عودة الى كلاسيك السينما(22) "فان كوخ" الرغبة في الحياة
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الى الفنان "ستار كاووش"
برشلونة: حين شاهدت الفيلم طفلا كنت، لم أفهم شيئا، اعتبرت ذالك حينها ضياع وقت، كنت مدعوا الى السينما مع عائلة من الجيران، حينها كنت احب بصمت ابنتهم، قبلت الدعوة بفرح شديد و أمالي خابت بعد قليل في دار سينما غرناطة، لم يكن ذالك من أفلامي المفضلة، لا طرزان، و لا "كاوبوي" و لا مدافع، رغم ذالك كنت سعيدا بسحر طقوس دور السينما انذاك، سينمات بغداد الانيقة، أتذكر في الستينات كان هناك أربعة أسعار تختلف في قربها او بعدها عن الشاشة. و الاغلى كان "اللوج" العائلي. تلك الليلة كنت في "لوج"، اتذكر كل شئ، المقاعد. الجداريات الجميلة، دكان الفلافل الفلسطيني في مدخل الصالة، ومن الفيلم لا أتذكر غير روعة الوانه. و أستغراب من اسم الفنان،،، "كوخ." حينها ربطت أسمه بـ"اكواخ" كانت تبدو على الشاشة، و بجدارة استطعت أخفاء تناقض مشاعري في الطريق الى الحي بينما كان يسألني عم الصديقة عن أنطباعي عن الفيلم.سينمائيا يعيد المخرج الرائع "فنسنت مينيللي" 1903-1986 تركيب السيرة الذاتية لاحد اكبر رسامي الفن الحديث "فنسنت فان كوخ" 1853-1890، سيلاحظ القارئ التشابه في الاسماء والوجوه خلال المقال و نحن في البناء السينمائي لهذه الشخصية القلقة دائما، و المعذبة دائما، وباستمرار في بحثها الفلسفي في متاعب وجودية و روحية لم يتمكن الفنان من حلها ولو جزئيا. متاهة "كوخ"كانت بالغة التعقيد من كل الجوانب، فبعد اخفاقه في تجربة خدمة الانسان في بعثة تبشيرية، و اخفاقه المريع في اول علاقة عاطفية جعل من اهتزاز افكاره و شكه في قيم الاشياء قاده الى النشاط الفني الذي سيخوض غماره بجدارة رغم فشله في بيع لوحة واحدة في حياته، "ربما واحدة".رؤيا الفنان "كوخ"الفطري في البداية، و ثقافته ساعدت دخوله عالم الفن المعقد، خصوصا في تلك الفترة التي كانت تجرب انفعالات، و تحولات جذرية على كل اصعدة الثقافة و الفنون، و نلاحظ هذا في رسائله المحيرة و المتعددة الى أخيه "ثيو"، و هو كان في غمارها لان ثقافة ذالك الشاب كانت تفوق كل معاصريه من الفنانين، لكن صراعه الداخلي و عذاب روحه، و لا انتمائيته سد كل السبل أمامه، أو هو سدها متعمدا مقتنعا بعدم جدوى وجوده، و يحسم الامر في انتحاره رغم ان زاوية في قلبه المعقد كانت تنازع الحياة، هنا نرى معنى، عنوان الفيلم "الرغبة في الحياة" المأخوذ عن الرواية بنفس العنوان التي كتبها "أرفنغ ستون" 1903-1989 في عام 1934، و منذ نشرها تنازع حقوقها السينمائية العديد من الشركات و المنتجين، كانت "وارنر"في المقدمة.في عام 1956 تنتجه شركة "مترو"بعد تعاقدها مع "مينيللي"، أسمه الاول "فنسنت" الذي سمي سيدا للون السينمائي في منتصف القرن الماضي، وهذا يجند كل عبقريته في صنع فيلما مشرقا في الوانه، وبالذات اللون الانطباعي في كل بهائه، و يعالج بذكاء في العديد من اللقطات صنعة العمل الفني التشكيلي و حيرة المبدع في أمره في لحظات الخلق و جدوى هذا اللون و كثافته.و حساسية الضؤ، ثم علاقة الفنان بمحيطه، و في الكثير من الاحيان تقترب الكاميرا لتسجيل خطوات الابداع وعكس الانفعال من الغضب الى الاحباط.و يبدأ الفيلم مع الشاب "فان كوخ" في كل تألقه و شبابه متحمسا لقضايا فقراء الارض و يتطوع للخدمة في مناجم الفحم في "بلجيكا"و سنرى على طول الشريط كيف يتمكن المخرج من تفكيك شخصية الفنان ليختصرها في النهاية الى لا شئ، الى العدم.يختار "مينيللي"أثنين من عمالقة الاداء، و لا أدري اذا كان الاختيار بسبب الشبه مع أبطال القصة التأريخية، يختار "كيرك دوغلاس"1916.الذي فعلا ترى فيه شبيها ب"كوخ بطلا للفيلم، و يختار كممثل ثانوي "أنتوني كوين"1915 -2001 الذي أعتاد الاداء الجيد في أدوار صعبة، والذي لم ينسى دروس "ايليا كازان" أثناء العمل في فيلم "فيفا زاباتا" أمام عملاق اخر، هذا كان "مارلون براندو"حيث كان المخرج يزرع الخلاف بينهما متعمدا في قصد أشعال روح المنافسة في الاداء بين الاثنين، والغريب ان "كوين" كان يشبه "بول غوغان" الذي يلعب دوره في الفيلم والذي فاز فيه على جائزة الاوسكار الوحيدة التي حصدها الفيلم بعد 4 ترشيحات.قصة الفيلم تتحدث سفر الالم الذي عاناه "فان كوخ" في تسلسل مأساوي، و فشل متواصل في كل جوانب حياته الاجتماعية والدينية والفنية، يفشل في اول محاولاته مساعدة عمال المناجم، ويثور على ترف و بيروقراطية الدين الذي تطوع التبشير به، ثم يفشل عاطفيا في قصة حبه الوحيدة مع أحدى قريباته، و لو لا مساعدة أخيه "ثيو فان كوخ" الذي سيبقى ملاك رحمته حتى النهاية، كنا سنحرم من هذا التراث العظيم الذي تركه الفنان، و الجدل المتواصل خلال القرن الاخير حول أهميته كأحد أهم رموز الثقافة العالمية على الاطلاق. هذا الدور قام به الممثل "جيمس دونالد" 1917-1993، دور ثانوي، ولكنه يغطي كل الشريط. "ثيو" كان واعيا مأساة أخيه و لا يتورع في مساعدة أخيه في كل الشروط.ثم يساعد أصدقائه ايضا، وبعد تجارب فنية عديدة "فاشلة؟؟" يسافر الى "أرلس" جنوب فرنسا على كلفة أخيه بعد فشل علاقة الحب الثانية مع أحدى المومسات او من نساء الهوى، يعيش سعيدا في البدء و يرسم أجمل لوحاته من الطبيعة و من حياة البسطاء، و المزارع و الفلاحين و أكواخهم المشرقة بالضوء وكثافة الالوان، و شخصيات المدينة، و باراتها و شوارعها الليلية و منزله الاصفر، و يفرح بخبر وصول "غوغان" للعيش معه "على حساب الاخ ثيو، بالطبع" لانه كان يعتقد بأفكار "غوغان" الذي يشاركه في فطرية الفن، ولكن هذا الاخير لم يكن رحيما مع صديقه الوفي فهو كان عنيفا و متهورا في طبعه، و خلال العيش المشترك لم يطيقه، لا شخصيا و لا فنيا، والجدال العنيف كان طبقهم اليومي و كان غوغان يعنف "كوخ" في بذخه الوانه، ثم يعنفه أصراره الخروج لرسم الطبيعة في يوم ريح قاسي، هذا الاحباط الجديد يسرع في تدهور صحة الفنان العقلية، و هذا يقوده في ليلة مجنونة قطع أذنه مما عرضه الى استهزاء شعبي و سخرية لا تطاق، و الفنان الملعون "غوغان"يترك صديقه لحظه و يهرب مرة اخرى الى البحار الاستوائية.يتواصل الفيلم بعد ذالك في مصحات عقلية بين فرنسا وهولندا، حيث ينتهي على يد الدكتور "غاشيت" بهذا الدور يقوم الممثل "ايفيريت سلوان" 1909-1965، و هذا يظهر في العديد من لوحات الفنان، و هذا الطبيب كان معروفا بأعتنائه العديد من فناني تلك المرحلة، و كان هاويا و جامعا لمعظم الرسامين الانطباعيين.موسيقى الفيلم كتبها "مكلوس روشاس" 1907-1995 الهنغاري الاصل، ولكن باعتقادي ان العنصر الحاسم في نجاح الفيلم كان المصور الرائع "فريدي يونغ" 1902-1998 الذي يصور فيما بعد اجمل افلام المخرج البريطاني "ديفيد لين"، مثل "لورنس العرب" و "الدكتور جيفاكو" و "أبنة رايان" و يفوز جائزتين اوسكار على الفلمين الاولين.في الاخير، أعتقد ان الترشيح لجوائز الاوسكار هو نوعا من الحظ.و الاكثر حظا من يفوز بها، لا أشك أبدا أستحقاق "كيرك دوغلاس" هذه الجائزة، فأدائه كان في القمة، و لكن أداء "انتوني كوين" كان في قمة القمة اذا سمح لي التعبير، فيلم لا أترك مشاهدته كلما يعرض في القنوات التيلفزيونية، ولكن جماله يزيد في شاشات بعض دور السينما التي بين فترة و اخرى تعيد عرض بعض الافلام الكلاسيكية الخالدة.التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
أنت تتحفنا دائماً بالجمال
ستار كاووش -مقال رائع أستاذ حميد ، شكراً لأهدائك الجميل ، تحليل جميل لأحداث الفيلم وشخصياته . أضافة الى الموسوعية والفنيّة العالية لتي تكتب بها فمقالاتك تشكل أيضاً متعة عند قراءتها . شكراً لأنك تتحفنا دائماً بالجمال