قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كأنه ابن عشرين عاما، وما اللحية والملامح المكتظة بالسمرة والتجاعيد الا شيء من المكياج وضعه من اجل العرض المسرحي الذي يقدمه، ثمة تقلبات لونية على الوجه وشعيرات سود وبيض تتنافس في مدارات منبتها، ليس هناك ما يشي للناظر اليه انه رجل يحمل على عاتقه عمرا ضعف عمر الشاب الذي يشاركه العرض بعمر ونصف، فالخشبة التي اندفع عليها امتلأت حركة به ونشاطا، شغلها كثيرا مثلما شغل المتفرجون بالتميز الذي كان ينهمر منه مثل حبات مطر لامعة، وقد شع نجومية وتألقا، راح يشق عباب الصمت بصوته الجهوري الواضح وبتدفق أدائه المتمكن منه، يسحب الانظار اليه ولا يدعها تفارقه وهي ترسم هالات من الاعجاب، يجر الاصغاء اليه بقوة المفارقة التي يطلقها فينثر الغرابة على الاسماع فتتحفز للابتسام، بامكانه ان يوسعك بكاء حين يزج نفسه في تراجيديا الحدث، او يشرح صدرك ضحكا حين يترنح في كوميديا الموقف، او ان يجعلك تقف ما بين الاثنين متأملا اللحظات، يأتي بك من هناك.. الى هنا لتنتظر عند حافات المسرة والالم، والاهم انه يبهرك بما يقدمه من حبكة ادائية تتناسب بالتأكيد مع التجربة المسرحية التي يمتلكها الرجل والتي تعزز سطوته على الخشبة. هذا هو.. عزيز خيون، الممثل المسرحي العراقي ابن الرابعة والستين، جسّد على خشبة المسرح الوطني ببغداد صورا متعددة ولوحات متباينة من الفن المعبر من خلال مسرحية (انا والعذاب وهواك)، اوضح فيها ان لياقته البدنية عالية جدا، وان قدرته على ان ينطلق في الاتجاهات المختلفة ليست تعبى او لا تحتمل ذلك، انه يشد امكاناته بحكمة ويرسم تجلياته على سطح الخشبة لتطفو ابداعاته ويراها الجميع متحفزة بالتألق، ومتألقة بالتحفز الى البوح بالطاقة الكامنة في ذاته،التي ليست لها حدود، التي لا تعرف للعمر حواجز، ولا تدرك ان للذاكرة ممحاة قد تمحو شيئا مما يحفظ، ان كلامه وحركته تتوقدان روعة وتثبان بأيقاعات حافلة بالدهشة مثلما يثب هو للتعبير عن مكنوناته، انا اتحدث عن رجل في الرابعة والستين يظل يتحرك على الخشبة بشكل مستمر لمدة ساعة، لم يحاول ان يشعر بالكسل ولا حاول الكسل ان يباغته، ولا اقترب التعب منه بل شعر كل من شاهد العمل ان التعب كان يجلس بعيد عنه ويتطلع الى القسوة التي يبديها الفنان ضده، فنضح عرقا كثيرا وتأوه في مجريات العمل بقوة لانه كان يعبر عن خلجات تتلظى في صدور الناس، فلم يقلها هدوء ان ينبس بها، بل قالها صرخات اطلقتها قوة صوته ووصلت الى اقصى ركن في القاعة الكبيرة المحتشدة بالجمهور.عزيز خيون.. اظهر للجمهور براعته التمثيلية، ومعها اعلن جرأته في الطرح، قال واقفا على منضدة صغيرة على خشبة المسرح الوطني وهو يعلن عن حاله الرثة الكئيبة المتربة المعدمة البائسة متسائلا بفصاحة واضحة (هل هذا حال رجل نفطي؟ !!)، ما ان وصلت كلماته الى الجمهور حتى ارتفعت حرارة التصفيق لتصل الى درجات مئوية عالية مصحوبة بالضحك، انها جملة صغيرة لكنه قال فيها الكثير ورسم ملامح السخرية واضحة على ما قاله بيد ان الحزن كان عصارة هذا القول، الرجل الستيني تقافز كثيرا ما بين الكوميديا والتراجيديا، على مدى ساعة، فيما كان لسان حال البعض : ألم يتعب ؟، حين انتهت المسرحية سألته الصؤال ذاته : ألم تتعب؟ فكانت الابتسامة اولا، ومن ثم الاجابة ان المسرح هو حياته وطاقته، ولو انه بذل الجهد في مكان اخر لشعر بالتعب، لكنه على الخشبة لا يعرف التعب، ولا يشعر انه في الرابعة والستين بل في الرابعة والعشرين، انه لا يفقد على المسرح طاقته بل يستمدها منه!!.