ثقافات

وجوه وأقنعة خالد المبارك.. تكشف ازدواجية الانسان

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عبد الجبار العتابي من بغداد: احتضنت قاعة (النخلة) للفنون التشكيلية في مدينة المنصور المعرض الشخصي للفنان التشكيلي خالد المبارك الذي افتتحه مساء يوم الثلاثاء بحضور عدد كبير ن الفنانين التشكيليين والاعلاميين، فيما كان اللافت للنظر هو حضور الجمهور، لاسيما ان المنطقة التي تقع فيها القاعة هادئة ووادعة، حمل المعرض عنوان (وجوه واقنعة)، وقد احتوى على 100 عمل تشكيلي مابين رسم ونحت وكرافيك، لكن اللوحات مختلفة القياسات هي الغالبة بمشاركة نحو 10 منحوتات.

وكتب الفنان المبارك على صدر (فولدر العرض) كلمات معبرة عما يجيش في نفسه لمعرضه الشخصي، بالقول: (رغم العتمة التي نعيش...هناك عالم جميل في المخيلة.. نمني النفس بها..ان تتحقق،تحياتي لصديقي النبيل...طائر المهلهل الذي استعين بجناحيه الكبيرين لأحلق بعيدا..وازور مدني وأعاود ومن ثم ارتحل ثانيا...وهكذا فالرحلة تطول - بصرة -بغداد - الموصل -بيروت)، وطائر المهلهل الذي قال انه يرافقه حين سألته عنه قال (هو طائر المحبة والسلام،فهو صديق للطيبين والبسطاء والعشاق والمعدمين، ارسم في لوحاتي بالشكل الذي يتواءم مع تكوين اللوحة ومعطياتها، في السابق كان واضح المعالم وبشكلة المعتاد،ولكنه في الاعمال اللاحقة اصبح ياخذ طابعا رمزيا وبشكل ايحائي، والان بدا وكانه طيف ضمن تكوين اللوحة والتي اخذت طابعا تجريديا، اي ضمن الواقعية التجريدية)

في المعرض كانت هناك الالوان تجتذب الناظر والتخطيطات والافكار داخلها تستوقفه ليتأمل خطوطها وما في داخلها وما على اطرافها، ويذهب باحثا في عمق الالوان عن مكنونات كأنها تشير اليه لكنها تحتاج الى دقة وتمعن، وكذلك مخترقا الاقنعة التي يشاهدها ويحاول ان يزيلها عسى ان يتبين له الوجه الحقيقي للمقنع، فالوجوه ومن فوقها كانت تتحدث عن الخير والشر والاسود والابيض والحلو والمر، وتشير بببيص من الضياء الى الانفس القابعة هناك.

قال لنا الفنان خالد المبارك: معرضي هذا انتقالة ولكنها ليست جديدة وانما اكتشاف عوالم اخرى قد تصادفنا في اي مكان وهي تدوين لما هو موجود، وما عنوان المعرض (وجوه واقنعة) الا قراءة لما يحمله الانسان من تطلعات واكتشافات قد تكون مفتعلة في بعض الاحيان، والفنان جزء من هذا العالم وجزء من هذا المجتمع وبالتأكيد يشمله هذا الموقف،ففي كثير من الاحيان نجبر على ارتداء الاقنعة للحصول على مآرب قد نمني النفس بها، ولكن هذا الزيف وهذا التمقص للشخصية المغايرة لما هو موجود هي حالة سلبية قد تكون او هي مؤذية للمجتمع واكنها شي مفروض، والوجوه هي نوع من التمثيل والتقمص.

واضاف: النحات تكون لديه رؤى تجاه الاشياء المجسمة ومادة النحت دائما هي مادة حيادية ليس فيها لون، فأما ابيض او اسود، فهذه الشيء ينعكس على الفنان عندما يرسم، فاستخدامي للـ (بروفيل) الشكل الجانبي للرأس، وتراني اؤكد على الرأس دائما الذي هو رمز حامل الفكرة، والفكر هو الذي يقود المجتمع دائما ويقود الانسان، سواء كان يقوده للقمة او الهاوية، وانا اخذت هذه الثيمة واشتغلت عليها سواء كان في النحت او الرسم، وتركيزي على الرأس فيه قصدية ولكن عندما اريد ان اوازن معرضي وهنا اللوحة هي الطاغية، قد اكون مجاملا بعرض عدد من الاعمال النحتية، ولكنني حين ازيد العدد سوف تكون هناك حالة من الدربكة على طريقة العرض،

وتابع: هناك قصدية في عدم عرض منحوتات كثيرة والاكتفاء بنحو عشر، ذلك لان اللون هنا يسرق المشاهد فيسحبه من العمل النحتي، فأن انا عرضت اعمالا نحتية اما ان اعرض معها كرافيك او تخطيطات او ان اعرض شيئا بسيطا من الاعمال النحتية، ومن المؤكد ان هناك رسالة وهدف للمعرض، وتأكيدي على الوجوه والاقنعة هي ان المجتمع ينجرف حاليا نحو الهاوية بدليل الفساد الموجود والتهميش والاقصاء للمثقف بالذات، فالوجه مرتبط بالرأس والرأس هو صاحب الفكرة والسلطة، والوجه متغير، فهنا تكمن الازدواجية بالمعايير بالقرار وهذه هي ثيمة المعرض وحتى الانسان البسيط من الممكن ان تكون عنده ازدواجية وفقا للظرف الذي يعيشه وقسوة الحياة، والضحية دائما هو الانسان البسيط الذي هو مستلب الارادة، والضحية الاكبر هو المثقف، فهذا الانسان الوديع الكبير الذي لا يستطيع ان يتنازل عن مبادئه، فلا يستطيع ان يتعايش مع الواقع المؤلم هذا ولا يقدر ان لا يتعايش معه، فتجده يصارع الحياة وقد يدفع الثمن في النهاية، وهذه هي المأساة.

وخلال وجودنا في القاعة حاولنا استطلاع بعض الاراء بالمعرض واللوحات من خلال محاولة البحث عن الجديد في ما اتى به المبارك.

فقال الدكتور جمال العتابي، المدير العام لدائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة،: أود ان اعلن ان الفنان المبارك فاجأني بمعرضه هذا، فاجأني بهذه اللوحات الفنية الجديدة المعروضة، وهو الذي عرف عنه انه نحات معروف وله تجارب مهمة في مجال النحت، وهناك العديد من النصب والتماثيل له، الا انني وجدت المبارك ملونا ممتازا ومزج في لوحاته بين الخيال والحقيقة، بين الاسطورة والواقع في تشكيلات قدمها بكثافة لونية مبهرة، ما يجمع بين اللوحات هو موضوع يكاد يكون واحدا في التشكيلات والشخوص وفي التنويعات التي توزعت على معظم لوحاته، هذا الشخص الغرائبي ربما يبدو بملمح واحد يجمع ما بين كل هذه اللوحات التي تشكل موضوعا مهما وهاجسا لفنان يستطيع الوصول الى لحظة ما في عمله الفني.

واضاف: سبق لهذه القاعة ان استقبلت معرضا اخر، ولكن من الجميل فعلا ان يقام المعرض في هذه المنطقة ونجد جمهورا متذوقا ومتخصصا وجمهورا اخر يهوى هكذا فعاليات، لذلك تجد بين الجمهور عددا كبيرا من الرواد، وانا اعتقد ان هذا الاختيار للمكان كان موفقا وجميلا ويكاد يكون ظاهرة متميزة في هذا الحي، وأجد كذلك ربما المارة في الشارع حينما يشاهدون الالوان والاشكال اللافتة للنظر يعتبرونها في باديء الامر اكسسوارات فيسحبهم المكان وبالتالي تكون هنالك فرصة لهم للمشاهدة والاطلاع والاستفادة ايضا، وربما يكون اقبالهم متعمدا في معارض اخرى.

فيما قال الكاتب والناقد مؤيد البصام: خالد المبارك فنان له حضوره ووجوده في الساحة الفنية والتشكيلية وعنده (ستايل) خاص يشتغل عليه وعلى ضوئه، وهو يطور به ويحور، وهو (ستايل) معروف به، على الرغم من انه اظهر الينا لوحات جديدة ليست كثيرة، ثلاث لوحات او اربع لكن بشكل عام هو هذا شغله وقدراته في الخط واللون وهي قدرات معروفة.
واضاف: ان اكثر ما لفت انتباهي في المعرض شغله وخاصة اللوحات التي هي وجوه ولكن تجريدية، وهي شغل جديد اعتبره خارج عن مألوف خالد المبارك، وهو شغل فيه تأثيرات اسماعيل فتاح الترك وليزا وغيرهما، ولكن شغله الخاص الذي لفت انتباهي كان جميعا.

اما الفنان التشكيلي مؤيد محسن فقال: الاخ الفنان خالد انا احبه وهو صديقي وهو دؤوب وليس في هذا جدال، ولكن الذي شاهدته فيه تنافض بالاساليب، ويعذرني ان قلت هذا لانني مؤمن بقول (حب لاخيك ما تحب لنفسك)، هو يسير في عدة (ستايلات) في عدة انماط وهذه حالة غير صحية، واتمنى يكون (ستايل) المعرض، وانا لا افرض رأيي عليه ولكن حبا به، مثل مجموعة الاعمال (اللوحات الزرقاء الثلاث)، هذه في الحقيقة جديدة ولم اشاهدها في اية تجربة سابقة له وهذه التجربة تجيّر له، لانها تجربة متفردة، ويا ليته يبتعد عن كل الانماط التي قدمها وهي انماط انشائية وشكلية وان يشتغل على هذه التجربة وان يعمل على تطويرها، وانا اسميتها (مجموعة الاعمال الزرقاء).

وقال الناقد التشكيلي حسن عبد الحميد: ربما يكون خالد المبارك من الفنانين غير المحظوظين في مجال الشهرة او تقديم انفسهم لما يتمتع به من هدوء وتواضع وعمل متأني، ولي شرف الاسهام في هذا المعرض حين يتصادف مع افتتاح المعرض صدور عدد جديد من مجلة (تشكيل) يضم مقالا اتحدث فيه عن تجربة المبارك عنوانه (غرائب المألوف.. سر سحر تعلق الاشياء بالاسطورة)، فمنذ بواكير هذه التجربة التي تحاول ان تواشج ما بين النحت والرسم، ويبقى كل شيء مستقلا لصالح الصنف الذي ينتمي اليه، وهذه التجربة تعد تجربة ناضجة ليس على صعيد هذا المعرض فقط، فهي تجربة محلية خالصة فيها جانب من الاسطورة، فيها جانب من الاشكال والمعاني المفهومة والمعاني المحلية التي يحاول الفنان ان يرتقي بها لكي يجعل منها اسطورة، وثمة كاتب يقول (نحن نهيىء الواقع لكي نجعل منه اسطورة)، ربما هذه العبارة تنطبق كثيرا على معطيات هذا المعرض الذي يتميز بتنوع الاساليب ودقة العمل وانفتاح العمل على جوانب تراثية وانسانية واسطورية كما قلت، وليس بجديد على خالد المبارك ان ينحى هذا المنحى في هذا المعرض الذي يضم اعمالا متميزة على مختلف القياسات وهي اعمال متقدمة من ناحية التقنية ومن ناحية الشكل والمضمون، وبتقديري الشخصي اقام خالد عدة معارض خارج العراق، وربما المشاهد العراقي لم يفحص جيدا اعماله ولكن هذا المعرض فرصة سانحة ومناسبة حقيقية للكشف عن مهارات هذا الفنان الذي يتمتع بفهمه لدراسة اللون وبفهمه للون الذي يشتغل عليه بجانبه التصميمي وجانبه الاخراجي بالاضافة الى وجود منحوتات تمثل ايضا معطيات واهتمامات ومناحي هذا المعرض الذي يعد من المعارض المهمة.

وقالت الفنانة سوسن: يعد الفنان خالد المبارك مدرسة فنية من خلال متابعتي لاعماله وانشطته وهو من جيل ما بعد الرواد، هذه المرة اشتغلت ثيمة جديدة اعجبتنا وان كان المعرض متنوعا، لكنه ركز على الوجوه التي لها تأويلات كثيرة وقد تميز بها، وان اشتغل فنانون كثيرون على الوجوه مثل الفنان حيان واسامة حسن، ولكنه تميز بطريقة تلوينه والتكنيك الذي لديه.

ومسك الختام كان مع غادة شاكر التي قالت: المعرض ادهشني لان لوحاته جميلة وتمثل شكلا راقيا من الفن التشكيلي فضلا عن انه هادف، وقد لفت انتباهي في لوحاته تلك السمكة التي اغلب رسوماته كما انتبهت اليها، وحتى الوجوه كانت اسماكا والعيون اسماكا، كل ما هنالك فيه شكل السمكة، وهناك فيها انعكاس للوجوه البشرية وخاصة ان المعرض اسمه (وجوه واقنعة)، فكلنا نمتلك وجوها ونمتلك اقنعة، لذلك اعجبني واعتبره روعة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف