ثقافات

عودة إلى كلاسيك السينما (12): "مدافع نافارون"

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

حميد مشهداني من برشلونة: في بداية الستينات، وبعد عرض الفيلم في بغداد صار هذا ايقونة عشاق السينما في تلك المدينة الجميلة والمسالمة انذاك، فعرضه كان شبه مستمر في كل دور السينما العديدة، من شارع السعدون الى علاوي الحلة مرورا بحي الشواكة. وحتى عنوان الفيلم صار مصدرا للعديد من الامثال الشعبية.
في ذاكرتي طريفة تتعلق بهذا الفيلم، حينها كنت اعاني من وعكة صحية بسبب برد ذالك الشتاء الستيني وكنت مردتديا "روب" فوق ملابسي العادية حينما فاجأني بعض الاصدقاء بزيارة دون سابق انذار، وهم في طريقهم الى دار "سينما زبيدة" وهذه كانت قريبة من البيت نسبيا، الفكرة كانت ان ارافقهم لمشاهدة فيلم "مدافع نافارون" وهذا كنت قد شاهدته سابقا في سينما "ريجينت" وبعد الملحة، والاخذ والرد وجدتني في واحدة من عربات النقل الشعبية السريعة التي تغطي الطريق بين "علاوي الحلة" وحي "الكاظمية" وبيتي كان في شارع موسى الكاظم الذي يربط كل الاحياء المحاذية لنهر "دجلة" العظيم، لم تنفع حججي أني شاهدت الفيلم، بجانب علتي الصحية ذالك المساء، اقتنعت اخيرا بينما كانت عربة النقل تقترب بسرعة اسوار مقبرة "الشيخ معروف"، كان سعر السفرة 10 فلوس، وبطاقة السينما كان سعرها 40 فلسا.
شاهدنا الفيلم، و خرجنا من "سينما زبيدة" التي كانت مشيدة حديثا، و كانت دار عرض انيقة في حي شعبي، و في البهو كان من العادة ان يتجمع المشاهدين لتبادل الانطباعات عن الفيلم و شرب قناني "بيبسي كولا"، في هذا الحال كنت مع اصدقائي حين اثار انتباهي نظرات وهمس بين فتاتين، انا كنت هدف الهمس هذا و كنت فخورا به لمدة عشرة ثوان، لم يكن ذالك أعجابا بي و حالا اكتشفت انني

مازلت مرتديا "الروب" فوق ملابسي كما بهلوان في سيرك، و شعرت باحباط، و خجل ضاعف قلة مناعتي الصحية، و عاتبت نفسي نسيان هذا الروب اللعين فسارعت الاختفاء خلف احدى الستائر لاانزع هذا الرداء السخيف كي اظهر بعد لحظة في صورة اكثر سخافة، ففي ذالك الشتاء البارد كنت ارتدي ملابس خفيفة، في هذا المظهر المضحك لبعضهم، و المبكي لي، و الروب الملفوف تحت ابطي لم اجد حلا غير الاسراع في الخروج من الصالة كي ارتمي في المقاعد الاخيرة في واحدة من العربات التي تمر منزلي، لاعنا طريقة اصدقائي هذه الدعوة.
في فترة المراهقة اكثر ما كان يثيرنا من الافلام كانت "طرزان"و "هرقل" و افلام "الكاوبوي" حيث لا قنابل و لا متفجرات هائلة، هذا كان تحولا في طريقة المشاهدة للسينما، و بدا اهتمامنا بما يسمى اليوم افلام "الاكشن".
بجانب العنف والمغامرة يطرح الفيلم قضايا انسانية و عاطفية، و مواقف اخلاقية حاسمة، فحربية الشريط لم تترك جانبا طراوة المشاعر الانسانية السامي منها والساذج، و حتى الشكيك الوجودي في جدوى الحرب، و نرى في نسبة متعادلة الشرط الانساني في اطار مثير ملئ بالمغامرة والتوقع.
فيلم "مدافع نافارون" الذي انتج في عام 1961 بتعاون بريطاني -اميركي من قبل شركة "كولومبيا" يعيد الى الذاكرة وسائل صناعة السينما قبل 5 عقود، أقصد أفلام الحرب و المغامرات، ففي ذالك الحين كان الابداع في هذا المجال يبدو حرفيا، و يدويا، لو نقارنه بافلام الاكشن المعاصرة. حيث تبنت صناعة السينما الان اداة "الكومبيوتر" لخلق أكثر اللقطات اثارة بالنسبة للمشاهد، فاليوم شركات الانتاج السينمائي ليست بظرورة ان تعاقد الاف من "اكسترا" كما في فيلم "سبارتاكوس" ل"كوبريك" او "لورنس العرب"ل "ديفيد لين" مثلا. نأخذ فيام "المصارع"ل "ردلي سكوت"وهو شريط رائع بدون شك، و لكن المخرج صنع اكثر من نصفه مستخدما "ديجيتال"الكومبيوتر المتطور، وهذا صار عاديا في يومنا هذا، الجميل في هذا الفيلم الذي نحن بصدده الان هو ان الحكومة اليونانية قدمت للمخرج كل وسائل و امكانيات وزارة الدفاع من عربات، و مدرعات حربية، و الافا من الجنود كي تمنح نوعا من الواقعية للشريط.
قصة الفيلم تختصر في محاولة قوات الحلفاء تدمير حصنا مطلا على بحر "ايجة"كانت القوات النازية قد استولت عليه في بداية الحرب العالمية الثانية، حيث نصبت اقوى الاتها الحربية في مرتفع حيث تقع قرية "نافارون" وهذه كانت المدافع المدمرة و الرهيبة، و البعيدة المدى و التي كانت لا تسمح لاأساطيل الحلفاء في التحرك بحرية في هذه النقطة من البحر المتوسط، و هذا أقلق الحلفاء و الحكومة البريطانية بشكل خاص، و تدمير هذه المدافع صار امرا مصيريا، و لكن وعورة موقعه، و الدفاع الجوي الالماني المحكم كان يجعل مستحيلا تنفيذ هذه المهمة. و هنا تلجاء وزارة الحرب البريطانية الى محترفين من مقاومي النازية مثل "كيث مالوري"الذي يؤدي دوره بقناعة رائعة "غريغوري بيك"1916-2003 وهو خبير في تسلق الجبال، هذا كان الشرط الرئيسي، وخبيرا في المتفجرات، و بسبب تعاونه السابق مع المقاومة ضد النازية في اليونان تختاره المخابرات البريطانية ليعود الى اليونان مع فريق خاص من الجنود، خلف خطوط العدو، و بعد الهبوط في مظلات، تبدأالرحلة القاسية الى "نافارون" بجانب أفراد المقاومة اليونانية، رحلة مليئة بالمغامرة و التوقع الذي يأخذ الانفاس، حيث يظهر الحقد الضغين السابق بين "مالروي"و "اندريه ستارفروس"الذي يؤدي دوره "انتوني كوين"1915-2001 في أجمل اعماله السينمائية، و بأعتقادي ان المخرج الاميركي "ج. لي تومبسون"1914-2002 اللاجئ في بريطانيا بسبب عدم تعاونه مع لجنة مكافحة الشيوعية التي قادها السيناتور السكير"ماكارثي"، أراد ان يخلق جزا من الاسطورة الاغريقية باضافة "اوليسيس"المشهور في الالياذة بذكائه وشجاعته، و هذا ما يحصل مع "انتوني كوين" فهو احيانا "داهية" جبانا امام الالمان، و شجاعا احيانا أخرى حسب شروط المغامرة. ثم تتفجر المشاعر الانسانية في حالات عالية في الحدة بين المجموعة حينما يتركوه أسيرا جريحا بيد الالمان و بعلومات غير صحيحة حول الخطة، و هم على يقين بأن رفيقهم هذا سيعذب حتى الموت، هنا واحدة من قمم الفيلم حيث يبدأ نقاش حاد حول جدوى الحرب بين قائد المهمة و "ديفيد نيفين"1910-1983 الذي يلعب دور ضابط احتياط أجبر على المشاركة في هذه المهمة، وهنا لا يترك المخرج فرصة طرح الفكاهة الانكليزية الشهيرة على لسان هذا الضابط ليعطي للفيلم نوعا من المرح بين لحظة و أخرى، هنا اقصد الفكاهة الانكليزية الذكية،
عنوان الفيلم هو "مدافع نافارون" ولكننا لا نرى الا الدقائق الاخيرة منه، حيث تنتهي العملية بنجاح، ولكن القصة التي كتبها الكاتب الاسكتلندي "اليستر ماكلين" 1922 - 1987 الشهير برواياته الحربية، هنا يركز على الشرط الانساني و يطرح غرابة هذا في ظروف الحرب. النزاع بين الضمير و الواجب الوطني و العسكري و نتائجه، من سيحسم هذا امام وضع محدد و حرج في حالة مصيرية؟ ففي سفرة المغامرة المصيرية هذه نرى كل الانفعالات الانسانية. من الحب الى الحقد و الخيانة.
في هذا الفيلم تدخل الممثلة اليونانية "ايرين باباس"1926. ابواب هوليوود في أفلام لاحقة، تؤدي دورا عالي الانفعال كعضوة في المقاومة اليونانية ضد النازية، في الفيلم تتخلى عن اصلها المسرحي لتواجه الكاميرا السينمائية بحرية تثير الاعجاب.
موسيقى الفيلم يضعها واحدا من اشهر مؤلفي الموسيقى التصويرية على مدى العقود السبعة الاخيرة "ديمتري تومكين" هذا يجهد في البحث الموسيقي اليوناني الشعبي بالحانه و ادواته الموسيقية الشرقية،، مثل "العود" و أجمل المقاطع هي تلك التي تعزف و تغنى في حفل زفاف.
اما التصوير كان على عاتق المحترف "اوزوالد مورس" كان رائعا ولو كان تصويره عاديا لما فاز بجائزة الاوسكار اثنين من خبراء المؤثرات التصويرية "بل وارنغنتون"و "كرس غرينهام". كان الفيلم قد رشح الى 7 جوائز اوسكار في 1962.
أهدي هذا المقال الى السينمائي -جمال السامرائي-

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تصحيح
Hamid Al-Meshhedani -

كان الفيلم مرشحا لجوائز الاوسكار في عام 1966 و ليس في 1962 كما يبدو في نهاية المقال .أسف على الخطأ ////////////............من المحرر: رشح عام 1962 لسبع جوائز أوسكار وفاز فقط بجائزة اوسكار المؤثرات الخاصة...الفيلم عرض عام 1961 عالمياوافتتحت سينما غرناطة في بغدادبهذا الفيلم، أي كان أول فيلم يعرض فيها

تصحيح
Hamid Al-Meshhedani -

كان الفيلم مرشحا لجوائز الاوسكار في عام 1966 و ليس في 1962 كما يبدو في نهاية المقال .أسف على الخطأ ////////////............من المحرر: رشح عام 1962 لسبع جوائز أوسكار وفاز فقط بجائزة اوسكار المؤثرات الخاصة...الفيلم عرض عام 1961 عالمياوافتتحت سينما غرناطة في بغدادبهذا الفيلم، أي كان أول فيلم يعرض فيها

نافارون..وبحر ايجة !!
امير الكردي العراق -

الاخ المشهداني..عدت بنا الى الماضي القريب والبعيد ! الفلم عرض في سينما غرناطة بين عامي 63 و 1964 وكان فلما رائعا وفيها ممثلون عمالقة ..وبفس الةقت استوقفت عند كلمتي ( بحر ايجة ) وتذكرت كم من العراقيين وعوائلهم قضوا في هذا البحر المخيف وخاصة عند هياجه وفي الليل البهيم واصبحوا طعاما لاسماك القرش.. و(المحظوظ) فيهم ان عثر على جثته وتم انتشالها ..شكرا اخي الكريم على اختيارك لهذا الفلم وننتظر اختياراتك القادمات ..

نافارون..وبحر ايجة !!
امير الكردي العراق -

الاخ المشهداني..عدت بنا الى الماضي القريب والبعيد ! الفلم عرض في سينما غرناطة بين عامي 63 و 1964 وكان فلما رائعا وفيها ممثلون عمالقة ..وبفس الةقت استوقفت عند كلمتي ( بحر ايجة ) وتذكرت كم من العراقيين وعوائلهم قضوا في هذا البحر المخيف وخاصة عند هياجه وفي الليل البهيم واصبحوا طعاما لاسماك القرش.. و(المحظوظ) فيهم ان عثر على جثته وتم انتشالها ..شكرا اخي الكريم على اختيارك لهذا الفلم وننتظر اختياراتك القادمات ..

تسلم
احمد -

الاخ المشهداني شكرآ على هذا المقال. شاهدت الفلم في سينما غرناطه حيث كان لعائلتنا(لوج)في الطابق الثاني اذا لم تخني الذاكره. كلمه لوج في اللهجه العراقيه الدارجه تعني مجموعه من الكراسي معزوله وتتكون من اربع كراسي .

لزمن الجميل
ابو ياسر الموسوي -

شكرا الى كاتب المقال لقد ارجعتنا الى حياة كانت رائعه واصبحت في الذاكره حياة الحب والبساطه عشناها في واقعنا وعاشت معنا في ذاكرتنا شكرا الى الاخ المشهداني