ثقافات

الموتُ كان الأملَ: انطباعٌ عن مسرحية "مملكةُ الكريستال"

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

.....التي هي زمنٌ لا ينتمي الى زمن. موتٌ عشوائي يتمشى في شوارع مدائنا.عفنٌ ونفايات، حزنٌ ابديّ يشخبُ دماً،لا من مُسعفٍ، ولا من أحد يتصدّى للموت.بل حيواتٌ تهرقُ وتُصفّى. وحقٌّ يضيع.لكنّ هذا القبحَ الآسن َبرائحته النتنة تحوّلَ الى ايقونة فنيّة وجمالية حين صَعدَ على خشبة المسرح. وتسرّب من قصيدة الشاعر موفق محمد "عبدائيل" ليكون عملاً درامياً أبكى وأوجع جمهوره، بل شتم وأهان، ورثى الزمن العربي الذي عمّه الخراب والإحترابُ. من فضائل هذه المملكة العفنة أنها وقفت على قدميها تسألنا ولا نُجيب، وتُحرّضنا ولا نستجيب. ثمّ ظلّت تُضنكنا وتضحك علينا. كان الفضلُ في هذا الألق الشعري / الذي كتم أنفاسنا قرابة ساعة، وعصَرَ دهشتنا وذهولنا / للمخرج العراقي المغترب في السويد سلام الصكر وللمثلة المبدعة نضال عبد الكريم وللفنان المتميّز / حيدر أبو حيدر/ الذي أعد مملكة الكريستال من قصيدة استوحى فكرتها وأسّسَ بنيتها الدرامية عليها. ومثّل فيها مع زميلته. هؤلاء ينتمون جميعاً الى فرقة ينابيع المسرح العراقية / جنوب السويد / فكان الإبداعُ العراقي برمته حاضراً في هذا العمل الباذخ الذي تحدّى فقر الإمكانات التي تُعزّز نجاح أيّ عمل درامي، كضيق الفضاء المسرحي وشحّة ِالسينوغرافيا، والإضاءة.. إنّ خشبة َ المسرح، في هذه القاعة، مُكرّسة ٌ أصلاً للقراءات الشعرية ولعزف الموسيقى والغناء الفردي. لكنّ الإبداع صِدامٌ مع المستحيل، وتحدّ ٍلخلق المُمكن. هنا في بلاد السويد، وفي عموم المدائن الأوروبية المسرحُ متعة ٌ واستذكار الروافد الثقافية وتعميق الوعي والفكر بما يُغنيهما. وتحوّلَ عندنا الى كوميديات بائسة تُلبّي حاجة المشاهد الآنية الذي جاء ليُعبيء صدره بالضحك.ويُمضي ساعة ً أو ساعتين في اجترار" المكسرات " والتعليق على جريان العمل المسرحي همساً او بكلام مسموع. بيد أن سلام الصكر مع كادره التمثيلي والعملي وضعنا في موضع الإنبهار وكتم الأنفاس، وأشعل فينا الحرائق وصرنا نتخبط في دوّامة المشاعر، تارةً أبكانا، واُخرى أضحكنا، ومرّات أذهلنا وأماتنا وشتمنا. ووضعنا حَيالَ الوضع العربي من مشرقه حتى مغربه،الآهلِ بالوجع والفجيعة واسترخاص دم المُواطن، الذي يعيشُ في درك الفقر والمهانة في دول من أغنى بلاد الأرض، إذْ الإنسانُ فيها أرخصُ من قشّة. على الرغم من أن كلّ قامعي حياتنا ومصائرنا مسلمون ظاهرياً ومصاصو دم في سلوكهم. فما أن يختفي جلاد يجيءُ مفبركو السياسة العالمية بآخر أشدّ فتكاً وبطشاً ولصوصية يغطشون مسراتنا وحياتنا. يُذكرني ما ذكرتُ بقصيدة الشاعر عدنان الصائغ حين قال ما معناه، ما ان نودّع جلاداً ونصفّقُ لرحيله ونرتاح، حتى يُفاجئنا آخرُ ونراه على شاشة التلفاز. فيُحبط َ فرحنا وأملنا. فثمتَ قوى مرئية ولامرئية تصنعُ هؤلاء الجلادين، وتُهيءُ في ذات الآن نعوشهم وتوقّتُ آوانَ رحيلهم..
مملكةُ الكرستال / التي هي مملكةُ الدم وحزّ الرؤوس، واغتيال الفرح والأمنية والأمل. وضعتنا في حيز صغير ممّا يحدثُ في عالمنا العربي.وأمامنا امرأةٌ ورجل،هي قتيلٌ في تفجيرات شارع المتنبي وهو قتيل في انفجارآخر. هي مجهولة الهوية حظها أفضل من الرجل القتيل، محفوظة في برّادِ الطبّ العدلي ومحظوظة، بينما الرجل مُلقىً في أحد براميل القمامة، يُضيّفُ الكلابَ السائبة فصار طعام َموائدها، تأتيه كلما عضّها الجوع..، فآنسَ اليها وآنست اليه. وجسدُه مثخنٌ بالجراح، القتلة ُ في سوح القتل مجهولون ومعلومون، لكنّ السلطة َالقمعية َ تتغاضى عنهم،كونهم أعداء الثقافة، خارج اسوارها، هم العصا الغليظة ُ التي تعرقلُ عجلة الزمن الماضية الى المستقبل.. بدءاً يصعدُ الميّتُ الحيُّ قبلها الى خشبة المسرح، يحدّثنا عن موته الفاجع، لكنه بدأ يحبُّ مثواه، فهو لا يشعرُ بالوحشة فيسمع عواء الكلاب ويُحسّ أنه بين براثن حياة من نوع ما، وبرغم حزنه على موته الضائع المجهول الذي لا يكترثُ به أحدُ،الا أنه سعيد يستمتع بضجيج الكلاب وهي تنهشُ لحمه وعظمه. ثُمّ تُفاجَئهُ المرأةُ، تقتحمُ عزلته إبّانَ كان يُخاطبنا. فنُصيخ اليه السمعَ... ويتحاوران، هي ميتةٌ مجهولة ٌ وهو ميّتٌ مأكول ٌ. فيتبادلان مثواهما. فيضيق ذرعاً بمرقده الجديد في جوف برّاد من برادات الطب العدلي. يُباغتُه البردُ الشديد والظلمة. ويظهر مرّة اخرى ليُقاطع المرأة الميتة، مُصِرّاً على العودة الى برميل القمامة فقد آنس الظلام في الهواء الطلق بين نواجذ الكلاب ونباحها وهريرها. هو ههنا له جيرانٌ أحياء، وهنا ك، في براد الطب العدلي، جيرانُه أمواتٌ يغطّون في سابع موتهم. وبرغم ضيق المساحة والفضاء المسرحي وتكدّسهما بالنفايات، فإنً حركتهما كانت مرنة ومدروسة ومنضبظة فيها ايحاء ولغة ٌ واشارة وتعبير، وأداءهما نمّ عن وعي ٍجاد ٍ، فكما اللغة تحكي وتُعبّرُ وتؤشرُ وتهمزُ وتلمزُ فمرونة ُالجسد تضافرت مع الحوار وشكّلا معاً سيمفونية ادائية في ذروة التألق. كان رجعُ الميّتين الى خشبة المسرح، لا الى سخونة الحياة، تذكيراً لنا بأننا نحنُ مَنْ أوصلنا مصائرنا الى سوح المنايا. فنحنُ مَنْ تركنا جلادينا يستغرقون في السلب والنهب وتكنيز الغنائم على حساب أمننا وحياتنا. مملكة ُ الكرستال حكايةُ موت الأحياء وان لم يموتوا بعدُ، فهو السيّدُ السائدُ في زمن الأحتراب والخراب والسعير السياسي. سلام الصكر شيّد/ بالإعتمادعلى ما أعدّه ممثله المبدع حيدر أبو حيدر / هذا العالمَ السريالي خيالاً، الواقعيَ الساخن نبضاً وديمومة ً. المسرحيةُ فقيرة ٌ في أدواتها التي تثري بنيانها، غنيّة ٌ في تفوّقها الآبداعي، كلُّ ما يتمرأى للباصرة وللسمع كانَ شخصية ًبطلة ًلها ثقلها الإبداعي المُؤثر، حظيت برضانا واقنعتنا، بدءاً بالممثلين،المُدهشين المبدعين، حتى نبيح الكلاب وأكياس القمامة وصندوقها الأخضر، الذي لا وجودَ لمثله في أحياء مدائننا الا في المنطقة الخضراء. وكذا الستارة المترهلة والضياء الخافتُ والموسيقى الخجول التي كانت تجيء نثيثاً متقطعاً. المسرحية ُ هي موتُنا الفاجع الذي يتمشى بخُيلاء في الشارع وفي السوق. مكتظة ٌ بالملح والنار والجراح. انّها مرثية ُالزمن الفاجع، النصُ المسرحيُّ والإخراجُ المتقن والتمثيلُ المُعبّرُ المتألق انسانا جراحنا النازفة واشعل دهشتنا في زمن الوجع العربي.فقد تمتع جمعُ العراقيين والعرب في تلك القاعة بهذه الرائعة الفنيّة بكلّ أطيافهم. فسلام الصكر صِدَاميٌّ في المسرح، لا يُجاملُ ولا يُصافحُ الحياد. بل واقعي حدَّ العضّ بالنواجذ والطعن بالسكاكين. لذلك آلمنا وأفجعنا، أبكانا وأضحكنا. أثار سخطَ البعض، وأطفأ غلة آخرين. وما عرضته المسرحية ُ أشياء يعرفها الجميعُ ويكتمونها مثلَ مرض عُضال ٍ، الا أنّ الصكر كشف غطاءها، وأبانها وعرّاها، بل صفعنا بها.وليكنْ ما يكون. حسبُ الإبداع أنه يتسلح بالجرأة، يُعزّزُ دوره الفاعل وفق حاجاتنا القصوى، وفي كلّ آن ٍ وظرف. تحية ً لكلّ مَنْ اشعل هذه الشمعة المُضيئة في قيعان ذواتنا المعتمة، واستصحبنا خلال ساعة في متعة لذيذة، وأطفأ أوار مكبوتاتنا المضمرة فينا.مشدودين بحميمة الى مجرى هذا العمل الجريْ، نتقلب شمالاً ويميناً بين متعة آنية، واستغراق في الألم الذي لا يؤلم، بل يُضنك البالَ ويدعونا الى التأمل والإنتظار..........

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
انطباعات
عادل سلام حيدر -

على مدى ساعة او اكثر قليلا تحولت صالة العرض الى براد في الطب الدلي وحاوية نفايات شممنا رائحتها وعفونتها دون ان نعرف محتوياتها .. ظلت المسرحي تحاكمنا دون ان نستطيع الدفاع عن انفسنا..ضحكنا على انكساراتنا في زمن لا ينصفنا ولا يقبل ان يكشف لنا براءتنا..استولت الكلاب على كل القاعة(قاعة العرض) وكذلك الجرذان شعرنا انها تتحرك بين اقدامنا.. رغم ضيق المسرح حيث لاعمق يعطي للممثل حرية الحكة ويعطي للسينوغراف جغرافيا معقولة لكن المخرج المبدع راهن على حركة الممثلين الذين اجادوا ايما اجادة في الاقناع والتعبير والمشاكسةالممثلة نضال كريم حيث تخرج من براد الطب العدلي كان لها حضورا مميزا استطاعت ان تمسك خيوط اللعبة المسرحية التي ماعادت لعبة منذ الدقائق الاولى للعرضالممثل والمعد حيدر ابو حيدر كان يمتلك كل ادواته الفنية جسدا و القاءا متميز وتعبيرا محترفا خرج من حاوية نفايات وبرقبته كاميرا فوتغرافيا ليؤرشف لنا فجيعتنا .. ضحية كاتم صوت حلق في الفضاء ولامس الجمهور الذي تفاعل حسيا وذهنيا مع العملنص رائع يستحق التأمل واخراج في قمة الروعةمبروك لفرقة ينابيع للمسرح ومزيدا من هكذا اعمال لامست وجداننا و عقولنا

انهم مبدعون
قاسم حسن -

ليس غريبا على مبدع كسلام الصكَر المولع بالمسرح الذي لم يجن منه غير الويلات سلام الذي طالما يحلم بمسرح غير المسرح الذي نراه يبقى صامدا ثابت بخطواته رغم كل مايحيط بأفكاره وتطلعاته المسرحية من أشواك فهو وعلى خواء معدته قويا بطلا في المسرح انه مبدع ويبقى مبدع وكذلك للفنان حيدر ابو حيدر الذي لايهدأ دون ان يكون على المسرح ومنه وله ممثلا تارة ومخرجا او معدا لعمل تارة اخرى ويسجل له انه شارك ممثلة عراقية مبدعة كنضال عبد الكريم هجرت المسرح منذ عقود وهاهو يعود بها وتعود به مبدعة شامخة على المسرح وبالرغم من كل الامكانيات الضعيفة من مقومات العمل المسرحي ومكملاته من تقنيات في القاعة والاضاءة وغيرها ينهض بالمسرح ليشار لهم بالبنان انهم مبدعون ولاخوف على المسرح العراقي ان وجدت فيه هكذا طاقات خلاقه مبدعه كسلام وحيدر ونضال انهم مبدعون

انطباعات
عادل سلام حيدر -

على مدى ساعة او اكثر قليلا تحولت صالة العرض الى براد في الطب الدلي وحاوية نفايات شممنا رائحتها وعفونتها دون ان نعرف محتوياتها .. ظلت المسرحي تحاكمنا دون ان نستطيع الدفاع عن انفسنا..ضحكنا على انكساراتنا في زمن لا ينصفنا ولا يقبل ان يكشف لنا براءتنا..استولت الكلاب على كل القاعة(قاعة العرض) وكذلك الجرذان شعرنا انها تتحرك بين اقدامنا.. رغم ضيق المسرح حيث لاعمق يعطي للممثل حرية الحكة ويعطي للسينوغراف جغرافيا معقولة لكن المخرج المبدع راهن على حركة الممثلين الذين اجادوا ايما اجادة في الاقناع والتعبير والمشاكسةالممثلة نضال كريم حيث تخرج من براد الطب العدلي كان لها حضورا مميزا استطاعت ان تمسك خيوط اللعبة المسرحية التي ماعادت لعبة منذ الدقائق الاولى للعرضالممثل والمعد حيدر ابو حيدر كان يمتلك كل ادواته الفنية جسدا و القاءا متميز وتعبيرا محترفا خرج من حاوية نفايات وبرقبته كاميرا فوتغرافيا ليؤرشف لنا فجيعتنا .. ضحية كاتم صوت حلق في الفضاء ولامس الجمهور الذي تفاعل حسيا وذهنيا مع العملنص رائع يستحق التأمل واخراج في قمة الروعةمبروك لفرقة ينابيع للمسرح ومزيدا من هكذا اعمال لامست وجداننا و عقولنا