير من قبل.
وبسبب ماضي رايش الماركسي وُضع تحت المراقبة فور وصوله الى الولايات المتحدة واعتُقل بعد اندلاع الحرب العالمية بتهمة الشيوعية. ويقع ملف مكتب التحقيقات الفيدرالي عنه في 789 صفحة. ولكن بعد الغزو السوفيني لفنلندا اصبح رايش مناهضا للستالينية وانصرف عن السياسة وأطلق مصطلح "ديمقراطية العمل" على ما كان في مخيلته طوباوية جنسية تنظم نفسها بنفسها، واعتبرها كثيرون من طليعيي اميركا حرية ايروتيكية.
وبعد جرائم ستالين منحت نظرية رايش في الكبت الجنسي اليساريين المحبطين تفسيرا مقنعا للأعداد الكبيرة من الذين ساروا وراء الفاشية ولفشل الشيوعية في تقديم بديل عنها. وسلح رايش الستالينيين السابقين والتروتسكيين المندحرين ببرنامج بديل يشهرونه في وجه هذه الأخطار الشمولية تحت شعار حرية الجنس. وكتب جيمس اتلاس في سيرة حياة سول بيلو ان كتاب رايش "وظيفة النشوة الجنسية" كان واسع الانتشار في الدوائر اليسارية كما كان كتاب تروتسكي "الفن والثورة" قبل عشر سنوات عليه.
ويكتب كريستوفر ترنر في الغارديان ان نورمان ميلر تحدث له قبيل وفاته عن تأثير رايش فيه قائلا ان نظرية رايش بأن "النشوة الجنسية هي جوهر شخصية الفرد التي تظهر وتتجلى في النشوة أعطاني مادة غنية للتفكير على مر السنين حتى اني شعرتُ طيلة سنوات بأنه، الى حد ما، عندما تتحسن نشوتك الجنسية فانك تتحسن معها كانسان.... وما كان مهما عندي هو قوة اعمال رايش الأولى ووضوحها وجرأتها وايضا حقيقة اني بمعنى أساسي اعتقد انه كان مصيبا".
وعندما خرق رايش قرار المحكمة واستمر في بيع جهازه لتجميع طاقة الأورغون حُكم عليه بالسجن عامين ودُمرت الأجهزة المتبقية مع آلاف النسخ من المجلات و11 كتابا نشرها رايش على نفقته في اميركا، مثلما أُحرقت كتبه من قبل في المانيا النازية. وكانت بينها نسخ من "السايكولوجيا الجماهيرية للفاشية" و"الثورة الجنسية". وفي عام 1947 توفي رايش في السجن بعد اصابته بنوبة قلبية في الشهر الثامن من محكوميته.
ويتساءل كريستوفر ترنر، إذا كانت اقوال رايش بشأن طاقة الأورغون مجرد شعوذة مثلما ذهب أطباء السلطات الاميركية وإذا كان مريضا مصابا بالشيزوفرينيا والذهان كما قرر محلل نفسي استجلبته المحكمة فلماذا اعتبرته الحكومة الاميركية شخصا شديد الخطورة وأنفقت مليوني دولار على التحقيق في نشاطه وملاحقته؟
في عام 1968 رفع الطلاب الثائرون شعارات مستلة من كتابات رايش، وفي برلين رشق المتظاهرون الشباب قوات الشرطة بنسخ من "السايكولوجيا الجماهيرية للفاشية". وفي جامعة فرانكفورت كانت نصيحة القادة لشباب 1968: "اقرأوا رايش وتحركوا على هذا الأساس".
وجادل الفيلسوف هربرت ماركوزي بأن شركات الاعلان استغلت انطلاق المشاعر الجنسية المتحررة من الكبت للربح واستخدمت التحليل النفسي لتشجيع رغبات المستهلك اللامتناهية على ما يبدو وايجاد "حاجات كاذبة". وجرى احتواء الجنسوية الراديكالية التي راهن عليها ماركوزي مع رايش، وجرت السيطرة على طاقة الرغبة الجنسية أو الليبيدو وترويضها بطريقة تكاد تكون علمية. وفي مجرى العملية انفصم الجنس عن السياسة الراديكالية، كما يرى ماركوزي.