همنغواي... العدو رقم واحد!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ويؤكد من وقع بين يديه ملف مكتب التحقيقات الفيدرالي الشهير، الخاص بهمنغواي، على أن هذا الملف يقع في 124 صفحة، تم التحفظ على 15 صفحة منه، حتى يومنا هذا "لمصلحة الدفاع الوطني". وهناك 40 صفحة أخرى منه ملطخة بالحبر الأسود، عدا صفحات خاصة بالتحيات والتواقيع، وأخرى متفرقة، ليس بالمستطاع قراءتها. ويمكن التأكد من بين الصفحات المقرؤة والملطخة، على أن الملف يحتوي على معلومات عن همنغواي، تم جمعها بين الأعوام (1942 - 1974)، في خضمّ الحرب العالمية، أي بعد مرور 15 عاماً على موته تقريباً.
وتشير الوثائق المقروءة الى أن همنغواي، الذي كان قد شنّ هجوماً لاذعاً ضدّ المكتب الفيدرالي أثناء سنوات الحرب الأهلية الإسبانية، قرر التعاون، مع نفس الوكالة التي وصفها ب(جهازالجستابو الأمريكي)، إبتداءاً من سبتمبر 1942 (حيث كان مقيماً في كوبا)، إستناداً الى هدفين أساسيين: كتابة التقاريرعن نشاطات أعضاء الكتائب الإسبانية والمتعاطفين النازيين المقيمين في الجزيرة، والقيام بعملية البحث عن الغواصات الألمانية من أجل معرفة مواقعها، وعمن يزودها بالوقود، كي تستمر في الإبحار في مياه البحر الكاريبي، بصورة خاصة. وكان الإتصال يتم من خلال السفارة الأمريكية في هافانا، والمسؤؤل عن إستلام التقارير كان المستشار القانوني آر. جي. ليدي، العميل في مكتب التحقيقات الفيدرالي، والقليل التعاطف مع همنغواي، حسب ما أشارت إليه تقاريره، التي يذكر فيها، أيضاً، بأن الكاتب "كان شديد الإرتباط بالجمهورية أثناء الحرب الأهلية الإسبانية"، أو ما يذكره في مكان آخر عن حقيقة أنه، أي همنغواي، كان قد إنضمّ، في العام 1940، الى "حملة عامة ضدّ (إف. بي. آي)، إثر إعتقال مجموعة من الأشخاص في ديترويت لتورطهم المزعوم في إنتهاك (قوانين الحياد)، والقيام بنشاطات خلال الحرب الأهلية الإسبانية"، ومؤكداً أيضاً على "إتهامه بالتعاطف مع الشيوعيين".
تحت إشراف مكتب التحقيقات الفيدرالي، وتحمس همنغواي لتبوأ دور القائد، أسّس هذا الأخير شبكة من المخبرين الهواة، لم تدم سوى سبعة أشهر، عندما ألغى السفير الأمريكي، في الأول من أبريل عام 1943، كل أشكال التعاون مع الكاتب، بحجة أن المعلومات التي كان يقوم بتزويدها كانت "في جميع الحالات تقريباً، تخلو من أية قيمة". وفي الواقع أن السبب في التخلي عن مهمة همنغواي كجاسوس كان مرده بلوغ نشاطاته منعطفاً خطيراً، حيث شملت التجسس على الجنرال مانويل بينيتيس، رئيس الشرطة الوطنية الكوبية، ورجل الثقة المطلقة للرئيس فولخينسيو باتيستا "الرجل القوي في كوبا"، في ذلك الوقت.
وبناءاً على توصية من طبيب نفساني من نيويورك، تمّ إدخال همنغواي الى مستشفى "لوس إيرمانوس مايو"، في 30 مايو من عام 1960. حيث كان همنغواي قد أجبر من لدنّ أصدقائه لأن يراجع طبيباً نفسانياً، لسبب مهم، وهو إعتقاده بأن رجال ال إف. بي. آي كانوا يطاردونه. وكما يبدو، أن هوس هذه المطاردة كانت قد إشتدّ وبلغ أوجّه أثناء الزيارة التي قام بها الى إسبانيا في عام 1959. ولكن بعدها، عندما تطأ قدماه نيويورك، يعود الى الشعور بأن عيون رجال مكتب التحقيقات الفيدرالي لا تزال تلاحقه، على الرغم من أن زوجته ماري ويلش وبعض أصدقائه، إعتبروا تلك الأفكار مجرد تعبير عن جنون الكاتب. وخضع همنغواي في ذلك المستشفى الشهير للعلاج بالصدمات الكهربائية، والتي بلغت ما بين 15 و25 مرة، إستطاعت أن تشل من قدرته على الكتابة. وكما هو معروف، أن هذا الإجراء الذي يطلق عليه إسم الصدمات الكهرباءية المتعددة، لا يخضع له من المرضى سوى الذين لا أمل في شفائهم. وبعد أيام قليلة من خروجه من المستشفى، وفي حالة يأس متردية جداً، إنتحر همنغواي في 2 يوليو من عام 1961، في منزله في إيداهو. كان عمره 62 عاماً، وإن بدا مسناً، بسبب من حالته الصحية البائسة. وما يبدو مريباً ومثيراً للقلق، هو أن أرملته، الشخص الوحيد الذي كان معه وقت وفاته في المنزل في إيداهو، قد نفت لسنوات أن يكون زوجها قد إنتحر.
وقد كشفت الوثائق المفتوحة في عام 1984، حقيقة أن الكاتب كان مطارداً، وتحت المراقبة، من قبل عملاء على إتصال ب "هوفر"، الذي كان قد إعتبر همنغواي، قبل عدة سنوات "العدو رقم واحد".
ما السبب في إيلاء مكتب التحقيقات الفيدرالي هذا الإهتمام للكاتب؟
خلال أعوام الخمسينات كان ال "إف. بي. آي" قد علم بتخطيط همنغواي لتأليف كتاب عن مكتب التحقيقات. وقد أشارت وثاق المكتب، وبصورة خاصة من جانب هوفر، الى الخوف من أن يشوّه الكتاب صورة وكالته، ومن ثمّ إطلاق الأحكام عن شخصيته هو بالذات. وإزداد العداء، الذي كان في الأصل قائماً، ويشرع مدير الوكالة لتقديم صورة همنغواي في حالة سكر شديد، تدعو للإشفاق عليه، وتقربه من الأفكار الشيوعية.
قد لا نصل أبداً الى حقيقة إن كان همنغواي قد بدا بذلك الكتاب أم لا. ولكن ما يمكن تأكيده هو إتخاذه من مزرعة "فيخيا" بهافانا محل إقامته، على مدى 20 عاماً، ووجود كمية هائلة من الأوراق الخاصة به. وبعد مرور أشهرعدة على إنتحاره، سافرت أرملته الى هافانا، محملة بأكثر اللوحات قيمة، وبوثائق في غاية الأهمية، ولتلقي بكمية، ذات قيمة، من الأوراق في جوف محرقة. ما الذي أشعلت، ماري ويلش، النار فيه؟ هي الوحيدة التي لديها الجواب على ذلك. ربما البعض من هذه الأوراق التي كانت تتضمن الأسباب التي أدت بمكتب التحقيقات الفيدرالي الى وضع همنغواي تحت المراقبة، كانت قد تحولت الى دخان بين أشجار مزرعة "فيخيا".