احتفالية النوبة في الجزائر: تكريم لأعمدة الموسيقى الأندلسية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
فتح المعرض المُقام حاليا بالجزائر العاصمة، قوسا كبيرا عاد بزواره إلى تاريخانية النوبة وهي متوالية موسيقية يربو عمرها عن الألف سنة، وتطرقت مخطوطات ثمينة ماثلة إلى عناصر حِرفية عكست فكرا إبداعيا رشيدا بينابيعه الحجازية، الأموية والعباسية، وجعلتها قلبا نابضا واجه محاولات الطمس والتدجين والتشويه.
ووسط ثراء جرى تأثيثه بلافتات بيوغرافية وبيانات توضيحية ووسائط سمعية بصرية ومراجع غنائية، أجاب المعرض بعفوية على أسئلة زائريه بشأن نوستالجيا علماء وفلاسفة وفناني النوبة، مع نافذة خاصة للمدارس الأندلسية الجزائرية والنوبات الـ12 الأخيرة، وما يتصلّ بإشكالية النسخ الموسيقي.
وعلى إيقاع معزوفات النوبة الشجية، تجول المرء في حواضر الأندلس الثقافية، وراح يستنشق سحر الألف عطر ويتشمم زهر البرتقال، مثلما عطّره مسك الروم والريحان والنعناع وندى البحر في جنان الأندلس، فيما يستمتع عشاق الأندلس بخرير الماء وشدو الطيور وحنين الناي وغناء القيان وهنّ ينشدن أبياتا لفحول الشعراء في بحور التاريخ العميق منذ زمن قرطبة ومكتباتها التسعمائة وقناديلها الـ50 ألفا، وما سطره إسحاق الموصلي (767- 850م) وتلميذه زرياب (789 - 853 م).
إلى ذلك، خاض المعرض في الأصول الشرقية للمسار الثقافي المغاربي ونشوء موسيقاه، مع ارتحال زرياب أو الشحرور الأسود - للون بشرته - إلى إفريقيا ونهوضه بخدمة أمير القيروان الأغلبي "زيادة الله الأول" وما تلا ذلك من هجرة جماعية بعد سقوط قرطبة (1238 م) وإنشاء زرياب معهدا تخرّج منه صنّاع أمجاد النوبة الأندلسية، هذه الأخير قامت على كمال الدائرة كتجسيد للأبدية، عبر وترياتها الخماسية الأسطورية: الزير، المثنى، وتر زرياب، المثلث والبم.
وأتاحت وثائق نادرة الوقوف عند جذور التيارات الأندلسية المغاربية ومبادلاتها المتواترة، حيث تتمايز مدارس فاس وتطوان بالمغرب عن مدارس تلمسان، الجزائر العاصمة وقسنطينة في الجزائر، في حين ظلت كل من تونس وليبيا تتقاسمان مدرسة واحدة لكونهما استوعبتا ساكنة أقل تعدادا مقارنة بالجزائر والمغرب، لكن هذه المدارس - يشدد دارسون - على أنها ليست منغلقة على بعضها البعض، وحافظت على مبدأي التبادل والتشارك، بناء على حملها قدرا وتراثا مشتركا.
ووفقا لدليل تفصيلي أنجزته وزارة الثقافة الجزائرية، أفيد إنّ الفن الموسيقي المغاربي انفتح منذ القرن الحادي عشر على سيل من الدروب، مثل "الملحون" و"الزجل" الهلالي، ناهيك عن الموسيقى الطرقية مثل "المدائح" و"الأذكار" وكذا الموشحات والأزجال التي جرى ممارستها وفق لمفاهيمية الطبع والمتوالية الموسيقية.
ولدى تصفحنا لفهرس النوبات الموسيقية الذي أعدته دائرة التراث غير المادي والكوريغرافيا بالجزائر، تسنى مواكبة تطور النوبة الأندلسية محليا ومغاربيا وتنوع أدواتها الوترية والهوائية التي يفوق عددها الأربعين، حيث تطرق "أبو علي الغوثي" (1874 - 1934) و"مصطفى عبورة" (1875 - 1935) وهما موسيقيان رائدان من حاضرة تلمسان، إلى تسلسل النوبة الجزائرية وما يوازيها من نوبات وطبوع في المغرب وتونس وليبيا، إلى جانب حصرهما النوبات الكاملة (الماية - السيكة - المزموم - الرصد ...) ونظيراتها المفقودة على غرار: حسين الصبا - حسين عشيران - حسين الأصيل - أصبهان صغير - أصبهان كبير - رمل العشية - عشاق - ماية فارغ - غريبة الحسين وغيرها.
وركّز فهرس النوبات على أدوار الحواضر الكبرى في الجزائر بقسنطينة، البليدة، تلمسان، بجاية وسيما القصبة العتيقة بأعالي العاصمة في
كما تضمن الفهرس أيضا إحالات إلى أسماء جزائرية ظلّت حناجرها صادحة على منوال محمد فخارجي (1896 - 1956)، مصطفى السنوسي بريكسي (1919 - 2010)، ومواطنيه المخضرمين محمد خزناجي (85 سنة)، محمد الطاهر فرقاني (84 عاما)، ومحمد الغفور (82 سنة)، والعميد "سيد أحمد سري" (86 عاما)، رائد ما يُعرف بـ"الصنعة العاصمية".