ثقافات

ياسمين شويخ تجرّب تعويذة سينمائية لهزيمة "الجن"

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عبد الرحمن الماجدي: أجاد أبو العلاء المعري في رسالة الغفران توظيف كائنات الجن في رحلة بطله بن القارح للحياة الأخرى من خلال لقائه شعراء منهم، مرسخاً الاسطورة العربية القديمة بفضل الجن على الشعراء في قرض الشعر. ويوزعهم المعري بخياله الخصب في أطباق الجحيم أو طبقات الجنان، أسوة بشعراء البشر حيث يورد على لسان كبير شعراء الجن أبو هدرش تساؤلهم عن سرقة أشهر شعراء العرب لقصائد هي لشعراء من الجن. وكبقية البشر يورط المعري الجن بآرائه خاصة النقدية منها حيث يعجز المنقود عن الوصول للجن وربما رد برأي مغاير ينسبه للجن أيضاً.
فمن يقوى على الاقتراب من كائن من نار؟ لو سكن جسد أحدهم لذهب بعقله وجسده وربما حياته كلها، حسب درجة رسوخ الاسطورة الجنية وقوتها في البيئة التي يحيا فيها المسكون.
استحضار الشعر والجن هنا يستدعيهما فيلم "الجن" للمخرجة الجزائرية ياسمين شويخ الذي تزخر فكرته برموز وصور وقصص شعرية في حياة "عنبر" الممثلة خديجة مقاوم بطلة الفيلم التي تأتلف مع الجن وتكتشف محاسنه في تجاوز خوفها من ذاتها ومن مجتمعها القاسي.
فلم تعمد المخرجة لتلبية ما يتوقعه المشاهد من عنوان الفيلم حيث دأبت كبرى شركات الانتاج السينمائي على توظيف الجن في أفلام الرعب والقتل. بل عمدت لدمج صور المكان الساحرة كقصائد كتبتها الطبيعة الصحراوية مع رموز أسطرتها بنفسها لتشكل أحداث قصة قصيرة عن عنبر وقبيلتها في عمق الصحراء مع الجن الذي تعتقد القبيلة أنه تلبسها.
في هذا الفيلم القصير (20 دقيقة) تواصل المخرجة شويخ خطاها الهادئة التي بدأتها بفيلم الباب عام 2004 بتركيز على المرأة الشابة البطلة الساعية لتجاوز خوف محيطها نحو عالم أرحب من الحرية التي هي خارج الذات المتخمة بالخوف من الآخر. البطولة النسائية هذه ستكون ملازمة لمعظم المخرجات العربيات لتأكيد الذات وانتصاراً للمرأة في مجمتع شديد الذكورة. فالحوار الذي كان غائباً في فيلم الباب يحضر على استحياء في فيلم الجن،. فكان لسطوة المشاهد الصحراوية التي استطاعت المخرجة التركيز عليها بعناية وتوظيفها بذكاء في الفيلم كانت روافد امتاع للمشاهد ومكملة لقصته.
فالرمال الذهبية المنسابة تحت أقدام "عنبر" وأبيها تقترب من الشعر كثيراً مع مشهد عناق قرص الشمس لتلك الرمال، والقمر المتربع على كرسي الليل؛ أضفت جمالية ساحرة في واحة تاغيت بالصحراء الجزائرية التي صورت المخرجة ياسمين شويخ فيلمها فيه، دون أي ديكور، حتى في القصر الأثري الذي تقول أن ممراته ودهاليزه أوحت لها بقصة الفيلم.
دهاليز القصر المظلمة هي دهاليز روح عنبر الجميلة السمراء التي تضيء بعينيها الواسعتين ظلمة الخوف في نفسها التي حيرتها كفتاة حرة ترقص ولا تكف عن المرح، حد ظن أهلها وهي أيضاً أنها مسكونة بالجن. الجن هنا أنثى ما دام مناخه العام أنثوي ببطلة الفيلم وقرينتها الوهمية "آمال" وحتى حكيمة القرية أنثى، ليبقى الرجال ثانويين كوالد عبر يقدمون العون عند الحاجة للأناث، في تبادل للدور، انتقامي من الذكر الذي أطّر بقسوته المجتمع.
فالأب هنا طائع لبنته الوحيده ولتعاليم حكيمة القبيلة، التي تساعد بنصحها عنبر في منحها القوة التي يريد الأب درأ السمعة السيئة عن ابنته غير العادية في مجتمع تحسب الفتاة وذووها لسمعتها ألف حساب تجنبا لبقائها دون زواج. وعلى الرغم من شعرية قصة الفيلم وتوالي أحداثه لكن إيقاعه البطيء أهدر فرصة تقديم قطعة يمكن أن تنتمي للسينما الشعرية بكل تفاصيلها. وكان يمكن أن تضخ المخرجة في النص، مادامت قصته وتفاصيله بما فيها الرموز والأساطير القبلية من وحي خيالها، أحداثاً تطورها لحياة "عنبر" محور الفيلم، مع قرينتها "آمال" لتنجز فيلماً روائياً طويلاً. التدرج الزمني في فيلمي "الباب" مدته ثمان دقائق و"الجن" عشرين دقيقة، أشبه بتمرين، إن جاز التعبير، لفيلم أطول، وصولا لفيلم روائي طويل، لتسير على خطى والدتها المخرجة أمينة شويخ إنما متخذة خطاها لمسافة أبعد.
يذكر أن فيلم "الجن" نال جائزة لجنة التحكيم في مهرجان قازان السيمانئي عام 2010، وتنويه لجنة تجكيم الافلام القصيرة في مهرجان وهران عام 2011.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف