لقاء مع شافيي بالِس: عندما تعمل معرضاً ناجحاً من لا شيء!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
وأنت داخل إلى مكتبة جامعة برشلونة، سترى الفاترينات الموجودة على الجانبيْن، وقد امتلأت بمختارات من الأدب العربي المترجم للإسبانية والكتلانية. وذلك بمناسبة لقاء الجمهور مع مُترجمَي "السيرتان" لسليم بركات. اللقاء الذي تمّ قبل أيام، تحت عنوان "طفولة الطين"، في (مركز الثقافة المعاصرة) بالمدينة. وسيفرحك أنّ روّاد المكتبة الأعرق في كتالونيا، في مرورهم إلى قاعاتها وطبقاتها المتعدّدة، يتريّثون ويتأمّلون الكتب المعروضة، ثم يتناقشون مع منظمي المعرض ومع بعضهم البعض، في هذا العنوان أو ذاك.
حدث مفرح لا شكّ، لأنه نادراً ما يحصل. فالثقافة العربية هنا تبدو يتيمة الأبوين. لا تجليّات لها، ولا مثاقفات بينها وبين المحيط إلا في مناسبات رسمية فقيرة وجِدّ متباعدة.
سألت عن منظّم المعرض، والتقيته تحت شجرة المغنوليا العملاقة، الشبيهة بشجرة الأكادينيا، على واحد من الكراسي الحجرية، وكان هذا الحوار:
_ أرجو أن تقدّم نفسك لقرّاء إيلاف؟
_ إسمي شافيي بالِس. شابّ متخصّص في الأدب الكتالوني، وخرّيج هذه الجامعة. ومهتمّ بالآداب وبالترجمة بشكل عام.
_ كيف فكّرت باستغلال الفاترينات على المدخل؟
_ بحكم دراستي الأكاديمية وشغفي بالأدب، أزور المكتبة كثيراً. ولمّا كنت أحد منظمي الندوة مع مترجمَي سيرة بركات إلى الإسبانية والكتلانية: السيد سلفادور بينيا والسيدة مرغريدا كاستيس، فكرت بهذه الفترينات، وموقعها الهامّ على مدخل أعرق مكتباتنا وأخصبها بالمخطوطات القديمة وكنوز التاريخ. فكان أن تحققت الفكرة بالتعاون مع إدارة المكتبة، وبدون تكاليف.
_ ما هي الدوافع وراء هذا العمل؟
_ أولاً: علاقة مرغريدا كاستيس بجامعة برشلونة. فهي ابنتها وخرّيجتها وصارت فيما بعد مترجمة للأدب العربي القديم والحديث في عموم كتالونيا. وكنوع من الوفاء لها بوصفها تركت هذه الجامعة من مدة قريبة وذاهبة للعمل بجامعة السوربون. وثانياً: كنوع من الوصل بين الجامعة حيث تُدرَّس العربية وآدابها وبين ندوة المترجميْن. وأيضاً كضرب من توسيع دائرة الاهتمام والتربيط بين العالم الأكاديمي والمجتمع الكتلاني. فأحياناً يدرس المرء في الجامعة العلومَ الإنسانية، فيتكوّن لديه إحساس بأنه محصور في قاعة. ولذا يجب أخذه ليرى الترجمات كإبداع متألّق خارج هذه الأسوار. وثالثاً، لتسليط مزيدٍ من الضوء على اسم بركات وجذب المهتمين من طلاب وأكادميين ومترجمين.
_ كيف ترى الإقبال على المعرض من قبل الناس؟
_ الإقبال طيّب. وبحكم موقعه على جانبي باب المكتبة الرئيسي والوحيد نعتقد أن كثيرين توقفوا ولو للحظة قرؤوا فيها الإعلان عن الندوة وبعض العناوين، ولو من باب الفضول وحب الاستطلاع. وهذا شيء مهمّ بلا شكّ كون أن هذه المكتبة يأُمّها المئات يومياً. وربما يعود هذا إلى أنه ليس معرضاً كلاسيكياً يُقام في مكان مغلق. بل هو عرض مفتوح في فترينات [حتى أننا لم نعلن عنه]. لقد تمّ نقل قسم من الجناح العربي إلى الصالة الرئيسية في المكتبة العامّة. وهذه صدفة جيدة.
_ كيف حصلت على الموادّ المعروضة ومن أين أتيت بها؟
_ بالعادة تعرض المكتبة كتباً موجودة بحوزتها، ولكن هذه المرة تمّ عرض الكثير من ترجمات سليم بركات إلى اللغات المختلفة. وقد حصلنا على هذه الكتب، بشكل شخصيّ من أصدقاء. رغم أنني اقترحت شراء هذه الأعمال، لكن قسم اللغة العربية في قسم اللغات السامية رفض. لذا بحثت وتعبت حتى حصلت _ مثلاً_ على نسخة مصورة بالعربية من رواية الريش، وهي نسخة ضمنتها العرضَ لاحتوائها على رسالة للزائر! [يقصد أنه بحث وكدّ حتى يوفّر هذا العدد المحترم من الكتب، سواء التي عن سليم أو تلك التي عن أدباء آخرين]
_ رأيت عشرات الكتب لغير أديب عربي. حدّثنا عن ذلك؟
_ لم نكتفِ بعرض ترجمات سليم فقط. بل حرصنا على تجميع أكبر كم ممكن من الأدب العربي، خاصة ما يتعلّق بالسير الذاتية. سترى هنا ترجمات "البئر الأولى" لجبرا إبراهيم جبرا و"آفاق شاقولية أو عمودية" لعبد القادر الجنابي ومجموعة قصصية لزكريا تامر و"بيضة النعامة" لرءوف مسعد و"عزيزي السيد كاواباتا" لرشيد الضعيف و"من الطفولة" لعبد المجيد بن جلّون وعشرات غيرهم. وكذلك مجلدات ألف ليلة وليلة الأربع، وهي تُنقل للكتلانية لأول مرة. أيضاً مجلتَي بانيبال وحجلنامه بما ضمّتاه من ترجمات ومقتطفات من أعمال سليم بالعربية وشهادات ودراسات لكتّاب ومترجمين.
_ آفاق شاقولية؟ هل تقصد كتاب "تربية عبد القادر الجنابي"؟
_ لا أعرف. ربما هو. إسأل المترجمة السيدة مارتا سيرّا.
_ على الأرجح هو، فلا كتاب غيره في فن السيرة لدى الشاعر.
_ ربما هو بعنوان مختلف.
_ على كم قسم يحتوي المعرض؟
_ يحتوي على قسمين. الأول يختصّ ببعض كتب بركات بالعربية وترجماتها إلى اللغات الأوروبية بل حتى أحضرنا ترجمة تركية لأحد دواوينه. والقسم الثاني ضمّ الكتب التي تمخّض عنها مشروع الترجمة الأوربي الكبير: "ذاكرة المتوسط". وبفضل هذا المشروع مُوّلت الترجمة الكتلانية للسيرتيْن وقد بدأ المشروع بترجمات إلى السويدية والكتلانية، ثم توقّف للأسف.
_ كم يوماً سيستمرّ العرض؟
ثلاثة أسابيع، بداية من يوم الإثنين 25 فبراير إلى 15 مارس. وقد بُرمج على النحو التالي: أسبوع قبل عقد ندوة "طفولة الطين"، وأسبوعان بعد انتهائها.
_ لم يتسنّ لي الحديث المطوّل مع مرغريدا، بسبب ضيق الوقت وانشغالها بالسفر. حدّثني عن ترجماتها؟
_ هي من ترجم الأدب العربي للكتلانية. عملها الرائد والكبير كان ترجمة "الليالي" كاملةً للغة الكتلانية، بالإشتراك مع زميلتها المترجمة دولوس سينكا. وصدر الكتاب في أربعة مجلدات ضخمة وبطباعة فاخرة عام 1995. ثم ترجماتها الثنائية لرحلات ابن بطوطة مع المترجم مانويل فوركانو. وسيرة بركات ومجموعة قصصية لزكريا تامر. كما أنها اشتغلت على إعداد وإكمال أول قاموس كتلاني - عربي، كانت السيدة دولوس قد بدأت به ثم وافاها الأجل. وغير هذا ثمة الكثير من إنجازاتها.
_ رأيت خريطتين مفصّلتين لأمكنة السيرتيْن؟ ماذا عنهما؟
_ قمت بتحضير خريطة عن جغرافيا المنطقة الكردية في سوريا، عيّنت عليها مواقع القرى والبلدات وأماكن أخرى ذُكرت جميعها في كتاب "السيرتان" ووضعت اسمها الكردي الأصلي باستخدام الأبجدية الكردية. بمعنى: اشتغلت واستفدت حقيقة من روح مقال بركات المشهور: "تشريد المكان عن أسمائه". المقال الذي صوّرته بلغته الإسبانية وعرضته ضمن المعروضات. كما قمت بتحضير خريطة ثانية تعكس الأماكن التي صدرت بها السيرتان إلى لغات أجنبية.
_ شكراً شافيي.
_ شكراً لإيلاف.