ثقافات

"البغاء الصحفي" يكشف أسرار مهنة الصحافة في مصر

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

صلاح سليمان من زيوريخ: كتاب "البغاء الصحفي" الذي ظهر في الأسواق المصرية قبل وقت قصير يعتبر كتاب جرئ لواحد من أبناء المهنة الذين لم يعجبهم وضع حال الصحافة المصرية، وتحول عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين المصريين من النقيض الي النقيض، وفقا لتغير الأوضاع السياسية في البلاد، ومن ثم مهادنة كل نظام، ونفاق كل حاكم، وأصبحت المهنية والحيادية ليست هي المعيار في كتابتهم، لكن المصلحة الشخصية والأهداف الذاتية هي معيارهم.
مؤلف الكتاب هو الصحفي أشرف عبد الشافي ابن المهنة الذي لم يكن يروق له أن يتغير الصحفيون بهذا الشكل السريع، وأن ما يهمهم هو مصالحهم الخاصة واهتمامه بالحفاظ علي مناصبهم، غير عابئين بالمصداقية وتقديم المعلومة المجردة عن الأهواء الشخصية، لقد ولدت فكرة الكتاب لدي المؤلف فى شهر مارس 2011، أي بعد شهرين من انطلاق الثورة المصرية، ذلك عندما حمل الكاتب مقالة بعنوان "البغاء الصحفي فى مصر" الي الصحيفة التي يعمل بها وهي صحيفة "الأهرام" لكنها رفضت نشره، عندئذ تأصلت في ذهن الكاتب فكرة أن يضمنها في كتاب مع عدد آخر من المقالات التي أنتقد فيها وضع الصحافة المصرية التي تنافق الحاكم.
إختار الكاتب مجموعة من الصحفيين الذين وصفهم بالمتحولين، أي الذين ايدوا النظام السابق ثم انقلبوا عليه بعد الثورة، وحاول المؤلف إسقاط الأقنعة الزائفة لهؤلاء الكتاب والصحفيين علي حد وصفه، وأكد علي أن أغلبهم من صنيعة النظام السابق الذين ساندوا التوريث وضللوا الشعب وزيفوا الحقائق.
كان عنوان الكتاب أيضاً قويا الي الدرجة التي وصف بها الكاتب هؤلاء بأنهم من المتلونين ووصف ما كتبوه في عهد النظام السابق بالبغاء الصحفي، وكانت حجة الكاتب في ذلك أنه أعتمد علي النصوص التي كتبها هؤلاء الصحفيين نفاقاًَ للنظام ومساندة جمال مبارك في عملية التوريث بشتي الطرق ومختلف الأشكال، ثم عاد المؤلف ليستشهد بما كتبه هؤلاء بعد الثورة وانتقادهم للنظام الذي سبق وأن أيدوه، وهي عملية التحول التي قصدها المؤلف في الكتاب.
هذا الاختلاف والتلون هو أخطر آفة يمكن أن تصيب الصحفي لآنه يفقد مصداقيته أمام قارئه، وتصبح كتاباته لا قيمة لها ـ كما أن هذا النوع من الكتاب المتحولين الذين يأكلون الفتات علي كل الموائد، يسعون فقط الي مصالحهم الشخصية وهم كالبلطجية الذين يمكن أن تؤجرهم بثمن ما مقابل خدمة.
اشتهرت مصرفي فترة السنوات الأخيرة ببعض الكتاب المنافقين، الذين أمعن الكتاب في فضحهم بنشر كتاباتهم قبل و بعد الثورة، أو هؤلاء الإعلاميين الذين كانوا يتصدرون واجهة الشاشة الصغيرة بضحالة أعمالهم وفقرموهبتهم ولكن لأنهم فقط محسوبين علي النظام السابق.
أحد أهم أهداف الكتاب المتحولين كانت مخصصة للإستحواذ علي قلب وعقل الوريث جمال مبارك، وهو ما كشفه المؤلف في كتابه عندما استعان بما كتبه رؤساء الصحف المصرية في ذلك الوقت، مثلاً مقال رئيس تحرير "المصري اليوم" في ذلك الوقت والذي كان بعنوان "الحياة علي أكتاف جمال مبارك" استخدم فيه عبارات قوية للتقرب منه ذلك عندما وصفه بالطيب والوقور والعملي والمهذب و بأن أخلاقه فوق الوصف.
كتابات رؤساء تحرير الصحف القومية المصرية بشكل عام خاصة الذين اتي بهم جمال مبارك ورجال الأمن في ذلك الوقت كانت مجالا لسخرية المصريين، الذين كانوا علي وشك القيام بالثورة العارمة، فقد اشتهر أحدهم بمقال "طشة الملوخية" نفاقا في الرئيس المخلوع، أما زميله الأخر فقد أشتهر بمقالته الشهيرة التي كتب فيها "الشمس تشرق من الشرق في يوم ميلادك يا صاحب الضربة الجوية الأولي"، وثالثهم صاحب نظرية أوعى الحدود ومبارك أسد الأسود.. لتتوالي الأسماء التي يقدمهم الكاتب أشرف عبد الشافي في حالة تلبس-بحسب وصف الشاعر الكبير احمد فؤاد نجم في مقال له عن الكتاب.
يتحدث المؤلف في موضع آخر عن ذلك البغاء الصحفي بقوله: فى صباح كل يوم كانت تصدر معظم صحف المعارضة بعناوين ومانشيتات مرعبة لتبدو وكأنها معارضة بحق وحقيق !، وعندما يأتي المساء يجلس المعارضون على موائد النظام، وعليك أن تتأمل صفحات المجتمع فى المجلات خلال عام واحد مضى لترى كل وجوه المعارضة تضحك وتتبادل القبلات والأحاديث الهامسة والجانبية مع أعتي أركان النظام و كبار مسؤولي النظام.
يصف الكاتب ان كل ما جاء في الكتاب هي مجرد عناوين سريعة تحتاج وقفات مطولة، فالتفاصيل ليست خافية عن أساتذة وزملاء المهنة علي حد وصفه، فهم يعلمون جيداً كيف كانت تدار لعبة التوازنات والصفقات بين النظام والمعارضة، يعلمون جيداً كيف تم توزيع "سبوبة جمال مبارك "بحيث يكسب الجميع، ويحقق المعارضون ثروات وقصور ويحصدون الآلاف والملايين طالما تسير عمليات التوريث بشكلها "التوافقي " فى أكبر وأوسع عملية "بغاء " صحفي شهدته مصر عبر السنوات الست الماضية.
من أسوأ ما يراه المؤلف هو قيام هؤلاء المتحولين بتسخير صحفهم الي تبرير فساد الفاسدين، ويشيربصفة خاصة الي المقال الذي نشره رئيس تحرير جريدة ldquo;المصري اليومrdquo; آنذاك بتاريخ 7 مارس 2011 لوزير الصناعة والتجارة الخارجية الهارب رشيد محمد رشيد الذي جاء فيه" قد آن الأوان لأن تكون مصر وشعبها أصحاب كرامة وأنه قد آن الأوان لأن يستعيد الشعب ملكية هذا البلد من نُظم حكم فاسدة استبدت بهذا البلد لمدة عشرات السنين وهانت عليها كرامة الشعب وهان عليها المواطن المصري" ويتساءل المؤلف كيف يحدث هذا والسيد رشيد هارب خارج البلاد ومطلوب أمام النائب العام!، وكيف يجرؤ رئيس تحرير على نشر ldquo;مقالrdquo; لمتهم هارب بأموال المصريين وتطارده العدالة إلا إذا كان ذلك في صحف يملكها رجال أعمال ينتمون للعهد السابق.
يتعجب المؤلف من كيفية تحويل الصحافة التي هي ملك للشعب وأحد أهم منابر التثقيف والتنوير، الي استخدامها في شن الحروب الوهمية من اجل امتلاك شقة او قطعة ارض وهو يري ان أمثال هؤلاء الصحفيين مستمرون في نهجهم حتي أن المجلس العسكري اختار اثنين منهم ليكونا ضمن أكبر عشرة مثقفين في مصر، وهم مصطفى بكري ومحمود مسلم وذلك بهدف مناقشتهم في قضايا الوطن.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف