مسلسل "طالع نازل".. صعود وهبوط أبو بندر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خرج الفنان السعودي عبد الله السدحان هذا العام من قالبه الكوميدي الذي اشتُهر به في مسلسل "طاش ما طاش" مع الفنان ناصر القصبي، ليصنع كاركتره الكوميدي الخاص في مسلسل "طالع نازل"، حيث تجسدت أبعاد هذه الشخصية في تغييرات ملموسة طالت النواحي الفيزيولوجية والسيكولوجية، وهذا كلّه ضمن إطار واضح من دراما غلّفت المسلسل، رغم قلّة شخصياته نسبياً.
انطلقت الأحداث من بناية تعود ملكيتها للبطل "أبو بندر"، تقطنها عائلات متنقلة، منها مصرية وسودانية، وسارت مع الأحداث حكايا ابنتيْه وزوجيْهما، ليشكل هؤلاء جميعاً مجارٍ مغايرة لواقع اجتماعي اتخذ من بيئة الاستديو الداخلي المكان الأبرز للتصوير، لكن مع كثير من الصراعات المتفرّعة التي صبّت في المجرى الرئيس للحكاية.
"أبو بندر محامي شاطر"
يعيش أبو بندر، "محامي شاطر"، كما تقول أغنية شارة المسلسل، لوحده في منزله بعد زواج ابنه بندر "حبيب الحبيب"، الذي يعيش بعيداً عن والده، وابنتيْن تسكنان بالقرب منه. ومع ابتعاد المسلسل النسبي عن أسلوب اللوحات الكوميدية الناقدة "السكيتشات"، إلا أنه يكاد يقترب منها من ناحية مشابهة، فصحيح أن في كل حلقة أحداثاً متصلة بما سبقتها من أحداث، لكنها في الوقت نفسه تبدو جديدة وتتخذ شكل حلقات منفصلة نوعاً ما، وهذا يعني بطبيعة الحال كثرة الأحداث ووفرتها، تلك التي كتبها مؤلفها عنبر الدوسري؛ صاحب الباع الطويل في مسلسل "طاش ما طاش"، إذ لعب السيناريو مجدداً على الشكل الخارجي للشخصية، وتكفي الإشارة إلى شكل العين اليمنى للبطل وارتباطها بشخصيته نفسها وتأثيرها اللاحق على حياته.
لم يغب عن المسلسل نمط المفارقات الدرامية التي دارت بين المستأجرين والخطوط العامة التي يتواصلون من خلالها مع بعضهم بعضاً، سواء في شخصية صهريْه: حسن أبو حسنة، وعبد الله السناني، أو ابنتيْه: ريماس منصور، وإلهام الرشيدي، أو المستأجر المصري أحمد العليان، أو السوداني يحيى الغماري، ليشكلوا شخصيات أساسية كانت الصانع الأساس للأحداث والدائِرة حول الشخصية الرئيسة والمحافِظة قدر الإمكان على التقاليد والأصول العربية "صبّي باليمين وسلمي باليسار"؛ جملة يقولها أبو بندر في أحد مشاهده لفتاة تصبّ له القهوة بشكل مخالف للتقاليد.
ومن أكثر ما ميّز المسلسل هو انطلاقه من الأفكار الجديدة والأسلوب التمثيلي المغاير في تجسيد الحالات، مع استفادة البطل بالطبع من تجربته الطويلة في مسلسله الشهير الآنف الذكر، الأمر المتعلق بالبيئة السعودية البالغة الوفرة في المسائل الاجتماعية التي كثُر طرحها في مسلسلات سعودية عديدة من جهة، والدمج بين التفاصيل الحياتية الصغيرة والكبيرة من جهة أخرى.
كما استطاع المسلسل خلق علاقات متميزة لأبطاله مع المكان نفسه، وكان المكان دائماً بطلاً لا يقلّ تأثيره عن الحكاية نفسها، فكانت الفيلات التي يعيش فيها هؤلاء مع سياراتهم تسير جنباً إلى جنب مع موسيقا غير مسرفة في استخدامها، لتصنع بالتالي أحداثاً درست المشاكل التي تعاني منها أطياف مجتمعية معينة، دون نسيان التنويع في الأفكار نفسها ومنحها بعداً ذا طابعاً نقدياً كوميدياً، اتجهت إلى التراجيديا في الحلقات الأخيرة.
ولكن ربما كان الإيقاع البطيء يسيطر على مجرى بعض الحكايات بين الفينة والأخرى، تناسباً مع بعض التكرار حين كانت تتفوّه بعض الشخصيات بأحاديث معتادة تكرّرت طوال حلقات كثيرة، وكان بالإمكان الخروج منها ببعض التجديد، سواء في الأماكن أو تغيير بعض الديكورات، وبين هذه وتلك كان ينحدر المسلسل إلى مستنقع الملل، ولو بمشاهد قليلة.
تفاصيل البيوت وخارجها
لعل بعض الحلقات كانت تحاول بشكل أو بآخر اللعب على خاصية النقد في المجتمع المذكور، ومعالجة بعض المشاكل الخدمية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والسياحية الخليجية وأساليب وأنماط الحياة داخل البيوت وما يدور فيها، وتجسد ذلك جلياً في حلقات مختلفة تناولت تفاصيل حياتية جوانية، ولاسيما في الحلقة (16) مثلاً، عندما يسهر أبو بندر وصهره مع صديق له ساعده على تأمين سكن له حين سافر إلى لبنان لعلاج عينه العوراء، لتسير سيارتهم وسط القنابل والانفجارات على الحدود السورية اللبنانية، مروراً برغبته في الزواج، وليس انتهاءً بالتعرّج على بعض مفاصل الفساد.
المسلسل أنتجته مؤسسة دبي للإعلام وأخرجه محمد عايش، مخرج الجزأيْن الأخيريْن (17 -19) من "طاش ما طاش"، قدم في ثلاثين دقيقة على تلفزيون دبي هذه الشخصيات ممتزجةً بالواقع الحياتي للمجتمع السعودي، عبر الدخول في تفاصيل حياة العديدين، دون الاقتصار على كثرة الشخوص، بل على الشخصيات أكثر، وبالتالي كان لها الفضل في إحداث التأثير المطلوب على مشاهِد سيمتلك بالطبع معلومات كافية عنها.