في ذكرى ميلاده المئوية
فعاليات تكريمية لأعظم موسيقار بريطاني حديث: بنيامين بريتن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في ذكرى ميلاد أهم الموسيقيين في تاريخ بريطانيا الحديث، تعمّ المملكة المتحدة احتفالات للمناسبة، حيث تنظم فعاليات حول العالم تكريمًا واحتفاء بالأعنال الفنية لواحد من أكبر الموسيقيين البريطانيين ألا وهو بنيامين بريتن الذي ولد قبل 100 عامًا تمامًا.
ولد الموسيقار بنيامين بريتن قبل 100 عام في 22 تشرين الثاني/نوفمبر. وتُقام بهذه المناسبة فعاليات في أنحاء العالم احتفاء بأعمال واحد من أكبر المؤلفين الموسيقيين، الذين أنجبتهم بريطانيا.
وتبادلت سيدتان عرفتا بريتن الإنسان وبريتن العبقري الفنان ذكرياتهما عنه في ذكراه المئوية. تتذكر ماريون ثورب (87 عامًا) بريتن صديقًا حميمًا وفنانًا رائعًا. وكان بريتن مشهورًا بما يخلفه وراءه من "جثث"، بسبب إقصاء أصدقائه وزملائه بقسوة وحدية لا مهادنة فيها. لكنه كان في الوقت نفسه قادرًا على أن يكون صديقًا وفيًا متفهمًا وحساسًا. وكانت ثورب ممن تمتعوا بصداقة متينة مع بريتن دامت أكثر من 30 عامًا حتى وفاته عام 1976.
انتقاء مفردات
قالت ثورب في حديث لإذاعة "بي بي سي 3" إنها لم تكن تخاف بريتن، لكنها كانت تكنّ له احترامًا كبيرًا. وأضافت إن بريتن "كان شخصًا من السهل جدًا التفاهم معه، ولكن على المرء أن يحذر مما يقوله بشأن أعمال يحبها أو لا يحبها، أو بشأن أعماله هو. إذ عليك أن تنتقي مفرداتك بعناية".
انتقلت ماريون إلى بريطانيا قادمة من فيينا عام 1938 مع والديها، بعد ضم النمسا إلى ألمانيا النازية. وكان والدها إيرفن شتاين، وهو موسيقي مرموق، كان يعرف مالر وشونبرغ. تتذكر ماريون أول مرة التقت فيها بريتن قائلة "ذهبنا إلى حفلة موسيقية في قاعة كوين هول، حيث عزفوا مقطوعة من أعمال بن (بنيامين). بعدها ذهبنا لرؤيته وتهنئته. ويقسم بن إني انحنيت أمامه احترامًا، كما تفعل شابة حسنة التربية من فيينا مع الكبار. لا أتذكر ذلك بالمرة". وتابعت ماريون قائلة إنها أُعجبت ببنيامين "ولكن والدي كان يعرف الكثير من الموسيقيين، وأنا كنتُ مفسَدة بمعرفة المرموقين".
كان والدها يعرف بريتن، وأصبح من أقرب زملائه. وعندما أصبحت عائلة شتاين بلا مأوى إثر حريق شبّ في منزلهم عام 1944 دعاهم بريتن وشريكه بيتر بيرس إلى العيش معهما في شقتهما في لندن، حيث بقيت العائلة حتى عام 1946. وهناك أصبحت ماريون، التي كانت نفسها عازفة بيانو رائعة، صديقة بريتن.
قالت ماريون إنها أصبحت تعرف بريتن معرفة وثيقة خلال فترة بيتر غرايمز، أوبرا بريتن، التي كتبها عام 1945. وأضافت "في ذلك الوقت كنا نسكن شقة واحدة، أنا مع والديّ وبنيامين وبيتر بيرس". وتذكرت ماريون بحنين الأجواء المثيرة التي كان بريتن يشيعها بعزف مقاطع من عمله الأوبرالي "وكنا نحن نغني مقاطع منها بأصوات منكَرة".
كما تتذكر ماريون ثنائي العزف على البيانو في الشقة في أحيان كثيرة، سواء أكان هذا الثنائي بيرس ووالدها أو هي وبريتن، مؤكدة أن وجود أصابع أربع أيدي على البيانو "يمكن أن يكون مخيفًا". وقالت ماريون "كنتُ أراه مؤلفًا عظيمًا... كل المؤلفين الآخرين كانوا يحسدونه. وكنتُ أنا رفيقته الكبيرة. ولم تكن معلمة الموسيقى في المدرسة تتقبل إعجابي به على الإطلاق!".
موهبة فطرية استثنائية
لاحظت ماريون في ذكرياتها عن بريتن "أنه كانت لديه موهبة استثنائية في الوصول إلى وسط الموسيقى مباشرة من الدماغ إلى الأصابع. فهو كان يسمعها في عقله، وكانت تنتقل مباشرة إلى العزف. لم يكن يتمرّن على الإطلاق".
وقالت ماريون إن وراء الموسيقار العظيم بريتن كان هناك إنسان يستمتع بالحياة ويلهو، لكنه لم يكن يطيق الأغبياء. كانت شخصيته بسيطة، لكنها قوية جدًا. وأضافت "كنتُ أعرف قدراته الموسيقية، ولكنه خلاف ذلك كان مسليًا للغاية. كان يضحك كثيرًا، ويروي نكاتًا طلابية فظيعة. أعتقد الآن أنه كثيرًا ما يبدو جديًا، ولكنه لم يكن جديًا بالمرة، بل كان لديه حس فكاهة رائع".
وعن تعامله الصارم مع الموسيقيين، قالت ماريون إن كثيرين سقطوا بسبب موقفه هذا. "عندما كان أشخاص يتمادون في ما يطالبونه به أو يريدون الاقتراب منه أكثر مما يريد هو وإذا لم يرتقوا موسيقيًا إلى ما كان يدور في ذهنه فإنه كان يُسقطهم. كان ذلك شديد القسوة على الأشخاص ذوي العلاقة". وأكدت ماريون أن صداقتها مع بريتن "دامت زمنًا طويلًا... كانت رائعة".
شخص دافئ القلب
سالي شفايتزر ابنة أخ بريتن لديها ذكريات لطيفة عنه من طفولتها وما بعد الطفولة. ولدت سالي في المنزل الذي عاش فيه في مقاطعة سافولك، وكان بيتها قرب بيته حين وافاه الأجل.
قالت سالي "كان بريتن عمي. لم تكن لديّ فكرة عن سعة شهرته حين كنتُ طفلة. كنا نمرح كثيرًا، وكان هناك الكثير من الحب. كنا نخرج في نزهات، ونسير مشيًا على الأقدام، ونسبح في كثير من الأحيان. كان يحب أن يأخذنا في سياراته ـ كان لديه العديد من السيارات"، كما قالت سالي في مقابلة مع بي بي سي نيوز. وقالت سالي "كان العم بن يعشق السرعة ويحب الملاهي ومنظر القطارات، من دون أن يركبها إلا مرتين أو ثلاث مرات".
"كان عبقريًا فذًا، وكان ما أنجزه في حياته القصيرة نسبيًا عملًا استثنائيًا. كانت موسيقاه مليئة بالأنغام الجميلة، كانت قابلة للغناء، ومن شأن هذا أن يساعد على إبقاء ذكراه الموسيقية حية". "كان لديه وقت لعائلته وأصدقائه، ويكتب أكوامًا من الرسائل. كان يتفجر حيوية، ولكنه كان مريضًا طيلة الشطر الأعظم من حياته. كان إنسانًا رقيقًا يجد الوقت للاهتمام بمتاعب الآخرين". و"كان كريمًا دافئ القلب، وكله ثناء على الآخرين. ولا بد لهذا الجانب من شخصيته أن يدخل التاريخ أيضًا".
وقالت سالي شفايزر إنها عندما كبرت بدأت تنظر إلى بريتن نظرة مختلفة، وأصبحت أكثر إدراكًا لعبقريته الموسيقية وتخشع لها إجلالًا. "عندما كنتُ في سن العشرين تقريبًا فكرتُ في أن امتهن الموسيقى، وطلب مني أن أُغني له. لكن الخجبل كان يتملكني، ولم أرد الغناء".
"وإذ كنتُ محاطة بمثل هؤلاء الأشخاص الاستثنائيين تساءلتُما عن جدوى ذلك. ولكني قررت امتهان الموسيقى مع الأطفال فشجعني كثيرًا على ذلك". قررت سالي شفايزر أن تحتفي بذكرى بريتن المئوية في مدينة غلينمور للاستماع إلى جوقتها الشبابية تغني "في المرفأ، خذوني إلى أهلي". وقالت سالي "كان عمي ملتزمًا بإشراك الأطفال والمراهقين في صنع الموسيقى، وبالتالي فإن هذه الحفلة التي ساعد الشباب على تقديمها تكريم أمثل له".
لكن ابنة أخ الموسيقار سعيدة بمعنى ما، لأن عمها لن يتعرّض إلى بلاء الحياة الحديثة بعد قرن على مولده. وقالت "لا أدري كيف كان سيصمد اليوم بوجود موسيقى هابطة في كل مكان، ما كان ليتحملها".