مهدي مطشّر: نزاع ٌعلى الصعوبة بين اللوح والمشاهدين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبدالرحمن طهمازي من بغداد: ليس من الصحيح ولا من اليسير تاليف وصف جاهز يدّعي التمام عن فنّ "مهدي مطشر"؛ فانّ عمله ومنذ سبعينيات القرن الماضي قد قيل بتصنيفه ضمن الفن البصري، وهذا القول لا اختلاف فيه، بل يمكن الاستمرار بوصفه عن حق على انه يمثل تضاعيف واطوار البصريات، وليس لهذا السبب وحده تعود صعوبة والتباس الوصف الجاهز لعمله بل يضاف الى ذلك عدد من الخلفيات الفنية وعدد اخر من اساليب التنفيذوعدد من مستويات البحث التي تتراوح بين تعريف ما واستبعاده واستعادته.
ان عملنا في وصف اشغال "مهدي مطشر " يجب ان يعايش هذه الصعوبات واحدة فواحدة وتغليب صفة من صفات انجازه ذات اهمية، تلك هي صفة الاستئناف وتوسيع بؤرة المشكلات الداخلية من خلال ازاحة او تاجيل بعضها.
واذا اردنا اختزال الخلفيات فان ذلك ان يشير ولابدّ الى مشاهد البيئة الزراعية لجزء من وادي شنعار البابلي، حيث ولد "مهدي مطشر "وترعرع وتلقى تعليمه الاولي وتعرف على كونه رساما، ولذلك علاقة بالاثرالذي تركته المنتوجات الاستعمالية التي كانت تطرز الحياة المنزلية للقرية كالسلال والمفروشات والفخاريات ومنظومات السكن ذات الانسجام البسيط، والمعتمدة كلها على التكرار والتناظر والتي تشاطر الحياة ايقاعها الرتيب والذي قام الرسام فيما بعد تحريكه.
لقد اعيدت صياغة هذه الخلفيات اكثر من مرة وبدرجات مختلفة وصار "مهدي مطشر" ذا خبرة بها حتى انها لم تعد مجرد خلفيات للاختلاط بين حياته الاولى وفنه فقد تمكن من الفصل بينهما ابتداء من كون ذلك الخليط - اول الامر - معاناة شرقية متحولة الى مكتسب. فهذا الراسب في العاطفة الفنية - اذا جاز التعبير - اخذ بالظهور مركبا في اشكاله او محلولا شكليا يتضمن علامات فولكلورية، فالكثير من اشكال نتاجات البيئة العراقية الاستهلاكية والتزويقية عادت وقد اخذت موقعهاالاخر من التحويل: من الشئ المستهلك والتزويقي الى الشكل الابداعي للشئ المستهلك وبقي التزويق متجردا على سطح اللوح او في المجسمات والتصميم.
كان التفاعل اللوني في اول امره بسيطا، فالاشكال الهندسية الزخرفية تتلاعب بالاسود والابيض باعتبارهما شريكين يتلاءمان دون جدوى التفريق بين الشكل والفراغ اي: ان احدهما يكون دليلاعلى الاخر وبالتبديل الاعتباطي لا يجوز ان يؤخذ اي منهما -الا باخذ الاخر- دليلا.
كانت التجربة، اذا اخذناها بمعنى انها برهان على خبرة ما، مرجعا من بين مراجع المبادرات التي صاغها "مهدي مطشر " سواء على السطح ام في الفضاء، فلقد وضع حدودا ناصعة او مخططة بين المناطق الهندسية (:المنحنيات المغلقة بعد صبغها بلون واحد) لتعيين درجة الرهافة التي لابد من توقعها في اللقاء بين مستطيلين او مربعين وهكذا... بحيث تكون الاشكال المتكافئة مستقلة وغير محتملة التطابق في المكان، كما انه نقل احيانا المستقيم من السطح الى الفضاء بتدليه كخيط متذبذب بين لونين (كانا الاصفر والاسود عل الاغلب) يمسك باهداب مربع امساكا واهياً حين لا يكون سوى التقاء غير محكم. وهذه العلاقة بين المستقيم والمربع قد تتكاثر في مستقيمين متوازيين مع مستطيل، وأحد هذين المستقيمين يكرر الاخر تماما الا اذا اعتبرنا المستقيم داخل المستطيل مغايرا للاخر الذي خرج من المستطيل. لكن احدهما، وهذه هي العلاقة التجريبية المبادرة، شكّل مثلثا داخل المستطيل في حين قام الثاني بتشكيل المثلث (في الواقع هو شبه منحرف) خارج المستطيل. ان مايمنح هذه التجارب صفة المبادرات. (والمبادرات صفة من بين صفات التجارب) هو انهما (المبادرة والتجربة لذاتها) ليستا لحظات من وحي عابر، فالرسام يلتزم بتنفيذهما بصور ليست تلقائية أوّلا، وليست يتيمة ثانيا، بل هما تجربة ومبادرة تعود الممارسة الى اختبارهما والبحث فيهما، ذهابا وايابا عدة مرات.
ولكن ماالذي يضمن مثل هذا الاختلاف بين تصميم الرسام وارتجال المشاهِد؟ في الفن البصري لن يكون مثل هذا الاختلاف حاسما كما هو في غيره، اذ ان هناك اتفاقا ما، بدرجة لاغبار عليها حول الاشكال وهويتها ومدى مطابقتها لما هي عليه في اللوحة. ومع ان اسس العلاقة بين طرفي المشاهدة والرسم البصري المعاصر تتغير الا ان الصعوبة مازالت مستمرة في القدرة على تحول عادات المشاهدة الى ثقافيات للمشاهدين، فالفرق ماثل، مهما تطورت اليات التلقي، بين عادة ذات تاريخ ورسم يريد
حاول " مهدي مطشر" في البداية ان يستبعد اللون من حيث كونه شريكا في الشكل الهندسي، ثم جعل اللون عازلا بين شكلين متناظرين او متكررين، على ان تكون المنطقة اللونية مستقلة، وبعد ذلك ادخل اللون والتلوين باساليب متفاوتة كثيرا، فقد يكون اللون شبيها برد الفعل على الشكل، واحيانا تظهر تبادلات لونية بين الاشكال، او تبديلات لونية، قريبة من الهدهدات الشاعرية، لينطفئ اللون بالشكل على قدرالحركة المأمولة من تنويع تصويري تموّجي، وعلى هذا النول تحاك الادلة المتبادلة بين لون متفاوت الدرجة ومختلف وشكل نظامي مكوّن بالتكرار، بعبارة اخرى : لون نثري يتكاثر ويتبادل اطيافه مع شكل شعري ذي قالب مكتف. وهذا مايمكن اعتباره خاصية تحرير المتلقي من عادات تاريخ المشاهدة وخاصية اجباره على عدم الاحالة على تاويل بل على حيرة مؤقتة. ان ماهو ثابت -ثباتا نسبيا- متعلق بالشكل اما ماهو تتابعي فيتعلق باللون والتلوين، وبما ان الامرين يجريان على سطح واحد، فان الصعوبة تختفي او تتأجّل، فاللون يصير انطباعا عن مرونة شكلية قريبة من التتابع، وهذه المرونة المزدوجة تؤدي خفقة الحركة في مجال مغلق يتجاور فيه دليلان :اللون الذي ليس له وظيفة تعبيرية بل هي تكميلية والشكل الذي يرمز الى هويته. والان يمكننا وصف مصدر الصعوبتين السابقتين التي كانت اولاهما : الخلفيات الفنية وثانيتهما عددا من اساليب التنفيذ، وان مصيرهما في الحقيقة هو منشا الصعوبة الثالثة في عمل "
لم يعد "مهدي مطشر" يتذكر فحسب، بل اخذ بالعمل مع ذاكرته، يتشاور معها، ياخذ ويحذف ويتخيل من غير شطحات ثانوية. كانت الزخرفة عنده نشاطا من نشاطات الذكرى، او هي صلة بعالم ابتعد عنه، عالم من المراجع التي لا تصمت، لكنه لم يتهاون في السماح بتحويل صلته بالأنساب الفنية الوطنية الى علاقة ركيكة بالاشواق التي من السهل ان تثرثر وتفسر رسالة الخطاب. انه يتذكر كل شئ غير انه لايذكر كل شئ فوق السطح التصويري، ومن ثم في الكتلة وزوايا الفراغ، فهو يعيد التعريف بمعنى انه يتصل بما في الموروث من تلك الطريق التي توصل الموروث بالفن البصري المعاصر، ويحقق نقدا فنيا باطنيا للموضوعات.
لابد من وجود تاويلات متباينة اضطرارية، لان المشاهد سيعمد الى تغيير زوايا النظر وافتراض زوايا نظر، حتى ينفرد بكتلة او هيئة او لون او تصميم ليتمكن من الاتصال بالفراغ او المساحة او الفضاء.
التعليقات
مجرد رأي
أمبر امبن -الفنان مطشر ومجموعة فنانين من جيله غادروا العراق في بداية السبعينات من القرن الماضي وكلهم حينها شباب ولهم اسماء واساليب معروفة في الوسط الثقافي العراقي ذاك و كنا نفتخر ونعتز بتجاربهم ونتابع نشاطاتهم وأخبارهم بكل اهتمام نحن الفنانين الأصغر سنا بعد أربعون عاما تقريبا ونحن أيضاً أخذنا نعيش في المهجر واطلعنا على الأساليب الفنية الحديثة ومواكبة تطورها ومعالجة الفنان لأسلوبه وتقنياته تماشيا مع الزمن و نضوج وعيه الثقافي بمرور التقدم بالعمر رأيت ان هذه المجموعة من الفنان بشكل عام بقت متقولبة على ما تو صلت له من أساليب لفترة السبعينيات ولم يخطر ببالها التغير مع الزمن الحاضر وما يحمله من التطور الاجتماعي والتكنولوجي والسياسي وغيرهاأنا اعتقد وهذا رأي الشخصي على فنانين من هذه النوعية يجب العمل في الظل وبدون ضجيج بين الفترة والأخرى لان ذلك لا يخدم الفنان ولا والمتابع للحركة الفنية وخاصة في عالمنا العربي///////////////////من المحرر: اين رأيت ضجيج مهدي مطشر؟ فغوغل يكاد لا يظهر له روابط بالعربية اكثر من اصابع اليد، وكلها قديمة... ثانيا الا ترى التغييرات في اعماله، لو كنت فعلا متتبعا لمهدي، ثالثا، ما ضير ان تطلع على دراسة فنية وعلى أعمال فنان حتى لو لم يتجدد ... على طريقتك؟