ثقافات

رودشنكو وتيّار التشييديين الروس: ينبغي للفن أنْ يُقامَ في الحياة لا أن يُرسَمَ على لوحة

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

منذ أن نادى مثلّث الطليعة الروسية (المستقبلية، الإشعاعية والسوبْرماتية) بشعار "اخلق، لا تكرر"، راح الرسم التمثلي (المُحاكي) يتلقى ضربات موجعة، تاركا المجال لرسم جديد لاتمثلي أي لا يحاكي ولا يقلد ليصل ذروته في أعمال التشييديين (البِنائيين، التركيبيين). ومع اندلاع الثورة البلشفية، أخذ الفنانون الروس يتجهون إلى النضال ضد الأشكال التقليدية وفن الماضي. فأنتشر شعار "موت الفن" كتعبير عن رغبة في توحيد الفن بالحياة. وقد صار هذا الرفض على يد عدد من الفنانين، رغبة في ابتكار أشكال فنية أيديولوجية جديدة كليا. وتؤكد ليوبوف بوبوفا، أن فناني روسيا الجدد: "لن يكرروا اية لحظة تاريخية مسبقة. فالماضي للتاريخ. أما الحاضر والمستقبل فهما من اجل تنظيم الحياة، تنظيم الإرادة الخلاقة والمقتضى الخلاق. إننا نقطع مع الماضي لأنه لا يمكن لنا قبول افتراضاته. فنحن نخلق بأنفسنا افتراضاتنا مجددا ونبني فقط عليها، كما في ابداعاتنا، حياتَنا الجديدة، ونظرتَنا الشاملة الجديدة". وقد اصدر الكساي غابو ونتان بيفيزنر "البيان الواقعي" يوضح فيه أهداف هذه النزعة المفضية إلى فن تشييدي، مستخدمين مفاهيم كانت جديدة في وقتها كمثل المَصْنَعية، البناء، معتبرين ان الثورة قد خلقت الشروط الملائمة لتطوير هذه المفاهيم، مستقبلا، في الفن والمعمار والمدينية. وقد جاء في "بيانهما":

"اننا نرفض الكتلة في النحت كعنصر نحتي. فجل المهندسين يعرفون، منذ زمن طويل، أن القوى غير المتحركة لجسد صلد ومقاومته المادية لا تعتمد على مقدار الكتلة. مثال: سكة، الكَمَرة، العارضة، الخ. إلا أنكم أنتم يا نحاتين من كل لون واتجاه، لاتزالون تشايعون المفهوم المسبق العتيق القائل إن الحجم لا يمكن انعتاقه من الكتلة. نحن نأخذ اربعة سطوح ونخلق منها الحجم نفسه، كما مع كتلة وزنها 50 كيلو. وبهذا النحو نعيد للنحتِ الخطَّ كإتجاهٍ، ونعزز فيه العمقَ، كشكلٍ فريدٍ يحتل حيزا مكانيا.
إن هذا الذي ينشغل، اليوم، بأمور الغد يضيّع وقته. وهذا الذي لن يأتي، غدا، بنتيجة ما قد عمله اليوم فإن المستقبل ليس في حاجة إليه.
اليوم علينا ان نضطلع
وغدا سنقدم تقريرا عن افعالنا.
إننا نترك الماضي خلفنا كجيفة
ونترك المستقبل كلأ لقرّاء الكف
أما اليوم الحالي فإننا نحتفظ به لأنفسنا."

إلا أن التشييدية نمت وتطورت من داخل "معهد الثقافة الفنية" الذي أسسه فاسيلي كاندنسكي، عام 1920 وهو مختبر نظري لفن الطليعة يرتكز على برنامج كاندنسكي نفسه: "توليفة الفنون"، أي الحدس والتأليف.
تقوم فكرة كاندينسكي، المنطلقة من اعتبار الفن كرد فعل أو تأثير على نفسية الإنسان، على محاولة التوليف بين الفنون، وصياغة مبادئ مشتركة يمكن لفناني الطليعة التجمع حولها، من هنا كتب بنفسه برنامج "معهد الثقافة الفنية"، وقد جاء طويلا ومسهبا في التفاصيل، وكأنه يُعِدُّ دليل إرشادات. وبما أن وظيفة الفنان تكمن، حسب كاندنسكي، في أثناء عمله الإبداعي، فإنها تتلخص في أن يكرس الفنان نفسه إلى تنظيم استجاباته في شكل يدل على فنه. وتوجب على المعهد، إذن، استخدام أدوات المتخصصين في حقل اللون كالفيزيائيين، العلماء النفسانيين، وأطباء أمراض العين والنفس، وحتى العاملين في علوم الغيب وذلك لكي يوسع استقصاء رد فعل اللون على نفسية الإنسان. وفي رأي كاندنسكي، إن المعمار والنحت والفن كانوا منفصلين تاريخيا وعلى نحو غير طبيعي، لذا يقتضي الواجب أن يتوحدوا في خلق "فن نُصْبي". فاقترح أن يكون البحث في أشكال حجمية على النمط الهندسي؛ أهرامات، مكعبات، دوائر حمراء، صفراء وخضراء, وعندما يتم إدخال عنصر الإزاحة في البحث، سيؤدي هذا تدريجيا إلى أشكال حرة. كما دعا، في برنامجه، الرسامين والموسيقيين والمسرحيين، الفنانين، المعماريين، وراقصي الباليه إلى التوحد من أجل خلق مسرح جديد بتطبيق مبادئ خاصة بفن كل واحد منهم على حدة. وركز اهتماما خاصا على دور الحركات والإيماءات في العرض المسرحي، التي يعتبرها لغة بلا كلمات. فهذه الحركات والإشارات ستدفع المشاهد إلى المساهمة في المسرحية. كما اقترح تحليل القيمة الداخلية للكلمة الشعرية من دون الرجوع الى المعنى. غير أن كل هذا تجاهله فنانو الطليعة آنئذ، لأن المشكلة مع برنامج كاندنسكي، في نظرهم، تكمن في انه يعتمد كثيرا على تجريبات أي على فن المختبر، بينما هم كانوا يشعرون بالملل من التجريبات ويريدون تشييد مجتمع جديد يكون الفن احد اسسه. ناهيك عن أن برنامجه يمثل شكلا من المقاومة ضد أية علاقة بين الفن والصناعة، بل ضد أي اتجاه جديد ما وراء الفن التجريدي. كما أنه ينطلق أساسا من أن للفن ناحية روحانيّة، بينما كانت تمثل هذه الناحية الروحانية، في نظر الفنانين الجدد، عائقا لبناء مجتمع شيوعي حيث الفردوس واقع معطى على الأرض وليس تهويمات في سموات الغبيب! وهكذا تمت إقالته، لكن كاندنسكي أنشأ "الأكاديمية الروسية لعلوم الفن" التي سينضم إليها قادة معهد الثقافة الفنية، ويواجهون كاندنسكي مرة أخرى، حتى شعر أنه معزول، فغادر روسيا بلا رجعة وسيطر قادة "مجموعة عمل التشييديين" على الأكاديمية التي استمر نشاطها حتى 1930، وقد صدر عنها مئات الكراريس والبحوث المتعلقة بكل ميادين الفن.

يعتبر تاتلين أول من شرع في أعمال ستتجه الى أن تسمى "تشييدية" (أي أعمال لم تعد تعتمد على الريشة ورسم المناظر وإنما إلى بوصلة، وقلم رصاص)، وذلك بلوحات ناتئة مركبة (أي تصوير بارز فوق سطح اللوحة) انجزها في أعماله لعام 1915. وربما استمد تاتلين، فكرة الأشكال الناتئة من محاولات بيكاسو الأولى التي صنع فيها منحوتات من صفائح المعدن والخشب والورق المقوى. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الفنان المستقبلي الإيطالي امبرتو بوتشيوني هو أول من دعا إلى استعمال الزجاج والخشب المقوى والاسمنت وشعر الحصان والجلد والقماش والمرايا والمصابيح الكهربائية، وذلك في بيانه عن الرسم المستقبلي عام 1912. غير أن تاتلين استفاد من هذه الدعوات لانتاج أشكال تجريدية غير تشبيهية، أي ليس كما كان يريد بيكاسو من تركيباته النافرة هذه أن تمثل غيتارا موسيقيا، أقداح خمر... الخ. كما أننا نعلم أن عرّاب المستقبلية الروسية دافيد برليوك كان أول من استخدم مفردة تشييد وذلك في مقالته الرائدة "حول التكعيبية"، المنشورة في الكراس المستقبلي الجماعي "صفعة في وجه الذوق العام" (1911).
إلا أن مصطلح "التشييدية" كان قد ابتكر في كانون الثاني 1921، وتم تبنيه كنزعة جديدة تتصادف مع الموجة التشييدية في مجالات الجهد العديدة (التشييد الاشتراكي، إعاة البناء الثقافية). فبعد ان حلّت رابطة "ورش الفن والتقنية" محل مدرسة الفنون الجميلة، انبثقت عنها جمعية الفنانين الشباب. اقامت هذه الجمعية معرضا في كانون الثاني 1922، وفي البيان الذي وزع كان اول ظهور لكلمة "التشييديون" كتيار فني.
لكن أول انطلاق لحركة "التشيديين" كان في معرض "خمسة في خمسة يعادل 25 " الذي أقيم في سبتمبر 1925، حيث ودع فيه خمس فنانون طليعيون الكسندر رودشينكو، فارفارا ستيبانوفا، ليوبوف بوبوفا، الكسندر ايكستر، والكسندر فيزنين، رسم المِسنّد (الذي توضع علية قماشة الرسم)، أي من رسم اللوحة إلى تشييدها؛ من استخدام الريشة على قماشة موضوعة على مِسنَد، إلى استخدام أدوات المهندسين لكي يشيدوا لوحة حية مركّبة تحتل حيزا في فضاء الحياة اليومية. أي من الرسم إلى التصميم. وهكذا اصبحت تدل التشييدية على انتقال الفن المحض الى التصميم ويسمى الفن المشيّد وذلك من خلال البوستر، الطوبغرافيا، الديكور المسرح، البنايات، النسيج، حتى يصل ذروته في العمارة.

"ولدت التشييدية من رفض عالم التمثل وعالم فني مجرد، هدفها تنظيم العناصر الملموسة كيانا ماديا جديدا، التجسيم (حيث الموضوع يُلمس) والمكانية (احتلال حيز مكاني) هما عاملان أساسيان للعمل التطبيقي والنظري في انجاز عمل فني ملموس. ان الضمير المعاصر الذي اجتاز طريق التمثل ثم عالم التجريد، يقترب من سيرورة اعادة تنظيم العالم، وابداع شيء (موضوع) ملموس" (بيان دعاة الموضوع الملموس). فالتشييدية جاءت كرد فعل ضد لوحة المِسند، وأرادت أن تقرب بين عالم الفنانين وعالم المهندسين. وأن يحل التشييد الثلاثي الأبعاد محل اللوحة، والعمل بمواد حقيقية في حيز مكاني حقيقي، وكان هذا هو بالضبط العنصر المهم لبدايات التشييدية. ولذلك لا نجد اليوم آثارهم إلا في المعمار والتصاميم والطوبغرافيا.

كان عمل التشييدين ثوريا حقيقيا، ومشاريعهم التشييدية كانت نوعا من الرسوم البيانية؛ الرسوم الصناعية؛ بنائيات تدل على قطيعة مع اللوحة لا رجوع عنها، رغبةً في اكتشاف طاقة ميدان التكنيك الإبداعية.. فمثلا انجز رودشينكو عام 1921، سلسلة من تشييدات مكونة من قطع خشب ذي حجوم ضخمة تصدم المشاهد بهيئتها النُصبية الهائلة، وللأسف لم يبق من معظم تشييدات رودتشينكو وأعمال التشييدين سوى صور لهذه التشييدات التي كانت هشة مصنوعة من مواد سريعة التلف.

لماذا انتقل الفنانون السوفييت من الرسم على سطح اللوحة أي من تكوينات خاصة بسطح مستو الى التشييد المِجسامي الحجمي، من الأسلوب إلى التقنية؟ يقول جون بولت: "هناك عدة أجوبة. أولا، إن الرسم التقليدي الروسي كان أسير ما يسمى "التفكير السليم"، بحيث تحول إلى أشبه بحرفة وتلهية وليس رسما غايته مستقلة؛ ثانيا، إن الرسم التقليدي لم ينجح في أن يتوافق مع سمات الحياة المعاصرة (السرعة الآلية، دقة التكنولوجيا)؛ كما أن الدين والوظائف الروحية كانت لمدة طويلة شروطا أولية للرسم والنحت الروسيين، لذا لم يعد يطابق مجتمعا جديدا قائما على العقلانية العلمية والانسيابية الصناعية؛ ثالثا، هناك فنانون جدد كرودشينكو، نعوم غابو، نظروا إلى الهندسة والابتكار التكنولوجي (جسور سكة حديدية، خزانات الغاز الطبيعي، الطائرة) كتعبير عن العبقرية البشرية تعادل (إن لم تكن أعلى من) الفن؛ وأخيرا، إن اعتبار الفن التقليدي، كتأمل الذات الفردية ومجدها، أصبح غريبا في مجتمع الشيوعية الأممية الجماعي. من هنا راح عدد من الفنانين بالأخص تاتلين، ورودتشينكو يطوروا مفهوم التشييد الخاص بهم كترياق يقضي على سموم الرسم".
هناك مصطلح آخر يطلق على التشييدية، ألا وهو "الانتاجية". ففي الحقيقة هناك تياران داخل التشيدية. الأولى تيار جماعة الفنان الكسندر غابو الذي كتب "البيان الواقعي"، وهو تيار مَحّاص (أي يريد التشييدية أن تكون صافية ومحضة)، ويعبر عن "فن المختبر"، أي الفن الذي لم يخرج من نطاق التجريب ولا يزال في حالة ابداع انموذجات مجردة من دون تطبيق عملي، أي لم تدخل مرحلة الانتاج.
أما التيار الآخر، فهو الذي يبحث عن أشكال فنية لها غاية منفعية كالتصميم والمعمار وكل انماط التعبير كالدعاية، البوسترات، التصوير، والمونتاج التصويري، بل حتى الطوبغرافيا وفن أغلفة الكتب. أي كل التقنيات التي تمنح قيمة لمضمون معطى. ويترأس هذا التيار الكسندر رودشينكو الذي صار في طليعة هذه الحركة. ومن أقوى انجازاته في هذا المضمار، رسومه الثلاث الأحادية اللون (أصفر، أحمر، أزرق)، وجاءت كتوديع نهائي لما كان يسميه "فن الرسم النخري". وقد صرف رودتشينكو ورفقاؤه، ستيبانوفا، وبوبوفا، واكستر، وفيزنين، النظر عن مفهوم الرسام أو النحات الذي يعمل في عزلة المُحترَف متمتعا بمركز رفيع ومرموق. ومن هنا كان برنامجهم يدعو إلى "تنظيف الهندسة من شوائب الجماليات، والولع بالفنون، والكماليات"، واحلال المبدأ النفعي محل "شريعة الفن التجميلية". ونشروا كراريس نظرية عديدة باسم التشييدية، أهمها كراس تارابوكين "من مِسنّد اللوحة إلى الآلة"، وكراس غابو "التشييدية".

بدأ رودشينكو عن طريق الرسم والنحت مع تشييداته المكانية. يمثل معرضه الأحادي اللون في عام 1921، يقظة تصويرية احتفالا بموت الرسم، رمز فن النظام القديم: "لقد قدت الرسم إلى نهايته المنطقية وعرضت ثلاث لوحات، الأحمر والأزرق والأصفر. أوكد: انتهى كل هذا".
كان رودشينكو يؤكد، في تشييداته، على أولوية الخط المجرد، الشكل، والحيز. ذلك إذا كان "المربع الأسود" يمثل بالنسبة إلى ماليفيتش، معبرا إلى أرض "حيث كل شيء سيكون عاجلا مسطحا، البيوت أيضا"، واعتبر الرسم السوبْرماتي كحقائق مُنزّلة تضع أساس المجتمع الجديد الذي تصوره، فإن رودشينكو كان قليل الاهتمام بعمل فني "منته" فائق القدسية... كان يعتبر العمل كخطوة مؤقتة عبر حيز لا ينتهي، وغالبا ما يرمز إليه بخط يتنقل عبر سطح اللوحة. وإذا كان ماليفيتش يمثل ذروة النزعة التقليدية نحو الفن كممارسة الهام وخيميائية، وإيمان بأن العمل الفني يحافظ على التزام فلسفي وجمالي، فإن ردوشينكو كان من مؤيدي عقيدة "الفن كفرع من فروع علم الرياضيات". وقد توجه فيما بعد الى البوسترات، وتصميم النسيج، وفي مطلع 1924 الى التصوير... وهنا قد انجز صورا فريدة وهائلة. وكان يرى في التصوير قيمة تاريخية فخلد معاصريه (مايكوفسكي، اوسيب بريك، ليلي...) في صور لافتة للنظر بفنيتها ودقتها.وكان يرفض أن يسيء إلى الدقة الآلية للكاميرا، مشددا على وظيفتها المنفعية اللاجمالية. كتشييداته المعلقة التي يمكن النظر إليها من فوق، من أسفل ومن الجانبين، فإن صور ردوشينكو غالبا ما تعتمد على اتجاه "خريطة مسطحات".

ويشرح رودشينكو مفهومه لفن الفوتومونتاج (كولاج يعتمد على الصور الفوتغرافية): "لست هنا ضد الرسم، وإنما ضد التصوير المعمول على نمط الرسم... إن الثورة في هذا الميدان تتكون من التصوير على نحو ينتج القوة الضرورية ليس من اجل منافسة الرسم وإنما تبيان، للجميع، منهج جديد لاكتشاف عالم العِلم، التكنولوجيا والحياة اليومية... التصوير يمثل وسيلة جديدة: فبعد أن اعطت آلة التصوير امكانياتها، ينبغي لها أن تهتم بتبيان عالم وجهات النظر المختلفة، عليها أن تعلّمنا كيف ننظر من جميع الاتجاهات... ذلك أن المدينة الحديثة بكل بيوتها ذات الطوابق المتعددة، المعامل، الورش، الواجهات ذات الطابقين او الثلاث، الترامواي، السيارات، الاعلانات المضيئة ذات الحجم الكبير، البواخر، المطارات، قد غيرت المعيار المألوف للاحساس المرئي. ليس هناك سوى آلة التصوير التي يبدو انها الوحيد قادرة فعلا على وصف الحياة الحديثة... يجب تصوير موضوع ما عدة مرات، وفي عدة اتجاهات، كما لو اننا نراقبه من عدة جوانب وليس كما لو كنا ننظر خلسة من ثقب المفتاح. لذا أقول: لا تنجزوا صورا لوحات، وإنما صورا لحظات وثائقية وليست أعمالا فنية."

وقد سمى عمله الفوتغرافي "ثورة في العين": "الأشجار اعتبارا من السرة، منذ مئات السنين والرسامون ويتبعهم المصورون يعطونا هذا. لكن عندما أعطي أنا شجرة مصورة من أسفل إلى أعلى على غرار أداة صناعية، كمدخنة مصنع، فإن هذا ثورة في عين الشخص التوافقي وهاوي المناظر. هكذا أوسّع الفكرة التي لدينا عن حاجة مألوفة".

من بيانات الكسندر رودشينكو

تعليمات

التشييد - هو تنظيم العناصر.
التشييد هو الرؤيا الشاملة المعاصرة.
الفن فرع من فروع علم الرياضيات، كأي عِلم آخر.
التشييد هو المُتطَّلَب المعاصر من أجل استخدام نفعي للمواد وتنظيمها.
إن حياة مُشيَّدَة لهي فن المستقبل.
الفن الذي لم يدخل الحياة سينتهي أمره وسيُسلَّم إلى متحف العاديات الأركيولوجي.
لقد آن أوان مزج الفن بالحياة بأسلوب منظّم.
حياة منظّمة على نحو تشييدي هي أرقى من فن السحَرَة السحري والمُسمِّم.
المستقبل لا يبني أديرة للقساوسة ولا للأنبياء ولا لحمقى الفن.
فليسقط الفن الذ يرقع تلميعا حياة عقاري مبتذلة.
فليسقط الفن المتظاهر كحجر ثمين وسط حياة فقيرٍ كالحة ووسخة.
فليسقط الفن المستخدم كوسيلة هروب من حياة لا تستحق العيش.
إن حياةً، حياة منظمة وواعية، قادرة على الرؤيا والتشييد لهي فنٌ معاصر.
شخص ينظّم حياتَه، عملَه وزمن"َم هو نفسه، لهو فنّان معاصر.
اِعمل من أجل الحياة وليس من أجل القصور، المعابد، المقابر والمتاحف.
اِعمل بين الجميع، من أجل الجميع، ومع الجميع.
فلتسقط الأديرة، المعاهد، مراسم الفنانين، الاستوديوهات، المكاتب، والجُزر.
وعيٌ، تجريبٌ، هدفٌ، تشييدٌ، تكنولوجيا وعلمُ الرياضيات- هذه هي أخوة الفن المعاصر.

***
"بعد أن وضعنا على عاتقنا مهمة العمل على البنى الهندسية، سنكون قبل كل شيء منظفين، ننظف الهندسة من شوائب الجماليات، والولع بالفنون، والكماليات. بلا شك، ليس ثمة شيء ليضاف على بنائيات الهندسة، وليس في نيتنا اضافة أي شيء. إننا نبتغي أن نزيل. وأن نبني اكثر. سنعلّم المهندسين بواسطة بنائياتنا الجديدة وليس بمجرد التجوال حول تشييداتهم وإعطاء النصائح."


***
"لقد هجر الرسم اللاتمثّلي المتاحفَ، إنه في الشارع، في الميادين، في المدن، في العالم كله... لن يكون فن المستقبل ديكورا جميلا للشقق والمساكن العائلية. بل سيكون ضروريا ضرورة ناطحة سحاب من 48 طابق، ضرورة الجسور المهيبة، التلغراف البلا سلك، الملاحة الجوية والغواصات... الخ."

من نحن؟
"لا نشعر اننا مضطرون إلى بناء محطات بنسلفانية، ناطحات سحاب، منازل متشابهة التصميم في قطعة أرض، مكابس تُربينية، والخ.
لم نخلق التكنولوجيا.
لم نخلق الإنسانً.
لكننا
فنانون في الأمس
ومشيدون اليوم،
1 - صنّعنا
الكائنَ البشر
2 نظمّنا
التكنولوجيا.
1-اكتشفنا
2- نتكاثر
3- نُفرِغ
4-نخلط
في السابق - كان المهندسون يستريحون مع الفن
اليوم - يستريح الفنانون مع التكنولوجيا
المطلوب هو اللا راحة.
لقد رأينا جدارا
رأينا سطحَ لوحة فحسب
الكلّ... ولا أحدَ.
الشخصُ الذي رأى فعلا جاء وأبانَ:
المربع.
وهذا يعني القدرة على فهم سطح اللوحة.
من رأى زاوية
من رأى بِنْيةً، تخطيطاً
الكلّ... ولا أحدَ.
الشخصُ الذي رأى فعلا جاء وأبانَ:
خطاً
رأينا: جسراً حديدياً
بارجةً ثقيلة
منطادَ زبلين
طائرةً عمودية
الكلّ... ولا أحدَ.
جئنا - اول مجموعة عمل من المشيّدين
الكساي غان، رودتشينكو وستيبانوفا
وقلنا فقط: هذا هو - اليوم
التكنولوجيا هي- العدو القاتل للفن.
تكنولوجيا...
نحن - قوّتكم المقاتلة والتأديبية الأولى.
نحن، أيضا، آخر عمّالكم-عبيدكم.
نحن لسنا حالمين آتين من الفن الذي يُبنى في المخيلة:
إذاعات طائرة
مصاعد و
مدن ملتهبة
نحن - البداية
عملنا هو اليوم:
كوبٌ
فرشاة لتنظيف الأرض
جُزَم
دليل
وحين صمّم شخصٌ في مختبره
مربّعاً
حملته اذاعته اللاسلكية إلى الجميع وبدون استثناء، إلى الذين في حاجة إليه، وإلى الذين لا يحتاجونه، وقريبا، على كل "سفن الفن اليساري"، مبحرا تحت رايات حمراء، سوداء وبيضاء... كل شيء في كلّ مكان، كان مغطّى بالمربعات...
وفي الأمس، حين صمّم شخصٌ في مختبره
خطّاً، شبكةً، ونقطة
حملته اذاعته اللاسلكية إلى الجميع وبدون استثناء، إلى الذين في حاجة إليه، وإلى الذين لا يحتاجونه، وقريبا، وبالأخص على كل "سفن الفن اليساري" مع عنوان جديد "تشييدي"، مبحرا تحت أعلام مختلفة... كل شيء من جميع الاتجاهات... كل شيء تم تشييده من الخطوط المستقيمة والمتقاطعة عموديا وأفقيا.
حقّاً أن المربّع كان موجوداً في السابق، والخط، والشبكة ايضا. كل هذه كانت موجودة.
فما الحكمة إذن.
بكل بساطة: لأنه تمت الاشارة اليها.
وأعلِن عنها.
المربع - مختبر ماليفيتش، 1915
الخطُّ، الشبكة، النقطة - مختبر رودتشينكو، 1919
لكن - بعد هذا
أول مجموعة عمل تشييدية (الكساي غان، ورودتشينكو وستيبانوفا)
اعلنت عن:
التعبير الشيوعي لتركيبب المواد
و
حربٍ لدودة ضد الفن.
كلّ شيء تلاقى في نقطة،
فراح التشييديون الجُدد يركبون الموجةَ، كتبوا بنائيات شعرية، معتقدين أنهم عباقرة، صمّموا مصاعد واعلانات الراديو، لكنهم نسيوا أن الانتباه كله يجب أن يتركز على المختبرات التجريبية، التي تبيّن لنا:
تجاربَ
أشياءَ
سُبلا
عناصرَ
جديدة.


نظام رودشينكو
"في أساس عملي أقمت اللاشيء" (ماكس شتيرنر)
"الألوان تختفي، كل شيء يمتزج بالأسود" (الكسندر كروتشيونيخ)

كان سقوط كل ياءات المذهبية بداية لصعودي.
فما إن أخذ يقرع جرس الرسم الملوّن، حتى تم نقل آخر مذهب إلى الراحة الأبدية، فقد سقط آخر أمل وحب، وها أنا أترك بيت الحقائق الميتة.
ليس المركّب هو المحرك، إن المحرك لهو الابتكار (التحليل).
الرسم - هو الجسد، الخلق - الروح. إن عملي - لهو ابداع الجديد من صلب الرسم، إذن عليكم أن تحكموا على ما أقوم به من خلال أعمالي. الأدب والفلسفة للمتخصصين، أنا مبتكر اكتشافات جديدة اعتبارا من الرسم.
كريستوف كولومبس لم يكن كاتبا ولا فيلسوفا، كان مكتشف بلد جديد فحسب.
1919

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف