ثقافات

دارين قصير: أتمنى أن لا تدركني الكهولة قبل أن أكتب شيئاً أرضى عنه

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

محمد الحمامصي من القاهرة: تملك الشاعر اللبنانية دارين قصير تجربة ثرية برؤاها التي تحتفي بتجليات الحب والحياة بتقلباتهما الأكثر عمقا في الروح والجسد، ويزيد من هذا الثراء لغة تحمل نعومة السكين حين تتغلغل في نسيج المخيلة، فتقدم صورة منفتحة الدلالات، هذا على الرغم من قلة إنتاجها حيث لم تصدر إلا مجموعتين شعريتين هما "أرى الفرح بدمعتين" و"مقام العاشقة" فيما تجهز الآن لإصدار مجموعة ثالثة.
من أجواء مجموعتها الثانية:
كنت وحيدة أزرع رأسي
في رخام المسافات
ليس لي غير ارتعاشة مضاءة
لا تتسرب الروح مني
عيناك عزاء وحدتي
لونت في المساء شعري الطويل
...
لي روح من نار
وفطرة الرمال
أنا مخلوقة هذيانك
اتبعني لآخر الجبال
اتبع أنفاسي ورائحة عطري
أنا حورية خطاياك
موسيقاي تعزف أوتارك
وأنا المعفية من الألم والحزن بعدك".
في هذا الحوار معنها نضيء جوانب كثيرة في تجربتها وعملها ورؤيتها.


** دارين قصير خرجت من عباءة الإعلام لتتدثر بغوايات الشعر، وبين جفاف الإعلام وتقريرية المادة الصحفية من جهة ونداوة الشعر وجمالية الكتابة الشعرية مثلت المرأة بوجهيها العملي الموضوعي والخيالي الحالم، أيهما الأقرب إلى قلب دارين قصير الإعلام أم الشعر؟
** لن أخرج يوماً من عباءة الإعلام مع أنني حتى اليوم لم أدخله كما يجب، اعتقد أنني اليوم على أبوابه، كنت قد دخلته وأنا في لبنان لكن ما لبثت أن سرقتني الغربة وما عدت أكتب كما يجب بت تائهة في كل الأشكال الصحفية ولم أختر ما أتمناه، وكان الشعر هو سارقي الأول إذ احتلني دون أن أدري، أخذني من عالمي لعالم آخر لا أرغبه ولا أحبه ولكنني تعلقت به، عشقته حتى بات جزءاً من كياني وروحي.
اليوم لا أستطيع أن أقول أيهما الأقرب فكلاهما قريبان إليّ وأنا وحدي الضائعة بينهما، كلما ذهبت لأحدهما اشتقت الآخر لذا أنا هما وهما أنا، ثلاثتنا في جسد واحد كلما مللنا ابتعدنا واقتربنا، أحب هذه العلاقة بيني وبينهما لأنها علاقة شغوفة دوماً مليئة بالرغبة نحو التجريب والإبتداء من جديد مع كل نهاية سطر، لم أكتف منهما وأعتقد أنني أدمنتهما وسيصعب علي الاختيار بينهما أو الإبتعاد عنهما لأنني سأختارهما معاً وسأرتديهما عباءتي أينما وطأت قدماي، الشعر ندى الصباح والإعلام قوته وهل من إنسان يحيا دون الندى والقهوة بالحليب.

** هواجس المرأة الشاعرة كثيرة فمن الشاعرات من كتبت للوطن والأمة ومنهن من كتبت للثورة والتغيير ومنهن من تنسكت في معبد الحب، أين تجدين نفسك؟
** أجد نفسي إمرأة، أنثى حالمة غاضبة متمردة تكتب لكل هذا، لا أصنف نفسي في موضوع من الموضوعات التي ذكرتها لأنني حينها لن أكون بشاعرة بل ناقلة لأحداث فقط، وأنا حين أكتب الحب فأنا أكتبه للوطن للحياة للأمة وحين أتمرد على الرجل في نصي فهو تمرد على كل ما يناقض رأيي في الحياة ويتجه عكس ما أشتهي وأرغب.
أذكر أنني كنت يوماً طفلة ولكن هذه الطفلة غابت عني مذ أدركت الحياة إذاً أنا أجدني في الوطن في الغربة في الحياة في الحب في الشغف في الكره في كل ما يمكن أن يمس الأنثى أو يحرك فيها ساكناً، أن يصيبها بالدهشة ويعتلي سماءها فيسقطها في حضيضه، لكنه الحضيض الأجمل، هنا أجدني بكل ما للكلمة من انتماء للأنثى التي هي مرادف لكل شيء في هذا العالم يدور.

** ما هي المساحات الضبابية التي تؤرق دارين قصير وتستثير حاستها الشعرية تجاه الموجودات؟ ما الذي يقلقها من أشياء الحياة؟ وما الذي يحيرها في بحثها عن استقرار ما؟
** كل ما يدور في الحياة يقلقني ويؤرق مسيرة حياتي، لكن من يعرفني يدرك أنني لا أجاهر بما أشعر به كي لا يفهم الآخرون شعوري ضعفاً، تجدني دائماً متماسكة أمسح ضبابية الحياة بابتسامة، أحياناً أكتب لطفلة ما رأيتها في حالة فرح أو حزن أو ما، أذكر أنني كتبت قصيدة يوماً لفتاة مراهقة التقيتها وكانت تصفف شعرها للمرة الأولى كتبت للفرح الذي رأيتها فيه وكيف تغيرت ملامحها ما قبل الدخول وبعد الخروج من الصالون كانت لحظة حركت دهشتي، وهذا هو أكثر ما يقلقني، أعني حزن وكآبة الأنثى وبحثها نحو الكمال وحين تجده تدرك أنها ما زالت بعيدة عنه وإن كان على مرأى عينها إلاّ أنها بعيدة.
الإستقرار كلمة لا وجود لها في قاموس الحياة، آتني برجل أو إمرأة بمختلف ثقافاتهم ودياناتهم ومذاهبهم وأفكارهم وإنتماءاتهم وتشكلاتهم الوجودية والبنيوية والبيئية مستقرين، الإستقرار نعمة مفقودة في حياتنا، دائما هو الأرق الجميل يرافقنا حتى في الفرح وقمة النجاح هناك ما يشغل بالنا ويسرقنا من هذا العالم إلى عالم الكآبة والحزن، الأرق هو وجودنا، القلق هو حياتنا، كم جميلة حياتنا معه ولولاه لما خلق شاعر أو أديب، كيف لنا أن نكتب دون هذا الشرط الملازم لشرط وجود الحياة.
** تتجه كثيرات من الأديبات العربيات إلى الغوص في عوالم الجنس والإيروتيك بحثاً عن الانتشار والشهرة، وبعضهن ينشرن كتبهنّ مبرزاتٍ صوراً بالفوتوشوب لوجوههن، ماذا تقول دارين قصير صاحبة الوجه الجميل في ذلك؟
** أولاً لا أعترف بأنني جميلة ولا أؤمن بهذه المقولة ولن يحركني من يرى جمالي ولا يراني أنا، لا يرى دارين الروح الإنسانة، لم أنشر صورتي على كتابي ولن أنشرها، ولكنني لا أعترض على من تضع صورتها على غلاف كتابها ربما هي ترغب بذلك، غلاف كتابي الثاني سكن روحي، والبعض يعتقد أنني أنا ولكنها لوحة للفنانة المبدعة سمية السويدي التي رسمت روح فتاة أدارت ظهرها ربما للقلق والعالم، وأنا أدرت وجهي للقراء وأردتهم أن يروا قصائدي، أن يغرقوا في هذا العالم لا في عالم صورتي التي تحتاج لتعديل كثير.
ومن خلال علم النفس الفرويدي يعد النص لحظة انفلات ولحظة الكشف عن القيعان وبالتالي النص هو كشف عن الدواخل، وخروج من عالم الواقع المحسوس لترك النفس في رحاب الخيال الواسع، وربما هذا ما يدور في دواخل الكاتبات حين يكتبن يتماهين مع النص ويصبحن في تحليق إبداعي يجرهن أحياناً إلى وصف ما يرغبن به أو تجربة ما، لست ضدها إن كانت تخدم النص والفكرة وليست مجرد كتابة لتحرك المشاعر الذكورية التي تهتز مع أول سطر من هذا الكلام، أنا مع الإيروتيك طالما أنه يخدم الفكرة والهدف من النص ولا يجرده من الإبداع، وهذه الحالة موجودة منذ القدم فأبو نواس كتب الكثير في هذا الموضوع وأشار تلميحاً إلى علاقة الذكر بالذكر في قوله "يا شقيق النفس من حكم نمت عن ليلى ولم أنم"، وغيره كتب أيضاً قبل قيام الكنيسة بآلاف السنين كإنانا حين صرخت "إحرث لي فرجي"، إذاً نحن هنا أمام تجربة قديمة حديثة ليس علينا بوضع تابو عليها وإغلاقها وليس علينا أيضاً أن نكتب نصوصاً جنسية لتتناسب والميول المرضية لبعض القارئين، فالعلاقة الجنسية علاقة إنسانية سامية لا تحمل أن تكون مجرد محرك ومحفز لزيادة القراء، لست بموضع الحكم عليهن ولن أحكم فلهن الحق كحق إنانا قبلهن ولكن لتكن صرختهن ضمن ما يحتمله النص كإبداع لا كتقريرية سردية.

** عند كل شاعر قصيدة لم يقلها بعد، ما هي القصيدة التي تنتظرين ولادتها على يديك؟ متى تأتي وكيف هي ملامحها؟
** ذات دمع أعترف هنا أنني لم أكتب قصيدة تقولني أو تقول ما أحتاجه، كتبت ما رأيت وما شعرت بتجارب الآخرين واستعرت مني قليل حب أعيشه لأزين المأساة، والألم الذي يعيشه البشر، القصيدة التي أنتظرها قصيدة أكتبها وأقول بعدها اكتفيت لا أريد أكثر، كما أنه ذات جنون أصابني كتبت قصيدة قلت بعدها لن أكتب حملت عنوان "نقطة في نص أخير"، لكنني شعرت بعدها بأسبوع أنني لم أحقق ما أريده ولم أكتب نصي الحقيقي الذي أرضى عنه حتى اليوم، وملامحها لا أعرفها وهل من امرأة تدرك ملامح جنينها قبل أن تحمله بين يديها ويتشكل روحاً، كذا القصيدة التي أبحث عنها ما زالت تدور حولي لكنها لم تزرني حتى اليوم.

** إتجهتِ إلى كتابة الشعر كقصيدة نثر، هل تجدين فيها شكلك الفني الأقرب؟
** لم أجرب قصيدة التفعيلة أو العمودية لأدرك إن كانت قصيدة النثر ما يستهويني من أنماط الكتابة الشعرية، أنا مبتدئة في هذا العالم الكبير المليء بالجديد، كتبت أول نص لي في عام 2006، إذاً، تجربتي حديثة وعندما بدأتها كتبت الشيء الوحيد الذي أعرفه وبالمناسبة كانت القصيدة الأولى عبارة عن رسائل نصية قصيرة، أدركت بعدها أنني على باب هذا العالم أحبو وأقدم فرض الولاء للدخول إلى بدايته، وما زلت في البدايات أحاول رسم شكل النهايات، ولا يسعني تجربة الأشكال الأدبية الثانية لأنني لا أتقنها ولا أعرف كتابة القصيدة الموزونة، كما أنني أعتبر أن قصيدة النثر تقول ما تعجز عن قوله قصيدة التفعيلة لمراعاتها الوزن والموسيقى فأحياناً يضطر الشاعر إلى إضافة كلمات ما غير مقتنع بها لتكتمل قصيدته، بينما في النثر هناك الروح والشغف والإبداع يحرك القصيدة، يعجنها بين يديه لتتشكل حروفاً إلهية ممنوع علينا العبث بها.

** ما الذي يتغير في نظرك في التجربة الشعرية للشاعر بين عام وآخر، وكيف ترين ملامح كتابتك الشعرية بين مجموعتين شعريتين "أرى الفرح بدمعتين" و"مقام العاشقة"؟
** كل شيء يتغير، والإنسان في كل يوم بحال جديدة، ولكل زمان ومكان أدبه ومرحلته الشعرية وإن توقفنا عند تجربة ما، فما من شيء جديد نقوله إنما نكرر أنفسنا.
بين تجربتي الأولى والثانية فارق كبير، لدرجة أنني أقول لو أن "مقام العاشقة" كان بدايتي، مع أنها ليست المطلوبة وما كنت أرغبه ولكن لصعود الدرج تراتبية وأعتقد أنني صبورة بما فيه الكفاية لأصل إلى ما أريد، والرضا الكامل لا يتحقق بهذه السنة إنما يحتاج لكل سنوات العطاء الشعري ويبقى الشاعر غير مقتنع بما قدمه، وهذا ما يدفعه للنجاح والتقدم تحفيز نفسه، أما الشعور بالرضا والاقتناع يمنعان الشاعر من تقديم أفضل ما يملك في كتابته.
واليوم أقول لو أن ديواني الثالث الذي أحضر له هو بدايتي لكان أروع، التجربة تختلف ولكل كتاب لذته ومذاقه الخاص وروعته وتجربته الخاصة به لا ألغيها، لكنها تمر بمراحلها العمرية كما نحن في مرحلة مراهقة وشباب إلى وعي ومسؤولية وكهولة، أتمنى أن لا تدركني الكهولة قبل أن أكتب شيئاً أقتنع به وأرضى عنه.

** النشر ومعوقاته، وأنت أصدرت مجموعتيكِ الشعريتين عن دار كنعان في دمشق، هل شكل النشر لدارين قصير مشكلة في الانتشار وتعريف القراء العرب بالتجربة؟
** نعم أعترف أنني لم أوفق في النشر، فدار النشر التي طبعت لديها لم تعطني حقي كتجربة جديدة، لم أر كتبي خلال سنتين إلاّ حين صدورهما فقط، ولم يستطع أحد الحصول عليهما لا في لبنان ولا في مصر ولا في أي مكان من أصدقائي، النشر مشكلة كبيرة، أحياناً كثيرة أختار وبشكل شخصي كتباً لأسماء غير معروفة وغير متداولة يشدني العنوان أو القصة أو شيء ما فيدفعني إلى قراءة هذه التجارب الأدبية وأتمنى أن تحل هذه المشكلة، لأن النشر الرقمي بدأ يأخذ الأضواء من الكتب وإن استمرت دور النشر بهذه المزاجية في تعاملها مع الكتاب ستعمق الهوة بين المثقفين والكتاب مع أنني من الرافضين والمعارضين تماماً للنشر الرقمي كبديل عن الكتاب لكنني للأسف مقتنعة بأن النشر يعيق انتشار تجربة المبدع أياً كان.

** لمن تقرأ دارين قصير من الشاعرات، الشعراء، الروائيات والروائيين؟ وأي شعر تجده الأقرب إلى التعبير عن ميولها الشعرية والأدبية؟
** للشعر الفرنسي برأيي تجربته الخاصة والمتميزة، التي شكلت تأثيراً كبيراً في مسيرتي مع أنني لم أتأثر بكتابتهم في قصائدي، يختلف أسلوبي عنهن، أقرأ للكثيرين وليس من أحد معين، لا أقدس أحداً.
أحب الأدب كله، أقرأ لأدونيس، لأنسي الحاج، لواسيني الأعرج، لأندريه شديد، لماركيز، باولو كويلو، لظبية خميس، لحبيب الصايغ، قرأت لحنا مينة ولأمين معلوف، أقرأ للكثير من الكتاب الجدد غير المعروفين والتي استوقفتني تجربتهم الإبداعية والرسالة التي يريدون إيصالها، أقرأ لمن تقتلني الدهشة حين أبدأ بقراءته، أقرأ حين أصاب برهبة الحرف الذي أنا في حضرته، أقرأ كل ما هو جميل ورائع، وأذكر أنني قرأت كتاب أحلام مستغانمي "نسيان دوت كوم" خلال يوم كامل لأرى الفشل الذي نحن بصدده، ما أريد قوله أنني أقرأ ولا أقف عند تجربة معينة بل أقرأ وأتابع كل ما يمكن أن يترك أثراً في حياتي.

** كيف تقرئين المتغيرات في طبيعة وشكل حياة الإنسان العربي في العصر الحاضر، وهل تحملين الاعتقاد بأن الشعر سيجد حلولاً لمشكلات الحياة؟
طبعاً لا، ومن يحمل هذا الإعتقاد إنما هو مجنون سارح في عالم الخيال أو توقف عند أفلاطون في مدينته الفاضلة ولم يطور نفسه وخياله مع الحاصل اليوم، نعم في عصر التغيرات الكبيرة سياسياً وإجتماعياً وإقتصادياً، العالم الرقمي إجتاح العالم، هل قصيدة حب تنسي الألم والعذاب وصور الموت المتنقلة يومياً، هل قصيدة رثاء تمحي الكره الذي نكنه لشخص، هل الحب والغزل يعطي الحبيب حقه، هل قصيدة تستطيع أن تنقلنا إلى الوعي التكنولوجي الحاصل اليوم، العالم بات صغيراً وكاذباً، تافهاً بانفتاحه على الآخر، الشعر لا يعطي الشاعر ثمن كوب الحليب لإبنه أو ثمن أقساط مدرسته أو يدفع له تكاليف الحياة، وقلت سابقاً النشر لا يعود بفائدة على الشاعر فكيف بالقصائد أن تحل مشكلات الحياة المترسخة بالجذور إلى جذور الجذور.
** يقع الشاعر في أخطاء كثيرة أولها عدم التفكير الموضوعي في شكل تجربته الشعرية، وهو يعوز في ذلك خبرة الناقد المجرب والباحث المنهجي، أين ترين دور النقد في تصويب تجربتك الشعرية؟ وهل توافقين من يقول بأزمة النقد العربي؟
** أزمة نقاد لا نقد، النقد موجود وبشكل جميل ورائع هناك نقاد يكتبون ليصوبوا مسيرة الفنان وهناك من يكتبون ليجرحوا بالكتاب مستعرضين عضلاتهم اللغوية الفاشلة في أماكن ثانية للصعود على كتف الشاعر أو القاص في محاولة ذبحهم لنصه وعرضه كمسودة فاشلة وهو أرقى كنص أقصد من أن يكون بين يدي هكذا ناقد، وبرأيي الناقد هو ذاك الإنسان الشاعر الذي أخذ على عاتقه الغوص في عالم كتاب ما ليستخرج أجمل ما فيه من كلمات ومشاهد مكثفة لغوية تثير الدهشة في نفوس قارئها، مع الإشارة على نقاط الضعف العالقة في النص في محاولة لدفع الكاتب لإعادة كتابتها بشكل أجمل في قصيدة ثانية وعدم الوقوع في الأخطاء نفسها.
خلال تجربتي كتب عني ما يقارب خمسة نقاد أفتخر بتجاربهم وعمق كتابتهم ولم يسبق أن كتب أحد عني بشكل أساء لنتاجي بل كانوا يعملون على قراءة النص بكل تجلياته بطريقة جمالية ولغة عالية، ومشكلتي تقع أنني متزوجة بشاعر وناقد وروائي وصحفي يمتلك كل أدوات وهو أول من ينتقدني والوحيد الذي يسعى دوماً لإنتقادي بشكل سلبي مدركة تمتاماً أنه يسعى لأن أمتلك القدرة الحقيقية على الكتابة كونه أول من اكتشف قدرتي تلك.
لذا نشأت لدي مقولة أنه ما من وجود لنقد حقيقي، فالنقد في الحياة اليومية وبعيداً عن المسابقات يتعرض للكثير من الضغوطات والمعارف، على سبيل المثال، لو أنني أعرف ناقداً معيناً وتعرض لي شاعر لهاجمه صديقي الناقد وهكذا إذا حركة النقد تتبع أهواء كثيرة وظروف تحكمها تؤثر سلباً عليها، وتسرق منها شفافيتها وجماليتها لأن النقد الحقيقي يصنع الشاعر الحقيقي والروائي الجميل والنثر الرائع، باختصار النقد البناء والصريح والواقعي يسير إلى جانب كل أنواع الكتابة الأدبية.

** في شعرك ملامح كراهية الرجل وحبه في آن معاً، ماذا تريد دارين قصير من رجلها الذي ترسم تكويناته وملامحه في قصائدها؟
** هو الحب فقط، هل تكره شخصاً لا تكن له أية مشاعر، الكره يأتي من الغيرة من الحب من الشغف والعشق اللامتناهي للشريك، أمّا ما أريده فأريده رجلاً شرقياً عربياً ليس متمرداً وغاوياً وتابعاً، أريده ساكناً متحركاً يسقطني إلى سمائه وأعليه إلى أرضي أنتشي بحضوره كما غيابه، أشتاقه ولا أكونه مجرد وجود ضروري أحتاجه رجلاً يدرك قيمة وجودي وأهمية إحساسي، أرسمه بقصائدي في كل نص هو موجود ومتحرك، هو أنا التي تكتبه قبل أن تكتبني.
وأعترف أن الرجل هو من أسس لمسيرتي الأدبية، هو من أعطاني دافع الكتابة وحرك إصبعي، هو من خط مشاعري باسمي. أعترف أنه ترك بصمته الإيجابية وتأثيره القوي على بداياتي الأدبية "لأنني ما زلت في البداية فقط"، وأنا أحسنت استخدامها وأتقنت توظيفها كما أريد، فعشت الحب في الحياة وكتبته كرهاً وحقداً وأحياناً جسدته فراقاً وربما يعود السبب في ذلك أنني أعرف معنى الفراق الحقيقي لأنني أعيش جنة الحب، وما أمتلكه اليوم إن خسرت هذا الرجل خسرت ملكيتي وهويتي، لذا هو بصمتي في الشعر وهويتي الأدبية.


** هل تؤمنين بانمحاء الحدود بين الأشكال الأدبية؟ وهل تفكرين فعلاً عند الكتابة بأنها ذاك المأزق الجميل الذي يضعك في مواجهة الاشكال الأدبية مجتمعةً في محاولتك مزجها بخلطة سحرية بين أناملك؟
** من ناحية التعبير والتشابه والتراكيب اللغوية نعم إنمحت هذه الحدود، أما من ناحية الشكل فما زال كل شكل أدبي له خصوصيته التي يتمتع بها والتي لا يمكن لشكل آخر أن يسطو عليها، إن الكتابة هي ذاك المأزق الجميل التي تجرنا إلى عوالم غريبة لكن يبقى لكل من أشكالها تقنياته وميزاته الخاصة.
** مشروعك الأدبي القادم؟
** أعمل على كتاب جديد مجموعة قصائد نثرية أيضاً، أعتقد أنني سأنتهي منها خلال هذه السنة، كما وإنتهيت من كتابة قصيدة مطولة أعتقد أنها ستشكل منحى جديد في مسيرتي، وبصراحة أحاول التعدي على نوع أدبي آخر، بدأت فيه ولكنه ما زال طي الكتمان لن أفصح عنه قريباً حتى أقتنع بفكرة أنه يستحق النشر أو حتى فكرة استكماله للنهاية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف