ثقافات

عودة الى كلاسيك السينما (14): كلب اندلسي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

حميد مشهداني من برشلونة: في كتاب مذكراته الاخيرة يكتب ldquo;لويس بونويلrdquo; 1900-1983 ldquo;هذا الفيلم كان نتيجة تعانق حلمين، rdquo;سلفادور داليrdquo; دعاني زيارته لبضعة ايام في منزله شمال ldquo;كاتالونياrdquo; وحال وصولي مدينة rdquo;فيغيراسrdquo; حكيت له حلما عشته قبل أيام قليلة، فيه رايت غيمة نحيلة تشرط وجه القمر، و سكين حلاق تجرح عينا ، وهو بدوره قص لي حلمه الذي يتزامن مع حلمي، وهو رأى في حلمه يدا مليئة بالنملrdquo;. قبل ذالك بعقود يكتب ldquo;داليrdquo; في مجلة اصدقاء الفن، في عام 1927 قصيدة نثرية سماها ldquo;صديقتي و الساحلrdquo; فيها يشير الرسام العبقري الى ايادي مقطوعة، وعين يشرطها موسى حلاق. و لكن الفيلم صنع في في عام 1929. عام الحلمين، لاحقا ساعود الى سوريالية التناقض هذا.
بونويل، بعد مشاهدته فيلم ldquo;أزنيشتاينrdquo; الرائع rdquo;المدرعة بوتمكينrdquo; خرج من دار السينما منتشيا، مستعدا لاقامة المتاريس في شوارع ldquo;باريسrdquo;مصابا بعدوى الجيل الضائع في حرية ما بعد الحرب العظمى و ترنح القيم و الاخلاق قابضا سلاح سلاح الاستفزاز الفني، ليشعل التصادم بين قيم مجتمعات ما بين الحروب الغارقة في أزمات ليست أقتصادية فحسب، و انما اخلاقية و ثقافية.
يصر ldquo;بونويلrdquo; دائما ان ldquo;كلب اندلسيrdquo; كان في اساسه ضد الطليعية، وهذا غريب في اعتبار العديد من النقاد و المحليلين الذين سموا الفيلم ldquo;قمة الطليعيةrdquo; في اربع الاول من القرن الماضي في تزامنه مع ينوع العديد من الحركات الثقافية و الفنية في تلك الفترة التاريخية مثل الدادئية، والسوريالية، و التعبيرية..... الخ. مبدعو تلك المرحلة كانوا في حالة غليان التحول الاجتماعي فيما بعد الحرب العظمى الاولى، و صدى الثورة الروسية الذي لم يترك مداعبة اذهانهم، فخلقت مختلف الحركات الفنية، و العديد من وسائل التعبير الجديدة التي تنازعت القيادة الثقافية، و لكلها كان صدى اجتماعي ساعد على صهرها كمفاهيم و قيم جديدة تأخذ من الحرية، و حرية الفرد، و ذاته شعارا رئيسيا.

للحديث عن فيلم ldquo;الكلب الاندلسيrdquo; علينا العودة بداية العشرينات في ldquo;مدريدrdquo; حيث يحدث لقاء العصر بين ldquo;غارثيا لوركاrdquo; الشاعر المرهف الاحساس و ldquo;سلفادور داليrdquo; البالغ في النرجسية و ldquo;لويس بونويلrdquo; الشاب القوي الشخصية العنيفة، هذا يحدث في ldquo;دار أقامة الطلابrdquo;العتيدة التي اسسها المربي الفاضل ldquo;فرانسيسكو خنير دي لوس ريوسrdquo;1839-1915 في الربع الاخير من القرن التاسع عشر. و هذه صارت ملتقى حر للعديد من المثقفين و الفنانين الاسبان، و في رصيدها 3 جوائز ldquo;نوبلrdquo; لطلابها، و حاضر فيها ldquo;اينيشتينrdquo;و عزف فيها ldquo;سترافنسكيrdquo; وسبقهم ldquo;بول فاليريrdquo; شاعرا. و اصبحت مركزا للنور الثقافي في كل اوروبا في فترة ما بين الحربين العالمية الاولى و الحرب الاهلية الاسبانية 1936، و بعد انتصار الفاشية الغيت المدرسة و نظام تعليمها الحر.
ولكن الاصدقاء الثلاثة التقوا في فترة ارتياح اجتماعي و سياسي، لم تعتد عليه اسبانيا منذ عقود، و كما نعرف الارتياح الاجتماعي و حرية التعبير هي اساس الابداع الفني و الخلق الثقافي، ففي دار الاقامة الطلابية هذه أطلق العنان للابداع في كل جوانبه، فصار ldquo;لوركاrdquo; شابا من أشهر شعراء أسبانيا، و صار ldquo;سلفادور داليrdquo; من أشهر رساميها، و ldquo;لويس بونويلrdquo; صار سينمائيا عالميا، و هنا سبب المقال عن فيلم ldquo;الكلب الاندلسيrdquo;الغامض، و الذي عنه كتبت الاف المقالات و عشرات الكتب، و يتسائل الباحثين سر هذا الفيلم و كيف ان واحدا من اكبر صناع السينما في تلك السنوات ldquo;شارلي شابلنrdquo; يقتني نسخة منه ليشاهده عشرات المرات، ثم استمرار عرضه في ldquo;باريسrdquo;لمدة اكثر من 8 أشهر متواصلة رغم الضجة الاعلامية التي سببها في الجمهور، ما بين معارض و مؤيد له،. كان ldquo;بونويلrdquo;على يقين من نتائج الحدث بسبب هذا كان يمشي شوارع باريس و جيوبه مليئة بالحصى كسلاح لمواجهة اي هجوم من قبل متعصب ديني، او متعصب سياسي.، و هنا كانت تكمن فكرة الفيلم الاساسية، ففي زيارة ldquo;بونويلrdquo; مدينة rdquo;داليrdquo;شمال ldquo;كاتالونياrdquo; و تبادل الاحلام الفنطازية نضجت فكرة صنع الفيلم و اثناء كتابة السيناريو اتفقا على ان افكار الفيلم، و لقطاته، و غرابته، يجب ان لاتعطي اي مجال للتفسير أو التحليل،، لا ثقافيا و لا ldquo;سيكولوجياrdquo;ثم فتح كل ابواب ldquo;اللامعقولrdquo;على مصراعيها،، و اتفقا ايظا على ان كل مفرداته، و كل لقطاته يجب ان تكون نوعا مسلسل ل ldquo;صدمrdquo;المشاهد دون رحمة، في ldquo;انطباعrdquo; مثير و غامض متعمدين في كل كاديرات الفيلم ليترك هذا في حيرة من أمره، و باعتقادي ان هذا هو سر الفيلم القصير الذي لا يتجاوز اكثر من 17 دقيقة.
اما عنوان الفيلم ldquo;كلب اندلسيrdquo; كان هذا أكثر حيرة، فهما الاثنين امتنعا تفسير معناه، الى يوم وفاتهما، و خلال العقود الثمانية الاخيرة يختلف النقاد في فهم معنى العنوان هذا، و كثيرا منهم اعتبروا في هذا اشارة لا تقبل الشك الى الشاعر العظيم ldquo;فيديريكو غارثيا لوركاrdquo; و علاقة هذا مع ldquo;داليrdquo; و أحباطه العاطفي مع الرسام، و لكن صانعي الفيلم نفوا ذالك التفسير ولكنهم لم يعطوا حلا للمحللين، فبقى هذا الامر مصدرا للعديد من الحكايات و الاشاعات، ولكن في البحث لا نجد تفسيرا الا بين ldquo;لوركاrdquo; الاندلسي و ldquo;خوان رامون خيمينيثrdquo; الذي يعتبر عراب جيل ال27، و هو ايضا من الاندلس،.
سلفادور دالي، قبل في مدرسةrdquo;سان فيرنادوrdquo; للفنون الجميلة مشاكسا، و طرد منها اكثر من مرة، كان قد اخترع تعبير ldquo;العفونةrdquo; و في مزاح قاسي أعتبر كل اكاديمي و موروث هو نوعا من العفونة و هنا يقصد بالذات الشاعر ldquo;رامون خيمينيثrdquo; و يعيد هذا بعد سنوات ليصف ldquo;لوركاrdquo; بنفس التعبير، بعد فشل الصداقة الذريع الذي كان سببه الطرف الثالث العنيف في هذه العلاقة الذي كان ldquo;بونويلrdquo; الذي اتفق مع دالي في تعبيره للعفونة، مشاهدة الفيلم تتيح فرصة بسيطة لتفسير عنوانه، فنشاهد الحمار ميتا على سطح بيانو.، لنتذكر ان ldquo;لوركاrdquo; كان عازف ldquo;بيانو ldquo; ماهرا، و واحدة من أشهر قصائده التي لحنها هو،كانت تتحدث عن اربعة بغال، وقد اشتهرت كثيرا في اسبانيا قبل صناعة الفيلم، هذا من جانب، و من الجانب الاخر هو تشابك و غموض الميول الجنسية لبطل الفيلم، فأحيانا نراه ldquo;خنثىrdquo; و احيان اخرى نشاهده يشحذ القوة لممارسة الجنس مع امراة. وهنا تكمن حيادية ldquo;داليrdquo;الجنسيةrdquo; فالمعروف عنه انه لم يضاجع زوجته ldquo;غالاrdquo; ابدا، و لم يمارس الجنس مع امرأة بسبب خوف من عدوى الامراض الجنسية منذ طفولته بعد موت عمه بمرض ldquo;السفلسrdquo; الرسام العبقري كان يمارس ldquo;الاستمناءrdquo; و الشاهد على ذالك العديد من لوحاته الشهيرة.
لست هنا بصدد تحليل الفيلم المركب بطريقة استفزازية و سريعة لم تسمح لاحد تفسيره، اتحدث عن انطباعي الشخصي، و قربي من هذه الشخصيات التأريخية. لم تتأخر كتابة السيناريو أكثر من اسبوع بين الاثنين في قرية ldquo;كاداكيسrdquo;على ضفاف المتوسط، و انتاجه كلف ثمنا بخيسا تبرعت والدة ldquo;بونويلrdquo; وهذا تصرف بهذا المبلغ بحرص شديد. حيث عاقد ممثلين من الدرجة الثالثة و غير معروفين، و هؤلا لم يقرأوا و لا صفحة من السيناريو، أدائهم كان باوامر من ldquo;بونويلrdquo; كان يخترعها كل يوم خلال الاسبوعين التي تم فيها التصوير الذي قام به ldquo;البرت دوفيرجيرrdquo; و الممثل الرئيسي كان ldquo;بيير باتشيفrdquo; مع الممثلة ldquo;سيمون ماريولrdquo;. و في الفيلم نرى بونويل و دالي في لقطات غاية في الاثارة، أستمر عرضه خلال 8 اشهر في دار سينما ldquo;ستوديو 28rdquo;في باريس، و كان سببا في العديد من الاحتجاجات من قبل أصدقاء و اعداء، و أيضا صار بطاقة انتماء للحركة السوريالية دون تزكية كما كانت العادة انذاك.
ولكن ldquo;داليrdquo; النرجسي الى حد اللعنة عاد ليعلن بعد سنوات في كتاب شبه مذكرات، ان ldquo;بونوبلrdquo; كان فقير الفكر سينمائيا، و انه كان ldquo;امياrdquo; في العمل السينمائي، و أعتبر نفسه في هذه المذكرات الخالق الاول للفيلم، و هذا سبب لبونويل احباطا كبيرا و هو كان يشق طريقا صعبا في صناعة السينما الاميركية في ldquo;هوليوودrdquo; لان دالي أشار في كتابه هذا الى ldquo;الحادrdquo; صديقه السابق، و لان دالي كان في قمة الشهرة في اميركا المحافظة انذاك أظطر سادة هوليوود تسريح المخرج العبقري من وظيفته لينتقل بعدها الى المكسيك حيث صور و أخرج أروع افلامه ليعود بعد سنوات الى ldquo;هوليوودrdquo; شاهراا في وجه هؤلاء جائزة ldquo;الاوسكارrdquo; التي فاز بها على فيلمه ldquo;سحر البرجوازية الخفيrdquo; في عام 1973.
أخيرا اود الاشارة الى الموسيقى، فالفيلم كان صامتا بدون موسيقى على مدى 30 عاما،، و في عام 1960 وضع له الموسيقى التصويرية، و هنا يضيف غموضا اخير في فهمه في اختياره مقاطع من ldquo;ترستان و يسولداrdquo; لrdquo;فاغنرrdquo; و موسيقى ldquo;تانغو أرجنتينيةrdquo;. هذا فسره النقاد على انه التناقض و الاحباط في الرغبات الجنسية التي تتصارع على طول الشريط، فيلم رائع رغم غموضه سجل انعطافا تأريخيا في صناعة السينما و ساهم في زيادة المهتمين بالسينما من جمهور، الى نقاد، الى دارسين في هذا الفن الجميل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ليس مجرد مقال
جمال السامرائي -

انها ليست مقالة عن السريالية في السينما وحسب ، بل هي وثيقة مهمة يجب ان تدرج في تاريخ السينما ، لقد قرأت الكثير عن موجة الطليعية في السينما ومنها السريالية ولكتاب عالميين بدء من جورج سادول وانتهاء ب لوي دي جانيتي ، ولكنني حقيقة قرأت هنا معلومات جديدة ومهمة عن دالي وبونويل والسينما السريالية ، شكرا لك ايها الرائع حميد مشهداني والف تحية لك