أحمد البحراني ومشروع تحويل الحديد إلى حرير
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سامي الجيزاني: لإلقاء نظرة متفحصة أو دراسة لأعمال احمد البحراني الفنية يقتضي العمل على أكثر من جهة ومستوى: نحت أم رسم، مادة العمل، شكل العمل العام، مفردات العمل، الفكرة الرئيسة للعمل، مكان العمل، الحجم واللون الخ الخ. ولهذا سأحاول هنا التركيز على محورين فقط في أعمال البحراني النحتية: المحور الأول هو مادة العمل، والمحور الثاني هو بناء أو تركيب العمل (composition).
أعمال البحراني النحتية بشكل عام هي مشروع فني خاص جداً، جزء مهم من هذه الخصوصية هو إستخدام الحديد كمادة رئيسة في العمل وكيفية تطويع هذه المادة الباردة والثقيلة لتصبح منظومة جمالية حسيّة، بسيطة ومعقدة في آن واحد ولتتحول الصفات المتعارف عليها للمادة الى مجسّات ومفردات تكّون مدخلاً للانفتاح وللحُلم.
من خلال هذه المادة يبحث البحراني في ثنائيات خفيّة ومبهمة وقد تفاجئنا أحياناً بان تكون قريبة من الوضوح: كالحركة والسكون، البساطة والتعقيد والخفّة والثقل. جزء آخر مهم من هذا المشروع هو محاولة تحويل مادة الحديد غير الثمينة الى مادة نفيسة من خلال العمل المثابر مع وعلى السطح والشكل. اي أن البحراني يعمل على مفردات يُعيد إنتاجها ويُعيد بناء الدلالات فيها. وهذه المفردات العديدة التي تكوّن العمل قد تكون مفردات مستقلة وقد تدرك بوحدتها.
"مادة الحديد تُفرض شروطها على الفنان وعلى العمل في التنفيذ لأن هناك مراحل عديدة يمر بها العمل قبل إنجازه نهائياً، كالقطع، اللحام، التشذيب الخ. على الرغم من أن فكرة العمل قد يكون انجازها سريعاً. أحينا هناك أوقات لا أستطيع العمل بها في مشغلي بسبب الضجيج العالي مثلا الذي قد يزعج الآخرين، انا احاول طبعاً توظيف هذه الشروط ايجابياً عن طريق التجريب و البحث وايضاً حبي للمادة" يتحدث البحراني.
الكرسي هنا هو مفردة رمزية و مركب من الفورمات/الاشكال المتنوعة في حركة ديناميكية تبحث عن اتجاه في الفضاء.
هذا الكرسي او المركب قائم على الخطوط الملتوية تارة بحذر واخرى بتلقائية اعطت له بعدا جماليا آخر هو الخفة والانتماء للطبيعة.
لماذا الحديد "لا ادري هل انا اخترت مادة الحديد أم هي اختارتني"، يتحدث البحراني مبتسما ويستمر "كنت في بحث متواصل لخلق أسلوب خاص بي ومادة تعبر عن أفكاري. ليس الحديد كمادة هو المهم لكن كيفية توظيف الحديد لإنتاج عمل حسي جمالي متفرد" توقف قليلاًِ عن الحديث ثم يضيف "قد يكون هناك تشابه بين طبيعة الحديد وطبيعتي الشخصية، مادة الحديد مادة صعبة فيها صراع و تحدٍ. من المحتمل أنا أبحث عن مادة للعمل أتحداها وتتحداني، أنا أبذل جهدا ذهنيا وجهدا عضليا باستخدام الحديد. هذا التحدي والوقت الطويل لإنجاز العمل يخلق فرصا لاكتشاف الجديد".
هل هناك علاقة طويلة الامد بينك وبين الحديد وما طبيعة هذه العلاقه إن وجدت؟
-"أُحاول أحيانا تغيير سطح الحديد الى سطح طيني لأنني نشأت وترعرت في مدينة طينية، حتى لون الحديد في اعمالي، أحيانا دون أن اشعر يكون اقرب الى لون الطين. وهذا بالتالي إمتداد لذاكرتي فالمدينة التي ولدتُ بها كانت فقيره لونياً، علاقتي وتجربتي باللون بدأت في الغربة. وايضا الليونه، فهناك ليونة وانسيابية في اعمال الحديد، وهذا ايضا له علاقة بالذاكرة والطفولة''.
بهذا يخلق البحراني في بحثه الفني نسقا سحريا مخالفا لطبيعة مادة الحديد المتعارف عليها. هناك تقنية عالية زائداً الخبرة المعرفية بالمادة تعطي الفرصة الى صياغة العمل صياغة ماهرة ليكوّن العمل فضاء قد يُستقبل من قبل المتلقي على انه من مادة الحديد وقد يستقبل بانطباع آخر غريب. والعمل الواحد هو بالحقيقة ايضاً عبارة عن أعمال عديدة، يمكن فصلها عن بعضها لتصبح أعمالا مستقلة بذاتها. ولهذا يمكن ان تكون الاعمال صغيرة جدا وكبيرة الى ان تصل الى عدة امتار دون ان تفقد خصوصيتها.
احيانا يدرك المتلقي للعمل احساس بان الأعمال هي تحدٍ لطبيعة مادة الحديد، اي هي تحد يعطي احساسا بالضد لطبيعة المادة المتعارف عليها لدى المتلقي، من اجل خلق نوع من الإدراك الجديد للمادة.
البساطة المعقدة هي أساس مهم في الرؤية الرئيسة في مختبر احمد البحراني الفني، فهو يعمل بدقة ووعي كبيرين على اقامة معادلة خاصة به. اضافة الى ذلك الاختزال الجريء في اللون. هو يريد للمتلقي الاندماج بعوالم العمل ذات اللون الواحد المتعدد التونات في الاغلب، لاكتشاف تفاصيل حسية دقيقة وجديدة. وحضور المتلقي بجانب العمل يضفي على العمل الواناً جديدة عن طريق انعكاس الضوء والألوان المحيطة بالعمل على العمل نفسه.
''هناك قلق وخوف من المجهول ـ أنا غير مستقر، حتى أعمالي غير مستقرة، تقنيا العمل ثابت لكن شكلاً غير ثابت. أهم شيء هو قناعتي وايماني بالعمل، ثانيا المفروض ان يكون هناك اتقان ليساهم بنجاح العمل. العمل يجب أن يستوقف المتلقي، هنا اعني المتلقي الواعي. الأحجام الكبيرة تدهشني لأن أثناء العمل مع الأعمال الكبيرة يذهبُ الكثير من همومي وأحقق جزءا من أحلامي''.
اعمال البحراني الفنية تحمل مفردات رمزية ــ احياناً متعارف عليها كالشمس والكرسي والدراجة الهوائية واحياناً اخرى تجريدية صعب حل رموزها واخرى تجمع الاثنين معا. في كل هذهِ التجليات يكون العمل مركّبا من مجموعة من الفورمات/الاشكال المتنوعة في حركة ديناميكية قد تكون سريعة وقد تكون بطيئة جداً تبحث عن اتجاه لإدراك الفضاء الآني المعاش والآتي في آن واحد. في الغالب يقوم بناء التركيب في العمل على منظومة الخطوط الملتوية تارة بحذر وبتشذيب كبيرين واخرى بتلقائية وبساطة قد ترى للوهلة الأولى على انها غير مدروسة، هذا كله يعطي للعمل وللمادة المستخدمة (الحديد) بعداً جماليا آخر هو الروح والانتماء للطبيعة (organic form). هذا الانطباع والإحساس بالعمل حاضر رغم اختلاف الحجم ومكان العمل، داخل قاعة العرض او في الاماكن العامة.
ماذا تريد ان تخبر المتلقي في أعمالك؟ "انا مذهول بالتاريخ لكن وصلت الى نتيجة ان التاريخ احياناً قد يصبح عائقا، أنا ولدت في مدينة بابل التاريخية وأول عمل شاهدته في حياتي هو أسد بابل. لديّ هم جزء منه تاريخي لكني أعيش في الحاضر ايضا والحاضر هو همّي الأكبر، هناك تقنيات حديثة معاصرة تعطي للفنان آفاقا اخرى واحتمالات عديدة." فترة توقف ''لدي الكثير لقوله وأنا انتج بغزارة''.
أشكال الأعمال بمافيها من ثنائيات ورموز وتجريد تعطي فرصة للخيال. المراد هنا معنى الخيال بالمفهوم البارتي (1980-1915 Roland Barthes) المبني علي مدرسة لاكان (1981-1901 Jacques Lacan) الذي يقول بتطور الخيال. اي ان الخيال هو تفاعل وليس صورة واحدة ثابتة، قد يبدأ الخيال بصورة او تصّور واحد لكن يتطور هذا التصور وتتطور هذه الصورة الى تفاعل ذهني وتفاعل حسي. اي ان المشاهدة لا تنتج صورا متخيلة فحسب بل تنتج تفاعلا معرفيا وصوريا يتطور بشكل مستمر ( process).
تجربة أو مشروع البحراني هو مشروع مستقر مبني على التراث النحتي وعلى مشاهدات وبحث مستمرين. ما يضيف بعدا آخر لهذا المشروع أو هذه التجربة المهمة هو الانتقال أو بمعنى اخر التحرر من الاستقرار الى عدمه، اي هو محاولة لاكتشاف الطريق للوصول الى افق بعيدة وعوالم غير متوقعة او الى البحث للوصول الى (التجلي) بالمفهوم السهروردي الصوفي الجليل للعالم (1155 ـــ 1190م ).
التجربة الفنية بشكل عام عملية معقدة ومخاض وبحث مليئة بالاكتشاف والتجريب. الأسلوب هو جزء من هذه التجربة. الأسلوب والاشتغال على مادة واحدة قد يصل بالفنان والمتلقي معا الى عوالم مدهشة ومتجددة وأحيانا اخرى يتحول الأسلوب الى قيد يحدد حركة التمرد لدى الفنان.
كان بيكاسو ( فنان اسباني 1973 - 1881) يغير عوالم عمله الفني بشكل كامل كلما مرّ بتجربة حب مع إمرأه او كلما مرّ العالم بحدث سياسي او انساني. لكن كالدر(1898-1976 Alexander Calder) عشق الحديد واخلص له حتى النهاية وابدع عوالم مدهشة متحركة وغريبة، احيانا تشاهدها في مدينة مكتظة بالناس و احياناً اخرى تشاهدها في الطبيعة بين الاشجار محاطة باللون الأخضر.
هل الحديد واحتمالاته محطة دائمة في مشروع البحراني، أم العمل مع وعلى الحديد مرحلة ومقدمة لشيء قادم لمادة جديدة ذات مواصفات خاصة تحمل آفاقاً جديدة تغوي وتتحدى البحراني في البحث والخلق؟
التعليقات
Very nice
samar -I like it.
Very nice
samar -I like it.
جميل
امل حسين -جميلة هي الغربه عندما يكون اصدقاؤك مثل البحراني ويُشكر العراق عندما يقذف بنا الى المجهول بمعية اناس مثل البحراني فليسرقوا النفط ويدمروا البنى التحتية والفوقية مادامت قمم العراق الحضارية والبحراني احداها مازالت وستبقى تعلّم الانسانية جمعاء كيف تتحضر وترتقي وعندها يزهو المنفى ويبقى الامل.
جميل
امل حسين -جميلة هي الغربه عندما يكون اصدقاؤك مثل البحراني ويُشكر العراق عندما يقذف بنا الى المجهول بمعية اناس مثل البحراني فليسرقوا النفط ويدمروا البنى التحتية والفوقية مادامت قمم العراق الحضارية والبحراني احداها مازالت وستبقى تعلّم الانسانية جمعاء كيف تتحضر وترتقي وعندها يزهو المنفى ويبقى الامل.
دهشة اللا معنى !!
Ali Almimr -دهشة اللا معنى !!اعتقد انه من المبالغة الخوض في هكذا مفاهيم ومحاولة ايهام القارىْ بحقيقة هذه الاعمال ووصفها،، كونها ابعد ماتكون عن مفهوم النحت الحقيقي عدا كونها تجارب مستنسخة ..اذ انها لا تعدو ان تكون مواد ممكن تشكيلها بتكوينات عفوية تفرضها طبيعة الخامة احيانا و لا تحتاج الى الكثير من المهارات العملية المكتسبة والتي يمكن لاي حرفي تنفيذها.. ومن ثم اذا اردنا ان يكون لهذا شأن كبير جئنا بمن يكتب ويهلل لهذا حتى نفهم الجمهور ان هذا هو قمة الابداع وماالى بعد الحداثوية الماورائية الانفلاتية...............الخ ... وكلنا يعرف الاساليب والطرق التي يتم فيها تقييم وتسويق هكذا اعمال ..! ولو اردنا ان نقيم اي تجربة فلا بد ان نستعيد جذورها ونشأتها الفنية ..اذ ان اتقان الفنان للنحت الاكاديمي هو المقياس الاول وهذا ما تعلمناه ليس في العراق فقط ولكن في جميع مدارس الفن العريقة في العالم .. ولا اعتقد بأني ومن خلال متابعاتي قد رأيت اعمالا ضمن هذا الاتجاه لصاحب هذه التجربة ... مع التقدير
دهشة اللا معنى !!
Ali Almimr -دهشة اللا معنى !!اعتقد انه من المبالغة الخوض في هكذا مفاهيم ومحاولة ايهام القارىْ بحقيقة هذه الاعمال ووصفها،، كونها ابعد ماتكون عن مفهوم النحت الحقيقي عدا كونها تجارب مستنسخة ..اذ انها لا تعدو ان تكون مواد ممكن تشكيلها بتكوينات عفوية تفرضها طبيعة الخامة احيانا و لا تحتاج الى الكثير من المهارات العملية المكتسبة والتي يمكن لاي حرفي تنفيذها.. ومن ثم اذا اردنا ان يكون لهذا شأن كبير جئنا بمن يكتب ويهلل لهذا حتى نفهم الجمهور ان هذا هو قمة الابداع وماالى بعد الحداثوية الماورائية الانفلاتية...............الخ ... وكلنا يعرف الاساليب والطرق التي يتم فيها تقييم وتسويق هكذا اعمال ..! ولو اردنا ان نقيم اي تجربة فلا بد ان نستعيد جذورها ونشأتها الفنية ..اذ ان اتقان الفنان للنحت الاكاديمي هو المقياس الاول وهذا ما تعلمناه ليس في العراق فقط ولكن في جميع مدارس الفن العريقة في العالم .. ولا اعتقد بأني ومن خلال متابعاتي قد رأيت اعمالا ضمن هذا الاتجاه لصاحب هذه التجربة ... مع التقدير