سلالم النهار لفوزية شويش السالم: حين تنقذ الرقابة وطنا من كتاب!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فضيلة الفاروق: في زمن الأنترنت ومواقع مثيرة لا تعد ولا تحصى، تقدم لنا أشهى أطباق الجنس، وكل الممنوعات بالصوت والصورة، لا يزال الكتاب يمنع في بعض الدول. و المصيبة أنه يمنع بطريقة بوليسية و كأنه مجرم شرس، أو كأنه أكثر الوسائل إفسادا للمجتمع.
في الكويت الشقيق، يتدخل الرقيب كما في الأفلام البوليسية، رجال يقتحمون معرض الكتاب، و يصادرون رواية الكاتبة " فوزية شويش السالم" ويلغى توقيعها الذي كان مبرمجا بعد ساعات قليلة جدا.
و لا أدري، هل بهذه الطريقة تم إنقاذ الكويت من كارثة حتمية؟ أم أن منع الكتاب أصبح مجرد مسرحية لرجال أجهزة الرقابة يقومون بها فقط ليتقاضوا مرتباتهم؟
فما معنى أن تمنع هذه الرواية؟ و ما معنى أن تمنع روايات و كتب كثيرة في الكويت بسبب تطرق مؤلفيها لقضية "البدون"؟ أو بسبب سردهم لأمراض المجتمع العربي، التي يعرفها القاصي و الداني؟
في الرواية نقرأ بصمت و أسى عن أفراد عائلة من البدون، وعلى مدى أكثر من 220 صفحة نعقد المقارنات بين المواطن الكويتي الذي حصل على حقوقه وبين "البدون" الذين تصر الدولة أن يبقوا حثالة المجتمع، وأن يمثلوا الوجه السيء للكويت.
الرواية الرومانسية الهادئة، التي نقرأها في بيوتنا، المغلقة، تختلف تماما عن أشرطة الفيديو التي يعج بها موقع يوتوب مثلا، كهذا الرابط الذي عنونه واضعوه بـ"أُنشروا أبشع ضرب وحشي للمُصلين البدون في الكويت 13/1/2012" بحيث نرى بالصوت و الصورة كيف يضرب المصلون البدون بالعصي و القنابل المسيلة للدموع، و كيف لا يفرق رجل الأمن بين العجوز و الشاب و الطفل،
عشرات الأشرطة على يوتوب، فيها شهادات مؤلمة عن هذه الفئة التي ولدت و ترعرعرت و أحبت كل حجر و كل ذرة من تراب الكويت، و مع هذا تحرم من أدنى حقوقها و هي للحصول على هوية كويتية.
ففي مجتمعاتنا نجد دوما سببا لإهانة الإنسان ، مع أنه في بلدان أوروبية و غربية يكفي أن يولد الشخص على أرض دولة معينة أو في أجوائها ليحصل على هوية البلد نفسه، وكامل حقوقه كمواطن فيها. أما في بلداننا فإننا نحرم صاحب الأرض نفسه من أدنى حقوقه. ثم نغني أغنية العروبة التي توحدنا وكأننا نكذب كذبة سخيفة غير مقبولة لا أخلاقيا و لا ضميريا.
في سلالم النهار، تسرد السالم قصة هؤلاء، من منظور أنثى من البدون، أنثى بين عائلتين، إحداهما بدون و إحداهما مواطنة عادية، الفروق شاسعة حين تصف الخدوش التي لحقت بعائلتها البدون، ثم تبدو الخدوش أكثر عمقا حين تقع في حب رجل من السادة، رجل ثري، ذو سلطة، ذو هوية واضحة، ذو مكانة شرعية في الوطن، و في العالم. رجل تكتشف معه الحياة العميقة، يحترمها كإنسان ويجعلها سعيدة بأنوثتها . يفعل ذلك دون الكثير من التكلف، و يحملها معه إلى عوالمه الملونة، يجعلها تكتشف شساعة العالم، تكتشف معه باريس، و ترى بأم عينيها كرامة الإنسان المحفوظة هناك،وغير ذلك تعيش معه قصة حب إستثنائية، تفجِّر ينابيع الحياة في داخلها. لقد كانت شبه ميتة قبل "ضاري" الحبيب و الزوج السري، و قبل ضاري كانت مجرد عشبة ضارة تلتصق بالآخرين لتعيش.
فقط لم أستوعب كقارئة موت ضاري ، و إعتكاف فهدة عن الحياة ، رغم أن موته لم يكن كاملا، فقد ترك بذرته في رحمها ليعود مجددا في شكل إبن متمرد و طموح، رجل لا يخاف من شيئ، و لا يرى القيود التي تراها أمه.
هذه هي قصة " سلالم النهار" قصة تحدث يوميا في عالمنا العربي الفسيح، قصة فيها ظلم، و فيها قسوة، و فيها إستغلال الإنسان للإنسان ببشاعة لا تليق بمقام عقله. قصة فيها حب و كراهية، أحلام و أحقاد، جنس و عنف تماما كما في الحياة، قصة لا تروي بشاعات الحياة ببلاغة الواقع و مع هذا منعت...!
لقد قدمت فوزية شويش السالم في هذه الرواية فصلا من إهتماماتها و تطلعاتها الإنسانية لتغيير مجتمعها نحو الأحسن، و إن كانت قد إختلفت تماما هذه المرة عما كتبته سابقا من شعر و مسرح و رواية، فلأنها خرجت نحو أفق فسيح أكثر خطورة، و هي في تجربتها الكتابية الطويلة و الجميلة، كانت تتقدم نحو أضواء الحقيقة الساطعة ببطء، و لعل قارئ كتابها السابق " رجيم الكلام" قد أدرك أنها لم تعد كاتبة تكتب عن مشاكل المرأة و الرجل على نسق التكرار نفسه الذي ألفناه في أدبنا و منتجنا التلفزيوني و السينمائي، و لم تعد تحب أن توهم القارئ أنها تقدم حكاية مسلية من نسج المخيلة ، لقد إنتقلت إلى رصد الواقع بكل بشاعته و جمالياته .
في سلالم النهار العالم مفتوح على مصراعيه، هناك نحن و هناك الآخر، هناك التحت وهناك الفوق، هناك "كل شيء" وهناك "اللاشيء".. عالم من المتناقضات، هناك السلطة و هناك العبودية الذليلة، هناك" فهدة" و هناك " ضاري".. هناك الممنوع و هناك المسموح، و أتوقع أن الرواية كانت ستمر مرور الكرام في الكويت و كل الخليج و كل العالم العربي لو أن كلمة " بدون" شطبت و عوضت بكلمة أخرى من الكلمات الفضفاضة التي يعتمدها البعض ليقولوا ما يريدون دون إستفزاز جهة معينة في السلطة أو في المجتمع.
و لعل الكاتبة لهذا السبب جعلت فهدة تنسحب من صخب الحياة و تتحول إلى هرة مدجنة، تدخل صومعة التعبد، و تترك العالم كله يلهو في الخارج، فيما تنعم هي بسكينتها الخاصة، لكنها سكينة نتجت عن موت ضاري، ذكرها الذي فقدته، ففقدت معه أجنحتها التي طارت بهما خارج أسوار عالم البدون.
لم تعرف فهدة أن تحلق لوحدها، لقد إنكسرت بموت الحبيب، و في الحقيقة نقرأ في ثنايا هذه الرسالة أن السلطة الذكورية هي الحل في تغيير أي واقع مزري عندنا، و أن المرأة كائن تابع، أو ثانوي، يعلو شأنه أو يبخس حسب قرارات الرجل، و إن كان ضاري قد أقصى الموت دوره الإيجابي تجاه فهدة، فإنه أيضا كشف النقائص الخفية في ذلك الدور، فقد كانت فهدة زوجة سرية، و عشيقة بعيدة عن الأنظار، و دورها إقتصر عن ملء الفراغات التي لم تملأها فيه الحياة الشرعية التي حظي بها ضاري بكل بهرجها.
نحن أمام رواية ثرية، تروي مأساة فئة كبيرة من المجتمع العربي، صدرت في مطلع العام عن دار العين للنشر بالقاهرة، التي يشرف عليها ستة إستشاريون من أكاديميين ونقاد ومثقفين، تنسف الرقابة بقراءتهم الجادة للعمل وترخيصهم له بالصدور، تكمم فم الكاتبة، وتقدم الحقيقة مفقوءة العينين لقارئ يتم تجهيله كل يوم على المستوى المحلي.