ثقافات

رواية غاتسبي العظيم كاملة في مسرحية طولها 8 ساعات

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إعداد عبدالاله مجيد: تُعرض في لندن حالياً مسرحية "غاتس" التي يستغرق تمثيلها من المشهد الأول حتى اسدال الستارة على المشهد الأخير بقدر ما استغرقته الرحلة الجوية التي قطعتها المسرحية من موطنها في الولايات المتحدة الى العاصمة البريطانية.
تبدأ المسرحية برجل ذي مظهر عادي يدخل مكتبًا بائسًا في بداية دوامه اليومي. يحاول أن يفتح كومبيوتره الديناصوري كما يبدو ولكنه يفشل. ثم ينهمك الرجل في قراءة رواية ذات غلاف ورقي يعثر عليها في محفظة ملفات كبيرة على مكتبه.
يقرأ موظف المكتب من الكتاب بصوت عال. وإذ يبدأ زملاؤه بالوصول يبدون غير مبالين بما يفعله ولكنهم يلاحظون انشغاله عن كل ما حوله بالقراءة. وبعد 8 ساعات ما زلنا نتابع هذا الرجل في مكان عمله المتداعي ولكننا مع ذلك ننتقل الى عالم آخر ـ في لونغ آيلاند ونيويورك عشرينات القرن الماضي، بين الأثرياء والصاعدين، بين المعطوبين ومنكسري القلوب. فإن هذا الموظف البسيط بقراءته الكتاب صفحة إثر أخرى تحوَّل الى الراوي نك كارواي وإذ ينخرط زملاؤه الاثنا عشر من حوله تدريجيًا في ما يفعله بعد أن يستدرجهم العالم الذي يرويه وكأنهم ممسوسون فإنهم يصبحون الشخصيات الأخرى لواحدة من أكبر الأعمال الكلاسيكية في أدب الرواية الاميركية ـ غاتسبي العظيم.
هكذا تُمثل "غاتس"، رائعة سكوت فيزجيرالد التي كتبها عام 1925، من اداء فرقة مسرحية نيويوركية أسمهما "أليفيتر ريبير سيرفس" أو "خدمة تصليح المصاعد". وكانت فكرة المسرحية تبلورت في عام 1999 واستمر عرضها بنجاح منذ عام 2005، في نيويورك على امتداد مواسم متعددة ثم في عموم الولايات المتحدة والخارج. وهي تُعرض الآن في ويست ايند ضمن فعاليات مهرجان لندن المسرحي العالمي.
وتقدم المسرحية نص غاتسبي العظيم الذي يتألف من 49 الف كلمة بأكمله وتتطلب من الجمهور أن يجلس ساعات لمتابعتها ولكن الناقد دومنيك كافنديش يؤكد أنه لا يبالغ حين يقول إن الوقت يطير بتأثير الابتكارات التي ابدعتها الفرقة الاميركية وطريقتها في مسرحة الرواية مع ما يكفي من الاستراحات خلال العرض. وينوه كافنديش بأن العمل الذي يُقدم للجمهور يجمع بين احترام النص والتجريب المسرحي الخلاق في تكريم لرواية فيزجيرالد وتحية لقوة المسرح.
وكان المخرج جون كولنز بدأ "غاتس" عملاً مسرحيًا تجريبيًا محضًا. وقال لصحيفة الديلي تلغراف إن الفرقة بدأت تبحث عن طريقة لمسرحة الرواية بعد أن وقع بغرامها ولكنه لم يتوصل الى ما يرضيه. ثم خطرت بباله الفكرة القائلة "إن هذا كتاب وعلينا أن نكف عن محاولة جعله مسرحية. فلماذا لا نقدم النص كاملاً؟"
واعترف كولنز بأن الفرقة توقعت أن تفشل في محاولتها "ولكنه سيكون فشلاً انتاجيًا مثيرًا".
وبدأ العمل جديًا في عام 2004 بوحي من ضيق المكان الذي كانت الفرقة تستخدمه. وأسهمت هذه المعالجة في ترتيب العديد من الأشياء بحيث تكون في مكانها المناسب. ولكن كلما احرزت الفرقة تقدمًا في تنفيذ مشروعها الجريء بدا أن احتمالات الحصول على حقوق انتاج غاتسبي العظيم بهذا الشكل المسرحي الصعب تزداد تضاؤلاً. إذ كان ورثة فيزجيرالد متوجسين من تقديم "غاتسبي العظيم" في مثل هذا العمل الإشكالي وكانوا يدعمون عملاً منافسًا اكبر يقدم الرواية مسرحيًا في برودواي. ويتذكر المخرج كولنز أن الورثة ظلوا يقولون "لا، بالتأكيد لا، انسوا الموضوع" حتى قبل 72 ساعة على موعد الافتتاح حين كان كل شيء جاهزًا.
وقررت الفرقة مواصلة التمرين والتحضير مدركة احتمال مقاضاتها قانونيًا ومنعها من انتاج المسرحية وفرض غرامات مالية لتجاوزها على حقوق الملكية الفكرية. ثم بدأت تتناهى الى اسماع الورثة أن العمل يستحق الثناء حقًا فبدأت ممانعتهم تتراخى وأعطوا موافقتهم على تقديم المسرحية في جولة داخل الولايات المتحدة ولكنهم لم يسمحوا رسميًا بتقديمها في نيويورك إلا عام 2010.

في هذه الأثناء اصبح الممثل سكوت شيبرد الذي يقوم بدور الراوي نك أكبر عمرًا من عمر الراوي البالغ 30 عامًا في غاتسبي العظيم وهو الآن في الثالثة والأربعين. ولكنه قال مازحًا إنه كلما زادت تجاعيده كان ذلك علامة صحية على نحو ما، بمعنى استمرار عرض المسرحية بنجاح. وأوضح شيبرد "أن العمل مبني على اللادقة، إنه مبني على التناقض بين الأجواء التي نشيعها والأجواء التي يصفها الكتاب فيما تعمل مخيلة الجمهور في الفضاء الممتد بين هذه وتلك". وتابع أن "المشفَّر في الأمر كله هو اللهفة، لهفة هؤلاء النكرات العاملين في مكتب بائس على استحضار قصة غاتسبي العظيم بكل تألقها أو حتى لهفة اولئك النكرات في فرقة مسرحية متواضعة على محاولة تقديم غاتسبي من دون أن تكون لديهم الموارد لتقديم عمل ممول تمويلاً حسنًا".
وبعد اكثر من 100 عرض طُبع الكتاب في ذاكرة شيبرد الذي يقوم بدور الراوي نك بحيث أنه على الأرجح يستطيع أن يسرده كاملاً دون مساعدة. وأُصيب مرة بجفاف الحلق حتى إنه لم يستطع النطق ولكنه تمكن من الاستمرار رغم ذلك.
وعن سر نجاح عمل صعب مثل "غاتس"، قال المخرج كولنز "إن رواية غاتسبي العظيم جزء من وعي كل شخص بل جزء من اللغة التي تعتبر من المسلمات. واعتقد أن متعة عظيمة تأتي من رؤيتها مجددًا بشكل مفاجئ".
يستمر عرض "غاتس" على مسرح نويل كاورد في لندن حتى 15 تموز/يوليو.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف