ثقافات

"جلجامش وأنكيدو في غابة هرهورة"

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ايلاف: "ظلت الحكاية ولأمد طويل شكلاً من أشكال التعبير والتواصل والترفيه في المجتمعات التي يغلب الطابع الشفهي على ثقافتها. والحكاية تعتبر النافذة التي يطل من خلالها الإنسان على العوالم السالفة، فهي بذلك تشكل جزء لا يتجزأ من التراث الشفهي وتحتل مكانة مهمة في الذاكرة الشعبية كما أنها تساعد على توسيع آفاق التفكير الأنساني".
بهذه الكلمات يبدأ مهرجان (الغابة في المتخيل الشعبي) الذي أقيم في مدينة تمارا المغربية في الأيام ١٩ ـ ٢٢ من أغسطس بمناسبة إعلان ٢٠١١ عاماً دولياً للغابة واعترافاً بالدور الذي تلعبه في الحياة اليومية للناس. وقد تضمن البرنامج الختامي للأحتفال تقديم قراءات حكواتية وفرجوية من التراث الشعبي من قبل ضيفة الشرف الفنانة بديعة عبيد من العراق في قراءة حكواتية لملحمة جلجامش (القسم المتعلق بأسفار
جلجامش وأنكيدو إلى غابة الأرز). إلى جانب رواة من مكناس والخميسات ومراكش والرباط أمثال الحكواتي عبد الله مطاع وعبد الأله الخطابي والفنانة الأمازيغية نزهة بنعتابو والزجّالة فاطمة الزهراء زريق والفنان الشعبي الشهير الملقب بالأقرع والفنان عبد الله ديدان.
تم نقل الرواة على عربات تجرها الخيول في شوارع المدينة بمصاحبة الفرق الموسيقية الشعبية. وقد أقيم العرض في موقعين وعلى مدى يومين متتالين: الأول، في ساحة مولاي رشيد وبحضور جمهور المدينة والثاني، وسط غابة هرهورة المطلة على ساحل البحر.
وقد استهلت الفنانة بديعة عبيد قرائتها يصاحبها عازف على الطبل قائلة:
"من أرض وادي الرافدين.. من أرض سومر وأكد.. من بلاد أوروك.. من أرض الأساطير والحكايات جأتكم لأغرس حكاية في غابة هرهورة. حكاية الملك جلجامش الذي أراد أن يخلد له اسماً بين الآلهة والأبطال الخالدين بأن يخلص غابة الأرز من المارد الوحش خمبابا ليزيل الشر والخوف من بلاد أوروك.".

النص المقدم في الاحتفال من ترجمة طه باقر

أسفار جلجامش وأنكيدو ومغامراتهما في الغابة المسحورة يبدو من القصص التي تدور حول جلجامش انه أراد أن يخلد اسمه في سجل الالهة والابطال الخالدين وان يرفه عن صديقه انكيدو الذي سئم حياة الحضارة وحن الى حياته الاولى في البراري لكن الأسى ملأ قلب انكيدو واغرورقت عيناه بالدموع واطلق الحسرات والآهات قائلا لجلجامش:
(ياصديقي اشعر بان الخوف قد شل جوارجي لقد خارت قواي وفقدت ساعداي القوة .... علام عزمت على تحقيق هذا الامر؟)
خاطب جلجامش انكيدو قائلاً:( يسكن في الغابة المسحورة (خمبابا) الرهيب فلنقتلنه كلانا ونزيل الشر من الارض)
قال انكيدو لجلجامش: (لقد علمت ذلك لما كنت ارعى مع الحيوان في البراري والمرتفعات ان الغابة تمتد عشرة الاف
ساعة مضاعفة من كل جهة، فمن الذي يجرؤ على الايغال في داخلها و(خمبابا) زئيره مثل عباب الطوفان تنبعث من فمه النار ونفسَه الموت الزؤام، فعلام ترغب في القيام بهذا وخمبابا لا يُصّد له هجوم؟)
قال جلجامش لصديقه انكيدو: (ياصديقي، من الذي يستطيع ان يرقى الى السماء؟ الاَلهة وحدهم يعيشون الى الابد مع الاله شمش .. اله الشمس.
اما أبناء البشر فأيامهم معدودات .. وكل ماعملوا عبث.
عزمت على ان ارتقى جبال الارز وادخل الغابة مسكن خمبابا، واذا ماهلكت فسأخّلد لي اسماً) .
صدرت الاوامر لصانعي السلاح وتسلح جلجامش وانكيدو بأنواع من الاسلحة وصل وزنها الى عشر وزنات أي ما يعادل 300 كليو غرام.
خاطب جلجامش شيوخ ارورك قائلاً: (أنا جلجامش سليل مدينة أرورك أريد ان تتحدّث الأنباء عني فأسجل لنفسي اسما خالداً)
فاجاب شيوخ أوروك قائلين: (أنت هو الحدث الأكبر ياجلجامش وقد تجاوزت المدى في شجاعة قلبك. إنك لا تعرف عاقبة
ما أنت مقدم عليه، فمن سيصمد امام اسلحة خمبابا والغابة تمتد عشرة اَلاف ساعة مضاعفة من كل الجهات. فلا احد يستطيع الصمود إزاء خمبابا في موطنه، فعلام رغبت في تحقيق هذا الامر؟)
سمع جلجامش كلام ناصحيه. التفت الى صديقه أنكيدو وضحك قائلاً: (كيف سأجيبهم.. أأجيبهم بأنني أخشى خمبابا لأظل ملازما بيتي طول حياتي الباقية)
إصرار جلجامش جعل شيوخ أوروك يقولون له: (عسى أن ينصرك إلهك الحامي ويعيدك سالماً.)
باركه شيوخ اوروك وقالوا له: (لا تتكل على قوّتك ودع انكيدو يتقدم، لأن من يسير في الطليعة يحمي صاحبه، ورّدد ذكر أبيك "لوكال بندا")
ودعوا له بالنصر راجين الإله شمش ان يريه ما قاله فمه. واوصوه ان يحفر بئرا وقت
الأصيل وان تكون قربته مليئة بالماء النقي على الدوام وان يقرّب الماء البارد الى الإله شمش.
إستمع جلجامش الى نصائح شيوخ اوروك، وذهب ومعه أنكيدو الى الإلهة ننسون والدة جلجامش لتصلى و تبارك لهما. فإرتدت الإلهة ننسون لباسا يليق بجسدها وتزينت بحلى تليق بصدرها، ووضعت التاج على رأسها، ثم قدمت القرابين واحرقت البخور وصعدت الى السطح رافعة يديها الى الإله شمش وقالت:
(علام أعطيت ولدي جلجامش قلباً مضطرباً لا يستقر؟ والاَن حثثه فأعتزم سفراً بعيداً الى موطن خمبابا حيث سيلاقي نزالاً لا يَعرفُ عاقبته وسيسير في درب لا يعرف مسالكه.
فإلى ان يذهب ويعود وحتى يبلغ غابة الأرز ويقتل خمبابا المارد ويمحو من على الأرض كل شر تمقته،
عسى أن تذكرك عروسك (آي) إلهة الفجر باليوم الذي تُرجعه فيه .. وليحرسه أباك الإله سين والكواكب حينما تحتجب أنت في الليل.)
فأطفات الإلهة ننسون البخور ودعت اليها أنكيدو وأوصته قائلة: (يا أنكيدو القوي، يا من لم تولد من رحمي، لقد إتخذتك ولداً لي منذ الاَن)
ثم قلدت عنقه بقلادة جواهر وهي تقول: (ها أني أئتمنك على ولدي فارجعه لي سالماً)
وبعد سفر دام عشرون ساعة مضاعفة تزودا بقليل من الزاد، وبعد ثلاثين ساعة مضاعفة توقفا ليمضيَ الليل. ثم انطلقا سائرين مدى خمسين ساعة مضاعفة وقطعا سفر يستغرق مداه خمسة وأربعين يوماً بثلاثة أيام. فحفرا بئرا للتقرب من الإله شمش.
وحين شارفا مدخل الغابة أبهرهما ما رأوا. فقد كان علو أشجار الأرز في مدخل الغابة اثنين وسبعين ذراعا وعرض المدخل أربعة وعشرين ذراعاً.
ووجدا عند ذلك المدخل عفريتاً أمره خمبابا لحراسة المدخل، فشجع أنكيدو صديقه جلجامش أن يتقدم ليأسرا الحارس فهجما عليه وقتلاه.
وعندما أراد أنكيدو الدخول الى الغابة شُلت قواه بتأثير الباب المسحور فحذر جلجامش من أن يدخل لكن جلجامش شجعه قائلاً:
(بعد أن قاسينا كل هذه الصعاب وقطعنا هذا السفرالبعيد نعود من حيث أتينا خائبين؟ أنكيدو، أنت الذي خضت النزال والصعاب، تتشجع وكن بجانبي وليحمي أحدنا الاخر لنخلف لنا اسما خالداً)
حين نجح البطلان في اجتياز مدخل الغابة أبصرا الجبال الخضر وذهلا من منظر غابة الأرز وسحر جمالها وشاهدا من بين ما شهادا جبل أرز خاص بالاَلهة، حيث عرش الإلهة "أرنيني" (عشتار) تعلوه أشجار الارز بظلالها الوارفة التي تبعث البهجة والسرور.

وعند الغروب حفر جلجامش بئراً وملأ دلوه ماءً، وارتقى جبل الأرز وسكب الماء المقدس من أعلاه ودعا الجبل أن يريه حلماً يبشره بالفرح ثم اضطجع الصديقان للراحة وسرعان ما أدركهما النوم.
وحين استيقظ جلجامش من نومه قص على صديقه ما رأى في الحلم قائلاً: (لقد رأيت أننا نقف عند هوة جبل، ثم سقط الجبل فجأة، وكنا أنا وأنت كأننا ذبابتان. أما في حلمي الثاني فقد رأيت ذلك الجبل يتهاوى فوقي ويمسك بقدمي فانبثق نور طغى وهجه وسناه على هذه الأرض وانتشلني من تحت ذلك الجبل وسقاني الماء فسُّر قلبي)

أجابه أنكيدو مفسراً حلمه قائلاً: (إن رؤياك ذات مغزى حسن وبشرى سارة. فالجبل الذي سقط عليك هو خمبابا ونحن سنتغلب عليه ونقتله)
دنت ساعة اللقاء الحاسمة حين بدأ جلجامش يقطع اشجار الارز بفأسه، فحالما سمع خمبابا الضجيج غضب وهاج وزمجر صائحاً:
(من القادم المتطفل الذي كدر صفو الغابة وأشجارها النامية في جبلي؟ ومن الذي قطع اشجار الأرز؟)
وتهيأ خمبابا للهجوم على الصديقين اللذين استحوذا عليهما الرعب، فندما على ركوب هذه المغامرة ودخول غابة الأرز، وأخذا يتضرعان الى الإله شمش ليعينهما على الخلاص من الهلاك، فاستجاب لهما الإله شمش حيث اهاج الرياح العاتية وساقها على خمبابا، فمسكته وشلت حركته فأستسلم لهما وأخذ يتضرع ان يبقيا على حياته فيأسراه ليكون خادما لجلجامش ويجعل العغابة المسحورة وأشجارها ملكاً له فرق قلب جلجامش وكاد أن يبقي عليه لكن انكيدو حرض صديقه على قتله فقتلاه وقطعا رأسه، وانتهت المغامرة بنجاح البطلين وعودتهما وعادا سالمين الى اوروك.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف