ثقافات

القصة المجهولة لزوجة أب الحركة الوطنية في الجزائر

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إنّها "إيميلي بوسكي"، زوجة الزعيم التاريخي الجزائري"مصالي الحاج" المكنى "أب الحركة الوطنية" (1898 - 1974)، ظلت مخبوءة خلف أسوار من الأسرار والغوامض، رغم أنّ هذه المرأة الفرنسية هي من قامت بخياطة أول علم جزائري وقاسمت "مصالي الحاج" ألوانًا من الحلاوة والمرارة منذ تأسيسه حركة نجم شمال أفريقيا في أواسط عشرينيات القرن الماضي ورافقته على مدار ثلاثة عقود، ضاربة بعطاءاتها نموذجًا راقيًا للتضحية والفداء والشجاعة، حيث وقفت مع زوجها ونافحت عن أرض وطنه ضدّ مساومات وطنها الأصلي.


الجزائر: شكّلت رواية "المعطّرة" للكاتب الجزائري المعروف "محمد بن شيكو"، منعرجًا أنهى "تهميشًا مزمنًا" لسيدة فرنسية ظلّ اسمها لاغياً في قاموس الذاكرة الجزائرية الجمعية، وعمد بن شيكو من خلال نتاجه الصادر حديثًا إلى إعادة الاعتبار لـ"إيميلي بوسكي" المكنّاة "رشيدة"، التي اشتهرت بصلتها الطويلة ووفائها لرمز كان له ثقل كبير في النهوض بالقضية الوطنية الجزائرية أيام الاحتلال الفرنسي.

حمل العمل تفاصيل مهمة عن مسار وإسهامات وبأسلوب سردي أقرب إلى الأدب الوثائقي، غاص بن شيكو في دهاليز الماضي، بتطرقه إلى نشأة "إيميلي" التي ولدت سنة 1902 بضاحية "نوران" شمالي فرنسا، وكان المنعطف الأبرز في حياتها حينما التقت في أوائل تشرين الأول/أكتوبر سنة 1923 بشاب جزائري في الخامسة والعشرين متوهج الشخصية متوثب النظرات.

وكان لقاء الشاب "الحاج" بالشابة "إيميلي ابنة الـ21 ربيعًا، لدى عمل الأخيرة في أحد أكبر متاجر العطور في باريس، منطلقًا صلبًا للاثنين اللذين سرعان ما ارتبطا ورزقا بطفلين حملا اسمي "علي" و"جنينة"، وبالتزامن مع مسؤولياتها كأمّ، اتصفت "إيميلي" بأعلى درجات البطولة والشجاعة، وظلت تناهض الاحتلال الفرنسي لاسيما غداة الذي رأته من مجازر ضدّ الجزائريين العزل، ويقول الراوي أنّ إيميلي امتلكت قدرًا عاليًا من الدراية والحنكة والذكاء الخارق مكنّها من تأسيس وإدارة صحيفة "الأمة" باقتدار.

ويشير الكتاب إلى أنّ "المرأة المجهولة" واظبت على دعم أنشطة "مصالي الحاج" ومساعدته في رحلة بحثه عن تحسين مستواه العلمي والثقافي إذ كان الرجل كثير التردد على مدرجات جامعة "السوربون" ليس كطالب رسمي، ولكن كعصامي حريص على النهل من شتى العلوم والثقافات الإنسانية.

ومثلت "إيميلي" ركنًا أساسيًا اتكأ عليه مصالي الذي ربط صلات عميقة بباريس مع أعلام كبار بوزن مواطنه الأديب الكبير "محمد ديب"، وكذا الزعيم الهندي "جواهر لال نهرو"، فضلاً عن "شكيب أرسلان" وغيرهم من زعماء ونخب البلدان التي كانت خاضعة لظاهرة الاستعمار بحر القرن الماضي، وأبرز بن شيكو أدوار "رشيدة" التي تموقعت كفرنسية بروح جزائرية تفكر وتخطط ضد فرنسا وكأنها من أصول جزائرية.

كان أول عناق بين رشيدة والجزائر في صيف سنة 1925، حينما رافقت المرأة الودود زوجها إلى مسقط رأسه "تلمسان" (700 كلم غربي العاصمة الجزائرية)، وأدهشت قرينة مصالي مجايليها بتأقلمها السريع مع البيئة الريفية وإجادتها لغة الضاد نطقًا وكتابة في وقت قياسي.

وظلت رشيدة تساند الكفاح التحرري في الجزائر وتشد أزر مصالي حتى رحلت في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 1953 إثر مرض عضال أصابها بالشلل سنة واحدة قبيل اندلاع شرارة ثورة الجزائر (الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر 1954)، وحُظيت رشيدة بجنازة ضخمة واكبها أزيد من عشرة آلاف مشيّع، بينما كان جثمانها الطاهر مسجى بالعلم الجزائري الذي نسجته أناملها.

ينقل بن شيكو على لسان رشيدة كلمات خالدة بعثت بها لزوجها مصالي الذي كان منفيًا في فرنسا، حيث قالت: "ربي ...ليتني لم يتمكن مني المرض، ليتني مازلت أتمتع بشبابي لأواصل الكفاح مع الجزائريين الأبطال لم أرَ في حياتي شعبًا يحب بلده كالجزائريين وددت لو يمد الله في عمري حتى أرى اليوم الذي يحلم به كل جزائري وهو الاستقلال ...ولكن أنا واثقة أن هذا اليوم لا بد أنه آتٍ لا محالة ...حتى يفهم الفرنسيون أن الجزائر ليست بلدهم وهم مجرد استعمار سيأتي هذا اليوم ...الذي سترفرف فيه الراية الوطنية في سماء الجزائر الحرة ...".

المثير أنّ "إيميلي بوسكي" ظلت مغيّبة من المتن الجزائري تمامًا مثل زوجها، لكن الكاتب يعلّق بجملة لها مغزاها: "التاريخ''، يمكن تجاهله، القفز عليه، وحتى تزويره لأيام، لأشهر، وربما لسنوات لكن عجلته في النهاية ستجرف كل ''الإفك'' والكذب والخداع".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف