بن معروف: "التسويق الثقافي ومسرح الفتيان ضرورة لتجديد الجزائر"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
bull;على أعتاب خمسينية استقلال الجزائر، يقول متابعون بانحسار راهن الفن الجزائري وضبابية أفقه، ماذا تقولون أنتم بصفتكم زاوجتم بين المسرح والسينما والإدارة الفنية؟
-الراهن الثقافي بالجزائر مرتبط بالتفاعلات والمتغيرات التي تحدث في المجتمع، بحسب اعتقادي الفن لا يمكن أن يتطور بمعزل عن المتغيرات الاجتماعية.
لكن وجب التركيز هنا على بروز عدة وجوه في عدة مجالات إبداعية تؤمن بالجديد والتجديد، مثلا في المسرح هناك أسماء تجتهد لتقديم عروض ذات نوعية جمالية راقية، ولعلّ ما قُدّم مؤخرا في مهرجانات محلية ودولية يُنبئ بأشياء جديدة مستنبطة من التراث، بعدما تخلّص مسرحنا من (كليشيهات) مزمنة جعلته لصيقا بالمنبر السياسي، وأوقن إنّ تموقع المسرح كمنبر سياسي في وقت ما، كان أحد سبب هجران الجمهور لفضاءات أب الفنون.
bull;في هذه النقطة تحديدا، ارتفعت أصوات تنادي بالتشبيب والتباعد مع التقليد..
-بالفعل، سعينا للابتعاد عن هذه الرؤية عبر الانتصار لجماليات العرض المتكامل، وهو ما ينضج بفعل عطاءات شباب استخرجوا ما يُقدم في العالم العربي والعالم، مدفوعين بإيمانهم بالجانب العلمي وكسر الطابوهات والأشكال النمطية، على نحو يسمح للمتلقين حاليا بمواكبة عروض راقية بسيطة في أدواتها، عميقة ومتنوعة في شكلها، مُبهرة الجمهور بحركة الفنان، ووظيفية الإكسسوارات وجمالياتها، من خلال استعمالات النار والقماش والماء وغيرها من الآليات/الروامز، بجانب استخدام عناصر تراثية ركحيا.
الراهن المسرحي الجزائري أراه مختلفا، بفعل مرافقة عدة نقاد ومتخصصين للفن، واسترجاعهم ما يجدُر بهم من أدوار لتنوير الجماهير، عبر تشريحهم الأحداث، ونقلهم أعمالا تساعد عموم الممارسين على تحسين مردودهم، بالتزامن مع صناعتهم إلى النقد المتخصص وكم أحوجنا إلى هذا النقد، بعدما كان الأمر يقتصر في السابق على قيام بعض الصحافيين بدور القضاة وذهبوا إلى حد إصدار أحكام جزافية استباقية.
-في الجانب الخاص بالسينما، ثمة شيئ جديد صار معه الفن السابع الجزائري أكثر تحررا وإبداعية، عبر طائفة أفلام استقطبت جيلا جديدا من الشباب، وظهر ذلك جليًا في أعمال مرزاق علوش واستثماره في مواضيع جديدة، فضلا عن سعيد مهداوي، وأسهمت الحركية المسجلة في ميدان الرسم والفنون التشكيلية والغرافيكية، بجانب افتتاح الفن المعاصر واسترجاع عديد الفضاءات الثقافية وتحويلها إلى أروقة نابضة، ما أعطى أوكسجينا للمتذوق والفنان على حد سواء، وأضفى ديناميكية من شأنها السماح بنهوض ثقافي شامل على مدار عشر سنوات قادمة.
وأحبّ هنا التوضيح أنّ ترسيم خطة ثقافية لا يقوم على بناء مرافق فحسب، بل بناء الانسان عبر التكوين والرسكلة الدورية.
bull;مراجعة ما شهدته الجزائر خلال نصف قرن يفرض نفسه لتعبيد طريق المستقبل، كيف يكون ذلك برأيكم؟
-لا بدّ من جلسات بطريقة جديدة، تتناول الراهن والمستقبل بعيدا عن الجانبين النقابي والسياسوي، وكم أحوجنا لتنظيم جلسات بين المثقفين للتشاور وبلورة خارطة طريق عملية في جميع القطاعات مع تحديد مواعيد ورزنامة محدّدة لتحسين الفعل الثقافي والوصول إلى مستوى الإجادة.
عند الحوصلة، ينبغي الابتعاد عن الشعارات الحنجورية مثل "حققنا وأنجزنا ووو.."، والتركيز بدلا عن ذلك على توخي معايير منهجية للوقوف على أثر الأعمال الفنية عند الجماهير، ولا بدّ بعد 50 سنة أن نضع نصب أعيننا ماذا قدمنا للجيل الجديد، وما الذي يحتاجه هذا الجيل ونستمع إلى ما يتطلع إليه بآذان صاغية.
مُصيبتنا عندما نرجع إلى ديارنا مساءا، نلمس وجود انفصام كبير، وحلّ هذه المعادلة مرهون بنتاجات غزيرة على مدار السنة، بما يولّد مُصالحة الفرد مع المجتمع، وكي يرى كل فرد صورته، ذاك محكوم علينا حتى تكون لهذا الجيل مكانة تحت الشمس.
bull;فريق من المتخصصين ينتقدون تراجعات الدراما التاريخية في الجزائر، ثمّ ألا ترون بوجود "زهد" في التعاطي مع مراحل مهمة في تاريخ الجزائر على منوال الحقبة العثمانية؟
-نحن لسنا عقيمين، فقد أبدعنا روائع قبل السوريين والأتراك، وأبدعنا أعمالا خالدات بوزن: الحريق، دار سبيطار للراحل محمد ديب، تلك كانت بوادر دراما قوية لكنها تعرضت لكسر في ثمانينيات القرن الماضي مع انتهاج الدولة الجزائرية لسياسة الخصخصة وتنازلها عن بعض الميادين باسم الليبيرالية والاصلاحات، والنتيجة كانت إقفال عديد دور السينما وتجميد عديد المؤسسات والدور، دون أن تكون هناك بدائل قوية، ما أفسح المجال لطغيان المنتوج الأجنبي.
للأسف، لم نستثمر في الدراما التاريخية، وسبقتنا دول كثيرة لأنّ سلطاتها أولت اهتماما بترويج أعمالها وصور بلدانها، على منوال النموذج التركي وما يحرص عليه هذا البلد من إظهار أزقة نظيفة، أبطال وسيمين وأماكن راقية في سائر الأعمال، والأمر ذاته ينسحب على سوريا، لأنّ ذلك خط استراتيجي بعيون السلطات، ويجنح إلى الاستقطاب الذي يمجّ الانحصار في حدود جغرافية معيّنة.
نطالب باسترجاع الدولة الجزائرية لدورها كمنتج بالشراكة مع خواص لديهم الامكانية
إذا كنت لست أوافق القائلين بتغييب الحقبة العثمانية، حيث شهدت الجزائر في فترات سابقة بإنجاز أكثر من عمل تناول العهد التركي، فإني أؤكد على حاجة الدراما الجزائرية إلى التخصص سيما عندما ترتبط المسألة بالهوية والتاريخ، بعيدا عن منحنى سياسي، عاطفي أو ديني، خصوصا وأنّ الجزائر تعرضت إلى عدة احتلالات أثرت على فكر الجزائري وعقليته، من حيث اللباس، الحكاية، الانفعال، فهو وليد هذا الزخم.
bull;إلى أي مدى ستنعكس القنوات التلفزيونية الخاصة المُرتقب إطلاقها ي الجزائر خلال السنتين المقبلتين على منظومة الدراما المحلية؟
-الأمر مرتبط رأسا بنوعية هذه القنوات ومهنية مالكيها، ونحن من مؤيدي فتح المجال لقنوات موضوعاتية كمرحلة أولى، وموازنة الأشياء بفتح المجال أمام تجارب مع الخواص حتى تمنح الشبكات التلفزية المُرتجى منها، مع تثبيت دور الدولة كمنتج ومؤطر للعملية ككل، عبر الاحتكام إلى دفتر شروط مضبوط يحفظ هوية البلد واستقلاله.
فإذا ما جرى السماح لقنوات معيّنة بالترويج لأعمال سخيفة ورخيصة تكون متناقضة مع ما أسسناه في الجزائر، ستسهم لا محالة في إفساد الذوق، والأمر نفسه ينسحب أيضا على المسرح، فالأخير بحاجة إلى أصحاب المال لدعم الفرق المسرحية والهواة، ويمكن لهؤلاء الوفاء بالمطلوب لقاء استفادتهم من تسهيلات، وهذه ممارسة ينبغي تعميمها كأداة إلزامية على مستوى البلدات.
-اهتمامنا في الموسم الحالي ينصب على إرساء معايير جديدة في تسويق العمل الفني باتباع ما نسميه "الماركتينغ الثقافي"، إذ لا بدّ من توظيف تقنيات جديدة لترويج المنتوج الثقافي، والتوقف عن نمطية التوزيع المحدود للأعمال المنتجة، بالعمل على ضمان العروض لمردودها، وذاك يقتضي إقحام عناصر مهمة في المؤسسات الثقافية هم المسوّقين، لتكتسي النتاجات طابعا تجاريا يخرجها من النوم في عسل التدعيم الرسمي.
لا محالة، سيسمح تغيير نمط تسيير المؤسسات الحالية، إلزامها بأهداف يتعين عليها تحقيقها، وتكفل تقديم النتاجات في حلل جميلة وراقية، في هذا الصدد، ننوي أيضا ترويج الإشاعة للدعاية للعمل الفني، سيما وأنّ المواطن يتفاعل أكثر مع ثقافة الإشاعة، وهذا سيكون فريدا من نوعه في الاستعمال الثقافي.
bull;ماذا بشأن تجربة مسرح الفتيان التي استحدثتموها؟
-نهتم ببلورة مواسم فنية لها أهداف تتمثل في تكريس ثقافة وفكر المواطنة، وترسيم خطط انتاجية دورية لكسب جماهير تواكب الفعل الثقافي، والعمل على تنويع واستقطاب المتلقين، وهنا مؤدى فلسفة مسرح الفتيان.
نسعى للاهتمام بفئة مهمة هي المراهقين، فعادة في بلدنا المسرح موجه إلى الصغار أو الكبار، بينما المراهقون أو الفتيان ظلوا محرومين من فعل مسرحي يلبي حاجياتهم، وعليه ارتأينا تحسيس المبدعين لتقديم أعمال لهذه الفئة، لأنّ سنها محوري لبناء الشخصية.
المراهقون في الجزائر يعانون من ظواهر سلبية كعارض التخنث الذي يطبع شريحة من الفتيان وارتدائهم الأقراط والسراويل المثيرة ووو..، كما أصبح هؤلاء في مفترق الطرق، فماذا نقدم لهم؟ هنا دور المسرح التربوي والتوعوي عبر تقديم عروض تستثمر الحكايات، الأساطير، روائع الأدب العالمي، وتحبّب لديهم روح الرجولة، الفحولة، المغامرة للأخذ بيد فئة لاكتشاف واستكشاف تاريخ بلدهم والانسانية، تحثهم على العمل الخيّر، الانفتاح الايجابي على كل ما تبدعه كل الشعوب، لأنّ مصيبتنا هي هيمنة النموذج الأمريكي، أما ما تقدمه شعوب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية فهو مغيّب.
سيكون العرض الأول الموجّه للمراهقين هو "واد الخير" نص وإخراج "هارون الكيلاني" الذي يتناول رحلة شباب بحثا عن الماء بعد جفاف عاشته قبيلتهم، وهنا تكون المغامرة واحتدام الصراع وما يتصل به من اعتداءات ومعارك في عمل جميل يتخذ من منطقة الطوارق حيّزًا جغرافيا له.
bull;باعتباركم عرّاب توليفة الأطفال الموسومة "أبي خذني إلى المسرح"، ما رؤيتكم لمسرح الطفل وأثره على إنتاج جمهور نوعي؟
"أبي خذني إلى المسرح" فكرة جديدة طرحناها لترغيب الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و10 سنوات، في مراودة المسرح، والعملية استقطبت عددا معتبرا من الناشئة وجذبت الأولياء لمواكبة أيام مسرحية قارة على مدار السنة، ونعمل على دفع المدارس العمومية والخاصة على مرافقة هذا المسار.
هؤلاء الأطفال سيصبحون بعد عشر سنوات هم جمهور المسرح، لأنّ ذائقتهم ستكون حينها قد استفادت من التهذيب وتعودت على المشاهدات الركحية بعيدا عن التهريج والإضحاك المجاني، وفكرة حث الآباء على جلب أبنائهم إلى المسارح، صارت شعارا يردده الأطفال في المنازل، الشوارع والمدارس، ما فتح لنا الشهية للاجتهاد أكثر.
بمناسبة اليوم العالمي للمسرح في 27 آذار/ مارس 2012، سنلقي درسا نموذجيا للأطفال، نطالب فيه بإدخال المسرح كمادة في المقرر الدراسي وليس كفقرة تنشيطية فحسب.
bull;بعد مشاركتكم في أعمال تونسية، فرنسية، فيتنامية، ألا تتطلعون للاشتراك في أعمال مغاربية وعربية؟
-حلمي أن أتقمص شخصية عربية كبيرة سينمائيا أو تليفزيونيا، علما أني خضت تجربة مسرحية في مرثاة يوغرطة للمخرج التونسي عبد الله رواشد، وأخرى مع الفرنسيين في مسرحية "تارتوف" وأديت الدور الرئيس أورغون وحُظي العمل باستحسان في بلدان أوروبية عديدة.
وآخر أعمالي مع المخرج السوري كمال لحام في مسلسل "عيسات إيدير" الذي يروي قصة عميد النقابيين الجزائريين.
إذ أطمح إلى عمل مغاربي أو عربي مشترك، فإني أشير إلى أنّ تجربة "زهرة اللوتس" (فيلم جزائري فيتنامي مشترك إنتاج 1999) علمتني أنّ الفوارق تذوب حتى حين تختلف ثقافة ومرجعية وعرق الممثلين.
bull;كمثقف وفنان، كيف ترون إلى موجة التغيير في الوطن العربي؟
-التغيير يخيفني، عندما نشاهد أنّ البلدان المستهدفة هي صاحبة المواقف والثروات البترولية كليبيا والعراق، نقول نعم لتغيير الأنظمة لكن لا لمسح التراث الانساني والهيكلي لشعوبها، فهل ما فعله الناتو في ليبيا كان لسواد عيون مواطنيها؟ وكيف يتم تسويغ دخول 12 ألف جندي أمريكي إلى ليبيا، والعلاقات الوشيكة مع إسرائيل، بمقابل العراق الأشمّ الذي يدفع ثمنا غاليا منذ ربيع 2003، في وقت حجب عنا ما يحدث القضية الأساسية وهي فلسطين.
القرار الأول والأخير للشعوب التي ننتمي إليها، وعليها أن تضع نصب أعينها التاريخ والتاريخ والتاريخ فقط.