ثقافات

احمد فيصل الشعلان: من الصعب جدا ترجمة الشعر.. ولكن لابد منها!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عبد الجبار العتابي من بغداد: اكد الدكتور احمد خالص الشعلان ان عملية ترجمة الشعر مخاض يشبه مخاض الشاعر حين تولد القصيدة، لكنه يحاول ان يتقمص دور الشاعر وان كان تقمصا زائفا بالتأكيد، مشيرا الى انه لا يعتمد على اية نظرية في الترجمة اطلاقا، لانني حين يترجم لا تحضره اية نظرية او فكرة او منهج ترجمي، بقدر ما تكون حاضرة لديه نظريته الخاصة التي جاءت من خلال تجربته الطويلة في ترجمة الشعر، وأوضح الشعلان ان هناك من يعتقد ان هناك نوعا من (الاحتيال) او (الخيانة) للقاريء في ترجمة النصوص الشعرية، مشيرا الى وجود ذلك ولكن بنسب معينة، كما اكد الشعلان على ضرورة ان يكون مترجم الشعر شاعرا بسبب الاحساس الشعري الذي يمتلكه لكنه استدرك متسائلا عن الشعراء الذين يترجمون الشعر، وموضحا موقفه، وهو ليس بشاعر، لحاجة الثقافة العراقية الى هذا ولانه يستمتع بفك شفرات الافكار التي تحويها لغة ما وتحويلها لتتشكل بشفرات لغة اخرى. والدكتور احمد خالص الشعلان، من مواليد ديالى 1944، وعمل سابقا في كلية اللغات / جامعة بغداد، وهو حاليا يدرس اللغة الانكليزية في جامعة نوروز بمحافظة دهوك.

* اين تكمن الخطورة في ترجمة الشعر؟
- في محاولة المترجم الاحتيال على القاريء وفي محاولة ايهامه من انه يقرأ شعرا مترجما من لغة اخرى، هنا تكمن الخطورة، ومع ذلك يمكن الاشارة الى شيء مهم وهو اننا معنيون بالمحصلة سواء كان المترجم يستطيع الى اي حد ينقل النص بأمانة، المحصلة هذه هي اننا اذا استمتعنا بها ستعتبر عملا ابداعيا، وان لم نستمتع فلا تعتبر عملا ابداعيا ترجميا.

* لماذا يصر البعض على ان يكون بالضرورة مترجم الشعر شاعرا؟
- نظريا ومنطقيا صحيحة، لان الشاعر المترجم يكون احساسه الشعري اقوى بكثير من احساس المترجم غير الشاعر، هذا شيء مؤكد وانا اتفق مع هذه النظرية، ولكن اين هم الشعراء المترجمون؟ ليس هنالك عندنا الا القليل جدا، واكاد اجزم انه من بين 100 شاعر عراقي ربما هناك شاعر واحد يعرف لغة اجنبية، اغلب الشعراء لا يعرفون اية لغة اجنبية، وهذه واحدة من الاشكاليات، فهل نترك ترجمة الشعر لان الشعراء لا يترجمونه؟ جوابي: لا، هذا غير ممكن، اما انا فدافعي الشخصي في ترجمة الشعر هو لحاجتنا الثقافية، يعني انا مدرس لغة انكليزية في كلية ونحتاج الى ترجمة الشعر الانكليزي الى العربية لانه جزء من ثقافة اللغة التي ندرسها، هذا احد الاسباب.

* ما رأيك بمقولة لجبرا ابراهيم جبرا من ان مشكلة المترجم انه يقرأ اللغة الام ويفكر باللغة الهدف؟
- هذه حقيقة مؤكدة، فنحن متفقون اتفاقا كاملا على انها من المشاكل العويصة، فالمترجم الذي يترجم من الانكليزي الى العربي ويظل يفكر انكليزيا من المفروض ان يتحول بآلية معينة بالتفكير الى العربية، وهذا ليس سهلا، لان الوعي باللغتين متداخلا بعضع ببعض، وفعلا اذا استطاع المترجم ان يتحرر من بعض القيود التي هي من هذا النوع سيقدم نتاجا افضل.

* ايهما اصعب بالنسبة لك، الترجمة من الانكليزية الى العربية ام العكس؟
- الاسهل عليّ كثيرا، وهذه قاعدة في الترجمة، قاعدة عالمية وليست عربية او عراقية، ان يترجم المترجم من اللغة الاجنبية الى لغته الام، لانه في كل الاحوال اذا كان ممتلكا للغته الام امتلاكا كاملا سيكون اداؤه افضل كثيرا لانه مهما حاول ان يمتلك اللغة الاجنبية، لا يمتلكها بالقدر الذي يمتلك لغته الام.

* اين تكمن الصعوبة في ترجمة الشعر؟
- موضوع الترجمة ومشاكلها بشكل عام شائك جدا ويحتاج الى الكثير من العمل والعناء والتوضيح في ان عملية الترجمة ليست هينة اطلاقا لانها عملية عقلية فكرية وجسدية وسايكولوجية بالكامل، فكيف مع ترجمة الشعر، فهناك الكثير من المشاكل التي تعترض طريق المترجم حين يترجم شعرا، خاصة لا يكون شاعرا، انا شخصيا لست شاعرا ولكن عندي معرفة بعروض الشعر الانكليزي وعروض الشعر العربي، ولهذا انا ابني محاولاتي في ترجمة الشعر على معرفتي الاكاديمية باللغتين العربية والانكليزية، ومع ذلك انا اواجه الكثير من المشاكل العصية في ترجمة الشعر، احيانا احاول ان اترجم قصيدة فلا انجح في ترجمتها فأتركها، ايمانا مني بأنني يجب ان لا (اخون) القاريء وانقل له شيئا ليس موجودا في القصيدة الاصل، وبالاخص القصائد المبنية على التلاعب باللغة مثل قصائد اليوت، ونظريتي باستحالة ترجمة الشعر نظما بنظم، من شعر موزون ومقفى الى شعر موزون ومقفى، فلو ذهبنا الى (ديوان حماسة ابي تمام) لوجدنا الكثير من الشعر لا يمكن ترجمته الى اية لغة اخرى نظما، وانما ينقل على شكل نثر.

* هل تتقمص دور الشاعر احيانا؟
- عملية ترجمة الشعر مخاض يشبه مخاض الشاعر حين تولد القصيدة، فأحاول ان اتقمص دور الشاعر وان كان تقمصا زائفا بالتأكيد، لانني من المستحيل ان اتوصل للحظة الخلق الشعري او الخلق الابداعي الذي كان فيه الشاعر.

* لماذا الاصرار على ترجمة الشعر بالنسبة لك؟
- اجابتي ستستند على سببين، عام وخاص، العام.. هو اننا بحاجة لترجمة الشعر لضرورات ثقافية، طالما كان الشعر يشكل جانبا مهما من اللغة التي ندرسها باعتباري مدرس لغة انكليزية، والسبب الخاص.. هو ان ترجمة الشعر عندي نوع من انواع التسلية بصراحة، اذ ليس من شيء اكثر اغراء عندي كدارس لغة من فك شفرات الافكار بلغة ما وتحويلها لتتشكل بشفرات لغة اخرى، والشعر مثلما تعلم هو اكثر نتاجات اللغة تشفيرا، وأجدني اذكر مثال إدوارد ﻓﻴﺘز جيراﻟد مترجم رباعيات الخيام من الفارسية الى الانكليزية في القرن التاسع عشر، اذ لم يلتفت انذاك الجمهور الانكليزي ولا النقاد الى موضوع مدى التماثل في الرباعيات بنصها الانكليزي مع نصها الفارسي قدر احتفائهم بما خلقه فيتزجيرالد من شعر مكتوب بالانكليزية مستوى من مناخ الرباعيات وجوها الروحي الاسر.

* ما الخسارة التي يمكن ان يتعرض لها النص الشعري، ولماذا؟
- ربما.. لانه نوع الادب الذي يتعرض لاكبر خسارة دلالية من بين الانواع الادبية قاطبة، ولهذا السبب قد يجد المرء مسوغا مناسبا لما نسمعه من البعض قائلين ان ترجمة الشعر هي ام المشاكل الترجمية، وتعبير (ام المشاكل) قد يشير هنا قطعا او يعني ان عملية ترجمة الشعر مليئة بالمطبات، ويحصل هذا ربما لان الشعر من بين جميع انواع الادبية هو الذي يتمتع بأشد الاساسيات صرامة وخصوصية، ما يجعله يختلف اختلافا حادا في هذه الاساسيات من ثقافة الى اخرى ومن لغة الى اخرى، فالرواية مثلا نجدها، سواء في عموميات فن الرواية او خصوصياته لا تختلف من لغة الى اخرى او من ثقافة الى اخرى، الا اختلافا طفيفا، وقد يصح قولنا هذا على المسرحية ايضا الى حد كبير، ويصح دون ريب على القصة ايضا، غير ان الشعر هو وحده الذي قد يلتقي في مختلف اللغات والثقافات عند العموميات.

* ما هذه العموميات؟ واية اختلافات نجدها؟
- من قبيل ان يكون موزونا ومنظوما ومقفى ولكنه يختلف اختلافا صارخا، يكاد يكون اختلافا مطلقا في خصوصيات هذه المفاهيم العامة، خذ مثلا مبدأ بحور الشعر وأوزانه، الاوزان كمبدأ عام في الشعر موجودة في اشعار جميع الامم والجماعات ولكننا حين نأتي الى خصوصيات الاوزان قد لا نجد وزنا واحدا في الشعر العربي يتطابق مع اي وزن من اوزان الشعر الانكليزي، وتصح هذه البديهة الى حد كبير حتى على اوزان الشعر للغات التي تنتمي الى الاسرة اللغوية الواحدة مثلا العربية والعبرية او الانكليزية والالمانية (الهندو اوربية) وهكذا، فنحن نسمع العروضيين العرب يتحدثون عن المتقارب، المتدارك، الوافر، الكامل، الهزج، الرمل، الرجز، السريع، الخفيف، المضارع، المقتضب، المجتث، الطويل، المديد، البسيط، ونسمع العروضيين الانكليز في الوقت نفسه يتحدثون عن: paeonic ,spondaic ,dactyli anapaestic , trochaic , iambic، ولكن اية محاولة نجريها لايجاد تطابق من نوع ما بين هذه العروض العربية وتلك الانكليزية ستواجه اخفاقا شديدا، ناهيك عما موجود هنا وغير موجود هناك، خذ مثلا: مصطلحات لها دلالات موجودة في الشعر العربي من قبيل عروض، ضرب، سبب، وتد ـ صدر، عجز، فاصلة، حشو وغيرها كثير بكل تفصيلاتها الفرعية، أنجد لها جميعا مقابلات في الشعر الانكليزي نظريا وتطبيقيا، وما هي ان وجدت، الاجابة هنا مفنوحة دون ريب على مجهول لا يأتينا بخبر يقين، اما اذا اردنا التحدث عن القافية العربية بانواعها التي قد لا تخطر ببال قاريء الشعر والتي قد لا تخطر ببال بعض ناظمي الشعر الحر، ومحاولة ايجاد متطابقات لها في القافية الانكليزية فتلك مسألة اخرى لا تفضي محاولة حلها الا الى متاهات كبيرة.

* عدا.. اختلافات الاوزان الشعرية التي هي من اساسيات الشعر بين اللغات المختلفة، ماذا غيرها من الاختلافات؟
- هناك اختلافات الخواص الموسيقية للعبارة الشعرية وجرس الكلمات في اللغتين، الثقافة، واعني ما نجده ملائما هنا قد لا يلائم هناك، او ما هو ساخن هنا يعد باردا هناك، وما هو مقبول اجتماعيا هنا قد لا يجد قبولا هناك، سايكلوجيا.. سايكولوجيا شاعر المصدر وسايكولوجيا مترجم اللغة الهدف، القدرة التخيلية لشاعر المصدر والقدرة التخيلية للمترجم، بنية اللغة المصدر وبنية اللغة الهدف، افضليات استعمال الاسلوبي للغة عند كليهما، شاعر اللغة المصدر ومترجم اللغة الهدف، ناهيك عن كون اللغتين تنتميان الى اسرتين مقابلتين او متباعدتين مثلما الحال بين العربية والانكليزية، فالاولى سامية والثانية هندواوربية، وهذا قد يثير عند البعض شكوكا عن الجدوى الدلالية والجمالية لترجمة الشعر.

* هل تعتقد ان المواقف حيال ترجمة الشعر وليدة اليوم؟
-يمكن الاشارة اليها من ناحية كونها مليئة بالمطبات، فهذه المواقف قد تعود بنا تاريخيا وثقافيا الى عهود بعيدة في ثقافة العديد من اللغات، فنظريا نجد في كلاسيكيات الثقافة العربية مثلا ان عمر بن عثمان الجاحظ كان قد عبر قبل اكثر من 12 قرنا عن استحالة ترجمة الشعر بقوله (كونها مهمة مستحيلة) وناهيك عما يقوله بعض الكتاب المعاصرين عن ترجمة الشعر من انه (فن الفشل) حسب رأي الاديب الايطالي البرتو ايكو، ورأي الاميركي روبرت بروس عن ترجمة الشعر ينافسه بقوله (في الترجمة يتعرض الشعر الى الضياع).

* من خلال تجربتك الشخصية هل تعتمد على نظرية ما في ترجمة الشعر؟
- لا اعتمد على اية نظرية في الترجمة اطلاقا، لانني حين اترجم لا تحضرني اية نظرية او فكرة او منهج ترجمي، ومن خلال تجربتي الشخصية في ترجمة الشعر، حيث انني الى حد الان ترجمت ما لا يقل عن 300 قصيدة من الانكليزية الى العربية وعددا قليلا من العربية الى الانكليزية، اجد ان الانطلاق في ترجمة الشعر، كما ازعم، يشبه الانطلاق في نظم قصيدة تقريبا، انا لا احب الحديث في النظريات، ذلك لانني في اخر الامر عندما كنت وما ازال حين اشرع بترجمة قصيدة لا تحضر في ذهني اية نظرية من تلك النظريات لكي تكون فناري في الترجمة، وانما ادع فكري وقلمي يشتغلان معا، ومع ذلك بامكاني ان اصوغ نظريتي الخاصة وهنا بمعنى رأيي الخاص، عن امكانية ترجمة الشعر.

* ما هذه النظرية الخاصة بك او وجهة نظرك في ترجمة الشعر؟
- هذه النظرية تطرح ثلاثة افتراضات عن امكانية ترجمة الشعر، الافتراض الاول: نعم بالامكان ترجمة الشعر اذا كانت عملية ترجمته على اساس المعنى وليس غير المعنى، ما يعني اهمال الاساسيات التي بنيت عليها القصيدة على المعنى، ومن الواضح ان هذه الامكانية مبنية اساسا بأن موضوع الترجمة هو نقل الرسالة التي تحملها القصيدة ولكن مع الاعتراف بحقيقة ان النص المكتوب نظما في اللغة المصدر قد يتحول دون ريب الى نثر في اللغة الهدف، وفي هذا الحالة يجري تعريض القاريء، ان جاز القول، الى (احتيال) من نوع ما من قبل المترجم، وهذا الاحتيال مبني على اساس ايهامه بأنه يقرأ شعرا في حين انه لا يقرأ سوى ثيمة النص الشعري (المصدر) مكتوبا نثرا في اللغة الهدف، وهنا سيتعرض النص المصدر دون ريب الى خسارة تكون اكبرها في فن نظم الشعر وأقلها في المعنى، والافتراض الثاني: وان كان ينطوي على تناقض صارخ جدا لدى المستمع فمفاده.. نعم بالامكان ترجمة الشعر وفي الوقت نفسه لا ليس بالامكان ترجمة الشعر، غير ان هنا قد يكون بمقدوره ان يعزز قوله بنعم او لا بسبب تضادهما المتوازن، هذا بالنص حين يروم المترجم بالاساس تحقيق بعض الشروط الفنية اللصيقة بفن الشعر، التي قد تسعى لتزويد القاريء بانطباع انه يقرأ شعرا منقولا من لغة غير لغته، يحصل هذا خاصة حينما يتمتع المترجم بمهارة استعمال اقصى قابلياته لخلق خاصية موسيقية محسوسة في النص الهدف، بتلاعبه الماهر بعناصر اللغة غير ان هذا الامر قد لا ينجح ما لم يكن المترجم نفسه ناظم شعر باللغة الام وان يتمتع في الوقت نفسه بمكنة عالية في اللغتين بحيث لا يترك حجرا من احجار اللغة دون ان يقلبه او يقلّبه من اجل خلق قصيدة من نوع ما في اللغة الهدف، ومع ذلك فان القاريء هنا قد يتعرض لاحتيال من نوع ما ايضا حتى لو تغاضينا عن قول تي اس اليوت اذ يقول: ليس هنالك شعر حر او مرسل وانما هنالك شعر جيد وشعر رديء، لان المترجم سيترك القاريء يظن بأنه يقرأ شعرا مترجما في حين انه في الواقع يقرأ شعرا مرسلا مكتوبا بلغة غير لغة النص المصدر ولكن ثيمته مبنية على ثيمة النص الاصلي، وهنا ستكون الخسارة على الاغلب في كليهما: الشكل والمعنى، ولكن ستكون اكبر بالتأكيد في المعنى خاصة حين لا يتمتع المترجم بما يسمى النفس او الروح الشعري، اما والافتراض الثالث فيقول انه لمن المستحيل اطلاقا ترجمة الشعر نظما بنظم اي ان قصيدة بالانكليزية تنقل منظومة الى العربية، وعبارة نظم بنظم هنا تعني في الغالب تحويل الكل شكلا ومضمونا من شعر موزون مقفى في اللغة المصدر الى شعر موزون ومقفى في اللغة الهدف، وهذا في الواقع يعني مجازا تحويل سيارة سباق انيقة خفيفة جميلة الى سيارة شحن كبيرة (لوري)، وبعبارة اخرى فان المترجم في هذه الحالة عليه افتراضا ان يكتب قصيدة موزونة مقفاة في لغة الهدف، غير ان ثيمتها موضوعة بصيغة قصيد منظومة في اللغة الهدف، ومع ذلك لو توخينا الدقة في التعبير لقلنا بان التطابق او قل التماثل او التناظر او اية صفة من هذا النوع لن تتوفر في القصيدة الهدف لا مضمونا ولا شكلا، وهكذا لن تكون علاقة القصيدة المبتدعة بالقصيدة الاصل سوى علاقة واهية لدرجة انها لا تصلح حتى ان تسمى ظلا للقصيدة الاولى.

* مالاسباب الممكن الاعتراف بها عن ذلك؟
- ببساطة.. لاننا مهما فعلنا لن نجد اي تطابق بسبب الاختلاف الصارخ بين خصوصيات اساسيات الشعر الانكليزي عن خصوصيات اساسيات الشعر العربي، ناهيك عن الاختلاف بين بيئة اللغتين والاختلافات الثقافية وخصوصياتها مما يقف حجر عثرة في تحقيق اي تطابق في النظم الشعري بين اللغتين فما بالك بالاختلافات الاخرى العديدة، ومن الممكن ان تكون الفجوة اكبر في امكانية ترجمة من هذا النوع اذا علمنا ان قسما من الاختلافات بين اللغتين موروثة في اللغتين ويقع قسما اخر منها خارج اللغتين ولكنه يفرض نفسه بالتأكيد اثناء الترجمة.

* هل هذا يعني ان الخسارة هنا ستكون فادحة للشعر المترجم؟
- نستطيع القول باختصار ان الخسارة قد تكون مؤثرة شكلا ومضمونا ذلك لان ما يرد في ذهن المرء فورا هو ان خلق قصيدة الاصل لن تكرر مطلقا في داخل وعي المترجم مهما كان بارعا في التقمص لان التاريخ والزمن لا يكررا نفسيهما، وبذا لن يكون عمل المترجم هنا سوى كاريكاتيرا ولا يختلف عن الكاريكاتير الذي ذكره (ماركس) مرة تعقيبا على قول (هيغل) من ان التاريخ يكرر نفسه اذ قال ماركس (صحيح ان التاريخ يكرر نفسه غير ان هيغل نسي ان يضيف بأنه في المرة الاولى يكون دراماتيكيا وفي المرة الثانية يكون كاريكاتيريا)، وهذا باختصار يعني ان القصيدة المترجمة هنا ستكون مختلفة عن القصيدة المصدر على جميع مستوياتها سايكولوجيا وثقافيا وبنيويا وجماليا واسلوبيا الى اخره من الصفات ذات العلاقة، وان القاريء في هذه الحالة لا يتعرض للاحتيال من ناحية ايهامه بأنه يقرأ قصيدة لانه فعلا يقرأ قصيدة ولكنه يتعرض لاحتيال من نوع اخر او من مورد اخر وهو انه يقرأ قصيدة في اللغة الهدف تحمل اسم شاعر من اللغة المصدر وقد لا تكون للقصيدة المبتدعة اية علاقة بالقصيدة المصدر، ولكن عزاءنا هنا سيكون في احتمال ان تكون القصيدة الهدف لا صور.. بل ظلال صور للقصيدة المصدر لتعكس للقاريء لونا باهتا من ثيمة في الاصل.

* على مدى عملك في ترجمة الشعر، هل تعرضت الى نقد لاذع على ترجمات معينة؟
- نعم.. ذات مرة في صحيفة (المدى) تحديدا، كتب شخص لا اذكر اسمه معترضا على ترجمتي بكيف قلت كذا والكلمة هي كذا، وفي وقتها رددت عليه، وكان ردي قاسيا لانه عندما دخل لنقد ترجمتي لبعض النصوص ربطها بالفساد الاداري وكان عنوان مقاله (في العراق ليس لدينا فساد مالي واداري وانما فساد ترجمي) وهذا لايعد ربطا اخلاقيا بين المسألتين، وهذه هي المرة الوحيدة التي اتعرض فيها للنقد.



التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف