الدو بالازيتشي: ست قصائد مستقبلية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في مطلع شبابه، كان التمثيل يمثل جل اهتمام الشاعر المستقبلي الإيطالي الدو بالازيتشي (1887-1974). لكن سرعان ما تركه متوجها إلى الكتابة شعرا ورواية. فكان له أول ديوان "خيول بيضاء"، وهو في العشرين من العمر. ثم اصدر ديوانين آخرين، قبل أن ينخرط في الحركة المستقبلية التي اطلقها بيان مارينيتي عام 1909. فأصدر عام 1910 ديوانه المستقبلي الأول "الحارق"، ضمن سلسلة المطبوعات المستقبلية التي كان يشرف عليها مارينيتي نفسه. كما نشر عام 1914، في المجلة الفلورنسية المستقبلية "لاسيربا"، "بيان المستقبلية المضاد للألم". أخذ يبتعد عن مارينيتي بسبب الحرب، إذ كان معارضا لدخول إيطاليا في الحرب التي كان يكرهها، على عكس مارينيتي الذي رأى فيها "علاجا وحيدا". اصدر عدة أعمال نثرية روائية وقصصية. وكان يصف دائما العمل الشعري بـ"الظاهرة الطبيعية"، وكتب قصيدة في هذا الشأن تحت هذا العنوان، بينما العمل النثري بالتقنية المشغولة والمتأنى بها. قصيدته "بهلوان" التي كتبت عام 1909، كان يعيد نشرها في مقدمة كل ديوان يصدره. وبعد زيارة الى فرنسا، جرب أن يكتب باللغة الفرنسية مباشرة بعض انطباعاته، فكان له ديوان صغير ضم 16 قصيدة تحت عنوان "مشاهد باريسية"،... اخترت منه قصيدتين: "سيدة المقهى" و"المخنّث".
الغريب
رأيته يمرّ هذه الليلة؟
رأيته.
أرأيته أمس؟
رأيته، أراهُ كلَّ مساء.
هل نظر فيك؟
لا، إنه ينظر جانبا
ينظر فقط أسفلَ
حيث تبدأ السماء
وتنتهي الأرض، أسفل
شعاعٍ ضوئي
يخلّفه غروبُ الشمس
وعندما تغرب الشمسُ يذهب.
بمفرده؟
بمفرده.
وملابسه؟
سوداء، دائما سوداء.
وجهه... شديد البياض.
أيمر كلَّ مساء؟
كلّ مساء.
ألم تلاحظ
علامةً على وجهه؟
ابتسامةً؟ دمعةً؟
أبداً.
تُرى، من أين جاء؟
أين يقيم؟
تحت أي سقيفة؟
في أيّ قصر؟
سيدة المقهى
يَطلع الشَعرُ النُّحاسي الأصهب
من رأسها كما اللهب من البركان.
عجوزٌ
إلا أنها مُكتحلةٌ باللون الأزرق.
ترمي، كما تُرمى السّهام،
بنظراتها الشبّان
الداخلين والخارجين
من الملتفين حول المقهى.
إنها لعبة مألوفة
ولكلّ الأوقات.
لكن عندما يكون في جيبها مالٌ،
تصرفه على شبّان مُستَعشقين.
عجوزٌ
على انّها لم تنسَ شبابَها.
فسيّدة المقهى
كالطفل
في حاجة إلى الحنان.
ظاهرة طبيعية
أنا لستُ سوى يَنبوعٍ
يَنبعُ منه الماءُ
طبيعياً
ولمدةٍ طويلة.
وما إن يظُنّ الناسُ
أنه نَضَب، وجفَّفته الشيخوخة،
حتى يُصاب كلٌ بالذهول
من أنه ما يزال يَنبَع:
دفقةٌ...
ثُمَّ دفقة...
قطرات أخرى...
إلى أن يُوارى التراب
عند آخر قطرة صغيرة.
البهلوان
من أنا؟
ربّما أنا شاعر؟
أكيدٌ لا.
لم تكتب ريشةُ روحي
سوى كلمةٍ واحدةٍ، وغريبةٍ جدا: "جنون".
إذن، أنا رسّام؟
لا هذا كذلك.
ففي طبق الوان روحي
ليس هناك سوى لونٍ واحدٍ: "كآبة".
موسيقي، إذن؟
ولا حتّى.
ففي أُرغُن روحي
نوطةٌ واحدةٌ لا غير: "حنين".
إذن، من أنا... ما أنا؟
أضعُ عدسةً مكبّرةً أمام قلبي
حتى أريه للناس.
من أنا؟
بهلوان روحي.
اللامبالي
أنا والدُكَ.
هل هذا صحيح؟
أنا أمّكَ.
هل هذا صحيح؟
هذا أخوكَ.
هل هذا صحيح؟
هذه أختُكَ.
هل هذا صحيح؟
المخنّث
كهَبّةِ ريحٍ
يمرُّ
مستعجلا جدا
وقليل الثبات.
فهو على عجلة من دون سبب
فقط ليظهر نفسه للعامة
الذين لا يريدون
الاعتراف بوجوده التَفه.
لذلك يثير الشغب
لكي يبرهن أنَّ له وجوداً.
ودائما يزداد.